في القانون الموريتاني

الدكتور أحمد سالم ولد ببوط[*]

تعريب الدكتور: محمد ولد الداه ولد عبد القادر[**]

مراجعة الدكتور: محمد محمود ولد محمد سالم[***]

ترتبط إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية ارتباطا وثيقا مع “ضمانات الحقوق الأساسية”([468]) إذ لا يمكن الفصل بينهما: فلا يمكن وجود دولة القانون في غياب ميكانيزمات موجهة لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم.

وبعكس الأشخاص الخاصة، فإن نظرية طرق التنفيذ على مستوى القانون العام تمكن من ضمان فعالية القانون الصادر من المحاكم عبر تفعيل الإجراءات (حجز أموال المدين التي لدى الغير، الحجز على المنقول والحجز على العقار.. الخ).

إن المشكلة تطرح بصورة مختلفة فيما يعني الأشخاص العمومية، هل يحب أن نثق في “نزاهة الدولة”([469]) وأن ننتظر أن يحدث عبر معجزة متجددة بانتظام أن تحترم الدولة بجميع فروعها: القانون الذي هي من قامت بوضعه أصلا؟.

صحيح أنه في دولة منظمة، لا يمكن تصور رفض الإدارة لتنفيذ أحكام القضاء الصادرة في حقها، ولا يمكن أن يكون ذلك الأمر عاديا.

فالحالات النادرة التي تظهر الإدارة عنادها يمكن تفسيرها إما بصعوبة تنفيذ الحكم القضائي نفسه أو بصورة استثنائية عبر رفض إرادي لأسباب معلنة، وهذه الفرضية الأخيرة التي نجدها مستبعدة من وجهة النظر القانونية.

هل يمكن أن نضع وبكل بساطة الأشخاص العموميين لطرق التنفيذ طبقا للقانون العام؟ هذا الحل، من أجل التبصر، يصطدم ليس بمبدأ فصل الإدارة الفاعلة والوظيفة القضائية([470]) ولازمته الطبيعية عدم إمكانية توجيه القاضي أمرا للإدارة فحسب بل بعد إمكانية أن يتناقض أحد مع نفسه!.

وهنا يجب أن نتبصر على المدى المتوسط، في الوقت الذي يخص التنفيذ عبر طرق تنفيذ القانون العام، اتجاه الأشخاص العمومية لا يترك لهذا الأخير حرية التنكر للسلطة التي تتمسك (ترتبط) بالقرارات القضائية هذا الحل الوسط، في الواقع، ارتكز على إنشاء ميكانيزمات مستقلة تضمن التنفيذ بواسطة الإدارة للأحكام القضائية الصادرة ضدها، وعلى ضوء إيجابية هذه الميكانيزمات يمكن أن يتم تقييم النظام القانوني على أساسها.

إن هذه المسألة تشكل منفعة متجددة في موريتانيا، لصالح الدستور الجديد، 20 يوليو 1991 والذي في إطار دمقرطة مؤسسات الدولة. نص في مادته 89 على وجود سلطة قضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية([471]).

وسنقوم بفحص، فيما يلي، الحلول المقترحة، من طرف القانون الموريتاني، على المشاكل التي يطرحها تنفيذ الأحكام القضائية ضد الأشخاص العمومية، على أن نقتصر على الفرضيات، التي تصطدم فيها عملية التنفيذ برفض معلن واختياري من طرف السلطة الإدارية وفي هذا الصدد، فإن القانوني الموريتاني ينبثق من تفكك ما بين الشخصيات العمومية التقليدية (الدولة المجموعات المحلية، والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري) والتي لا تخضع لطرق التنفيذ المطبقة في القانون العام، من جهة (I) والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري والتي تخضع لطرق التنفيذ هذه (II) إن دراسة مصطلحي هذا التمييز سيمكننا من تقييم الحلول المقترحة من طرف القانون الوضعي الموريتاني في هذا المجال.

I تنفيذ الأحكام القضائية ضد شخصيات عمومية غير تلك الشخصيات ذات الطابع الصناعي والتجاري.

إن المبدأ الذي بموجبه لا تخضع الأشخاص العمومية لطرق التنفيذ المعمول بها في القانون الخاص تتجسد بقوة في القانون الفرنسي، تم الأخذ بها في القانون الموريتاني، لكن مع استثناء هام، لا ينظم المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري  لكن وضع طرق التنفيذ للقانون العام جانبا لم يكتمل بسبب وجود طرق تنفيذ نوعية وفعالة (ب).

أ. التنفيذ عبر طرق التنفيذ في القانون الخاص:

في غياب صياغة صريحة في القانون الموريتاني وفقا لمبدأ عدم خضوع الأشخاص العمومية لطرق التنفيذ القانون العام.

ومن الضروري أن نقوم بفحص وضعية المشكلة في القانون الفرنسي بوصفه مصدرا تاريخيا للقانون الموريتاني([472]).

1. في فرنسا، لا يمكن أن نستعمل طرق التنفيذ الحالية في القانون الخاص، ضد الأشخاص العمومية، هذا المبدأ الذي اعترفت به محكمة النقض في وقت مبكر، فيما يتعلق بالدولة (Cass. 31 mars 1819, Enregistrement C/ Jousselin) وهذا الحل قد تم تمديده إلى الجماعات المحلية (Par ex. Cass. 16 décembre 1965 Commune d’Azay- Rideau).

ويعود الفضل إلى محكمة النزاعات في إقرار هذا الحل فيما يتعلق بالمؤسسات العمومية في حكمه (Canal de Gignac 18 décembre 1889) والتي تؤكد بأن “طرق التنفيذ التي أنشأها قانون الإجراءات المدنية لتحصيل الديون ما بين الخصوصيين لا يمكن أن تتم متابعتها اتجاه المؤسسات العمومية”.

وإذا كان حكم (Canal de Gignac) قد صدر في الوقت الذي لم تكن المؤسسات ذات الطابع الصناعي والتجاري قد ظهرت في القانون الوضعي([473]) ويجب أن نسجل بأن محكمة النقض أكدت عبر حكمها مكتب البحوث الجولوجية والمعدنية (BRGM) بتاريخ 29 دجنبر 1987 هذا المبدأ فيما يتعلق بالمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري واضعا حدا لربع قرن من التذبذب والحيرة وعدم اليقين على مستوى الفقه، فاتحا عبر حكم محكمة النقض بتاريخ 30 يناير 1951 الشركة الوطنية للطباعة والصحافة (SNEP) وضعها بصورة يقينية، وبتطبيق بصورة عامة المبدأ الذي بموجبه لا تخضع الأشخاص العمومية لطرق التنفيذ المطبقة في القانون الخاص.

تعاني رغم ذلك من عدم تحديد أسسه، يمكن نذكر دواليك، مبدأ الفصل بين الإدارة الفاعلة والوظيفة القضائية، وذلك ما يستشف من المادة 13 من قانون 16. 24 اغشت 1790 ولازمته، المبدأ الذي بموجبه لا يمكن للقاضي توجيه أمر للإدارة، ومبدأ عدم قابلية الحجز على الممتلكات العمومية، وذلك ما يستنتج من مرسوم المحاسبة العمومية في نصوصه بتاريخ 3 مايو 1862 و10 دجنبر 1953 وكذلك المادة 537 الفقرة الثانية من القانون المدني التي تنص على أن: “الممتلكات التي ليست في ملكية الخواص، تعتبر مسيرة ولا يمكن نقل ملكيتها إلا وفقا للشكليات وطبقا للمساطر الخاصة بها”.

وبصورة مستقلة عن هذه المصادر النصوصية فإن بعض أعضاء مجلس الدولة لم يترددو في التأكيد على أنه يوجد في القانون الفرنسي مبدأ عام بموجبه لا توجد طرق تنفيذ ضد الأشخاص العمومية([474]) وبهذه الطريقة، نرى أنها تم اعتمادها من طرف محكمة النقض في حكمها BRGM والتي تعني صراحة “المبدأ العام للقانون الذي بموجبه لا يمكن الحجز على ممتلكات الأشخاص العمومية عليها هذا المبدأ الذي يعتبر بمثابة أنه لا يسمح باللجوء إلى طرق التنفيذ المتبعة في القانون الخاص (ضد الأشخاص).

2- أما بالنسبة للقانون الموريتاني؟ هنا نادرا ما نجد صياغة صريحة لهذا المبدأ، لكن هذا الصمت لا يمكن أن يكون محدد، بسبب وجود مؤشرات، بالعكس، ناضل من أجل حل مشابه للقانون الفرنسي، في الواقع، وبموجب المساطر التي تنظم خلافة الدولة، بعض النصوص أو المبادئ الفرنسية المذكورة سابقا، لا زالت مطبقة حاليا بموريتانيا، ومن أبرزها مبدأ فصل الإدارة الفاعلة والوظيفة القضائية والتي ليست إلا شكلا من أشكال مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في المادة 89 من دستور 20 مايو 1991.

فيما يتعلق بمرسوم المحاسبة العمومية ومدونة القانون المدني الفرنسي، فإن هذه النصوص بقيت مطبقة في موريتانيا حتى سنة 1989 والواقع أن النصوص الموريتانية التي استبدلت النصوص الفرنسية لم تحدد قاعدة عدم قابلية الحجز على الأموال العمومية (الأمر القانوني رقم 012. 89 بتاريخ 23 يناير 1989) ولا إجراءات للمادة 537 الفقرة الثانية من القانون المدني الفرنسي (الأمر القانوني 126. 89 بتاريخ 14 سبتمبر 1989 المتضمن لقانون الالتزامات والعقود، الجريدة الرسمية ص 491) لا تبدو محددة في هذه الحالة”([475]).

يمكن أن نستنتج إذا من خلال هذه العناصر، على غرار القانون الفرنسي، تضمن القانون الموريتاني، لمبدأ عام “لعدم إمكانية حجز الأموال العمومية، زيادة على مبدأ عدم خضوع الأشخاص العمومية إلى طرق التنفيذ بالقانون الخاص.

هذه الخلاصة تبدو أكثر مشروعية حيث لم تردد المحكمة العليا الموريتانية، في الاستناد إلى “المبادئ العامة للقانون” وهي عادة مستوحاة من القانون… الفرنسي (انظر على سبيل المثال المحكمة العليا 19مارس 1980 أ.ولد.ب).

يمكن أن نقدر، من جهة، أن الاختيار في القانون الموريتاني لازدواجية النظام القانوني للإدارة وبالخصوص التمييز ما بين الأشخاص العامة، والأشخاص الخصوصية([476])، يفرض بالضرورة استقبال هذا القانون للمبدأ الذي بموجبه لا توجد طرق تنفيذ ضد الأشخاص العامة، التي تشكل، كما سنرى، عنصر أساسا للشخصية العامة، هذا المبدأ قد تم الاعتراف به ضمنيا لكن المحكمة العليا اعترفت به في حكمها الصادر بتاريخ 17 مايو (SMAR) 1978 الشركة الموريتانية للتأمين وإعادة التأمين Mendès junoir C/S.

حيث أكدت مبدأ الخضوع الجزئي، للمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، إلى طرق تنفيذ القانون الخاص، ليستشف من ذلك أن أشخاص القانون العام الأخرى ليست خاضعة لهذا النوع من طرق التنفيذ([477]).

ب. غياب طرق نوعية وفعالية.

بما أنها غير خاضعة لطرق التنفيذ بالقانون العام فإن الشخصيات العمومية “التقليدية” (الدولة والجماعات المحلية، المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري) لا تعتبر أيضا مبرأة من واجب احترام سلطة الشيء المقضي به، حتى إذا صدر ضدهم. على مستوى التطبيق فإلغاء طرق التنفيذ في القانون الخاص، يمكن بل يجب أن يكون مكملا، بتفعيل ميكانيزمات مختلفة قضائية وغير قضائية، ذات طبيعة تضمن تنفيذ الإدارة للقرارات القضائية الموجهة ضدها، إذا كانت هذه الميكانيزمات موجودة في القانون الموريتاني، فإنها بعيدة من أن تكون فعالة.

1. سنذكر في البداية تدخل التعميم الصادر عن رئيس الجمهورية الذي يلزم السلطات الإدارية باحترام الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم، في حين أن القرارات القضائية محل الشك، تبدو لهم غير مؤسسة، وينبثق هذا المنشور من هاجس حميد هدفه احترام القانون، لكن من غير المحتمل أن تكون له آثار حقيقية، وإجمالا يمكن أن تكون أكثر اقتناعا من هذه المنشورات والتي تأكد لدينا وجودها من مصادر جديرة بالثقة، لم يتم نشرها في الجريدة الرسمية، وبالتالي تعذر الحصول عليها بالرغم من أننا بحثنا عنها بجدية وبصورة مكثفة!.

يمكن أن نقرب من هذه المجهودات بعض تدخلات رئيس المحكمة العليا والتي بموجبها يلفت، بصورة ودية،…، انتباه السلطات الإدارية المعنية حول آثار بعض القرارات الصادرة عن المحكمة ضد الإدارة، لكن هذه المراسلات لا يمكن أن تكون لها آثار أكثر فعالية من القرارات التي تنبه إلى ضرورة تطبيقها…

ويبدو أن الميكانيزم المحدد في المادة 66 من الأمر القانوني 20 مايو أكتوبر 1987 المتعلق بالبلديات ج.ر.ص 9 المادة 20 من الأمر القانوني 4 أكتوبر 1990 المتضمن لنظام المؤسسات العمومية والمؤسسات ذات الرأسمال العمومي ج.ر. ص 315 الذي يعني سلطة الحلول بالنسبة لسلطة الوصاية على مستوى… والمؤسسات العمومية إلى السلطات المختصة فيما يتعلق، بتسجيل ميزانية هذه الجماعات وتلك المؤسسات للتكاليف واجبة الأداء، والتي بطبيعة الحال، قد تكون مصاريف ناتجة عن أحكام قضائية صادرة ضد الإدارة، والحاصلة على قوة الشئ المقضي به لكن يتعلق الأمر هنا بسلطة استثنائية والتي حسب علمنا، فسلطات الوصاية لم تستعمل أبدا من أجل احترام الأحكام القضائية.

في هذه الظروف يمكننا أن نبين بعض الآمال التي علقت على استحداث مؤسسة وسيط الجمهورية. ولو حديثا. في القانون الموريتاني (القانون 7 يوليو 1993 الجريدة الرسمية ص 405) وهي مؤسسة مستوحاة مباشرة من التجربة الفرنسية في هذا المجال مع الخصوصية المعترف بها لهذه المؤسسة، من إمكانية ممارسة بعض الاختصاصات في مجال تنفيذ الأحكام القضائية “فوسيط الجمهورية يمكنه في حالة عدم تنفيذ حكم قضائي وصل درجة قوة الشيء المقضي به، أن يلزم الهيئة محل الحكم أن تلتزم بتنفيذ الحكم القضائي وذلك بإرسال تقرير خاص إلى رئيس الجمهورية (المادة 14 الفقرة الثانية من قانون 7 يونيو 1993) ونسجل على أية حال في هذه الحالة بأن هذه الإجراءات تعترف لوسيط الجمهورية بسلطة إصدار أوامر إلى الإدارة، تلك السلطة التي لا يتمتع بها القاضي.

لكن يمكننا أن نلاحظ على هذا المستوى بأن هذه المؤسسة حديثة النشأة (إذ تم تعيين أول وسيط جمهورية بتاريخ 10 يوليو 1993) ومن الطبيعي أن لا تكون أولوياته منصبة على حل المشاكل المتعذرة المرتبطة بعدم تطبيق الأحكام القضائية التي تدين الإدارة؟.

من أجل تأكيد هذه الملاحظة المتشاءمة قليلا، نجد أن “التقرير الخاص” الذي يجب تقديمه من طرف وسيط الجمهورية يوجه إلى رئيس الجمهورية بدلا من أن يتم نشره بصورة “رادعة” عبر الجريدة الرسمية!.

2. من الضروري أن نلاحظ في هذا المجال، بأن الميكانيزمات المحددة من طرف القانون الموريتاني، تبقى، بالرغم من تعددها نظرية تقريبا.

ومما يؤسف له في هذا الإطار، غياب “إجراءات قارة للتنفيذ” لأحكام العدالة، على الأقل ما يتعلق بالأحكام المالية المعلنة ضد الأشخاص العمومية، التي تنبثق من المحاسبة كما هو الحال في فرنسا عبر القانون الشهير، بتاريخ 16 يوليو 1980.

هذا القانون الذي يفرض من بين إجراءات أخرى، وتحت بعض الشروط أمر بالصرف لمبلغ من المال مستحق على إدارة تمت إدانتها عبر حكم قضائي، حصل على قوة الشيء المقضي به([478]) هذا الميكانيزم يشكل النواة الصلبة “لطرق التنفيذ الإداري” التي يمكن أن يعتمد عليها مفوض الحكومة Teissier في بداية القرن الماضي([479]) والتي بدأ التشريع والفقه في وضعها بتأن في فرنسا.

نجد هنا إحدى الخصائص المعروفة لتبعات المحاكاة القانونية: التي تعيد استعمال القانون الفرنسي في حقبة معينة (عادة أثناء الاستقلال) غير أن الدول الأفريقية لم تتبع دائما التطور من أجل الاستفادة من التبعات التشريعية والفقهية التي تتطلب ذلك([480]).

II تنفيذ الأحكام القضائية ضد المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري.

إذا كان القانون الموريتاني انضم إلى القانون الفرنسي فيما يخص وجود مبدأ “حصانة” الشخصيات العمومية اتجاه إجراءات التنفيذ المتبعة في القانون الخاص، وهي منفصلة فيما يعني نظام المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري  أن التشكيك في هذا المبدأ وحتى لو كان ظرفيا لا يبدو لنا مبررا (ب). 

أ. التطبيق الجزئي لطرق التنفيذ في القانون العام.

1. في حكمها الصادر بتاريخ 17 مايو Mendès junior SMAR 1978 المذكور سابقا، المحكمة العليا الموريتانية (الغرفة المدنية والتجارية) قد قدرت أن حسابات سمار المشكلة على صورة مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري يمكن أن تكون محلا للحجز.

وفي هذا الحكم فإن المحكمة التي عقدت جلسة استعجالية حول صحة أمر يرتبط بفك الرهن أي رفع اليد عن المحجوزات التي تمت ممارستها ضد صاحب الحيازة على حسابات سمار في نزاع نشأ ما بين هذه الأخيرة وأحد دائنيها.

وبما أن المحكمة العليا أكدت هذا الأمر برفع اليد، بسبب حالة الاستعجال فإن المحكمة العليا، قد تجاوزت الحالة التي بين أيدينا لأنها أصرت على تحديد أن هذه المؤسسة ذات الطابع الصناعي والتجاري.

تمت إدانتها بصورة نهائية من طرف قضاء مختص، يجب أن تعامل كما هو منصوص عليه (!) لكل متظلم طبقا للمواد 341 وما يليها، والتي تنظم طريقة تنفيذ أحكام العدالة النهائية”. وهنا نجد تأكيدا لموقف مبدئي.

2. من أجل الوصول إلى هذه النتيجة فإن المحكمة العليا اعتمدت أولا على القانون رقم 064. 77 بتاريخ 21 يناير 1977 المحدد لنظام المؤسسات العمومية وخصوصا في مادته الثانية، التي تنص على أن “(…) المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري والتي تخضع لنفس القواعد التي تخضع لها المؤسسات الخصوصية فيما يتعلق بعلاقاتهم مع الغير”([481]).

لو طبقنا هذه الإجراءات فيما يخص شركة سمار، فهي تؤكد بأن هذه تشكل، بالرغم من هيمنتها، مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري”([482]).

انطلاقا من هذه المعطيات فإن المحكمة العليا تكون أكدت عبر ذلك، نفس الشيء بالنسبة للمؤسسات الخصوصية، لأن ممتلكات مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري تشكل في بعض الحدود، ضمانة للدائنين الذين اتخذت الشركة التزامات اتجاههم (…).

في هذه الخطوة تحلل “ضمانة الدولة” المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون 27 يوليو 1974 المنشئ لشركة سمار، كما هو محدد، وفي الحقيقة أنه يحمي ديون الغير، ضد عدم قدرة المؤسسة على الوفاء بديونها، بسبب طبيعة الأصول المخصصة والتي تعتبر أصول عمومية أو المخصصات اللاحقة والتي هي مدفوعة من طرف الدولة والتي سيكون لها نفس الطابع، لا يمكن أن يعلن إفلاسها، والتي في إطار هذه الفرضية أي التوقف عن الدفع، سيجد الغير نفسه محروما من رفع أي دعوى”.

ومنذ ذلك الوقت، تتابع المحكمة، خارج كل وضعية عدم القدرة على الأداء، وقابلة أن يؤدي إلى القضاء على شركة أسمار فإن ممتلكات هذه الأخيرة يجب أن تستجيب إلى الالتزامات التي على عاتقها سواء تلك الناتجة عن التزامات تعاقدية أو تلك المترتبة عن أحكام قضائية صادرة ضد الشركة وحاصلة على قوة الشيء المقضي به”.

ومن هنا وصلت المحكمة العليا إلى الخلاصة النهائية، وهي تفعيل طرق تنفيذ القانون العام اتجاه المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري وهي الخلاصة التي أخرجتها من التحفظ، بسبب وجود “الدولة كضامن” لهذه المؤسسات، فإنها يجب أن تكون بمنأ من كل مصادرة أو حجز وفقا للإجراءات الاستعجالية، بصورة محافظة في القضايا النزاعية المرتبطة بها والتي يتم إصدار أحكام قضائية تدينها بعد” غير أن هذا الحل لا يبدو لنا مبررا.

ب. عدم ملاءمة الحل المقترح.

1. في الوقت الذي أصدرت لمحكمة العليا حكمها، كانت عينها على الاجتهادات الفقهية الفرنسية، التي تميل إلى اعتماد إمكانية استعمال، طرق التنفيذ بالقانون العام ضد المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري.

في هذا المحيط، فإن الشراح والمفسرين لم تفتهم الإشارة إلى أن محكمة النقض قد استبعدت هذا الاحتمال، فيما يعني المؤسسة الوطنية لطباعة الصحافة وذلك أن هذه المؤسسة كان لديها محاسب عمومي (arrêt SNEP, préc) ومن ناحية أكثر إيجابية، فإن محكمة الاستئناف بباريس، قد قررت فيما يتعلق ب SNCF بأنه لعدم وجود محاسب عمومي، فإن طرق التنفيذ في القانون الخاص تكون ممكنة تحت طائلة عدم التأثير على التسيير الدائم والمنتظم للمرفق العمومي “المسير من طرف تلك المؤسسة (C.A paris 11 juillet 1984 SNCF, AJDA 1984 p. 625 et) فهذا الكلام، كما نعرف، محكوم عليه بالإبهام والغموض من طرف محكمة النقض في حكمها BRGM المذكور سالفا، بالتأكيد أن حكم برج لم يكن محل إجماع من طرف المذاهب الفقهية([483]) وفي نفس الوقت لاقي استحسانا، من طرف أغلبية المعقبين، ذلك أنه يوفر ميزة توحيد نظام الأشخاص العمومية ويضع الرابط بين هذا النظام ووضع على الحياد طرق التنفيذ في القانون العام، كما أكد ذلك السادة MM. Long, Weil, Braibant, Delvolvè et Genevois: إن الشخصية العمومية، تضم عنصرا غير قابل للنقص: القوة العمومية حسب القانون الفرنسي، الشخصيات العمومية يمكن أن تمارس هذه القوة اتجاه الآخرين، وهذه القوة لا يمكن أن تنعكس عليها([484]).

2. بموجب العلاقة التاريخية التي توجد ما بين القانون الفرنسي والقانوني الموريتاني يمكن أن نأخذ على حكم المحكمة العليا بأنها شبهت المؤسسات العمومية الصناعية والتجارية بمؤسسات القانون الخاص (إن استعمال المفهوم الخاص بقانون الشركات التجارية) ممتلكات المؤسسات العمومية الصناعية والتجارية تشكل ضمانة لدائنيها!.

لابد من أن نوضح القراءة الخاصة والانتقائية للمحكمة العليا لقانون 1977 المتعلق بالمؤسسات العمومية، الذي تم التركز فيه على الأمور التي تبين مدى التقارب بين المؤسسات العمومية الصناعية والتجارية من الأشخاص الخصوصية، في الوقت الذي التزمت فيه الصمت اتجاه تلك الأجزاء من النص التي تعطي لهذه الهيئات نظاما خاصا.

استثناءا من القانون الخاص، تسيير مرفق عمومي، محاسب عمومي، وصاية، الرقابة العمومية… الخ.

من هذه الزاوية، فإن خطأ المحكمة العليا كان بنسيانها أنها قبل أن تكون خاضعة للقانون الخاص (النظام القانوني) فإن المؤسسة العمومية الصناعية والتجارية، وقبل كل شيء شخصية عمومية (الطبيعة القانونية) مكلفة بتسيير مرفق عمومي، وبهذه الصفة، تتمتع بصورة استثنائية بحق استعمال القوة العمومية (وفي هذه الحالة، فإن شركة سمار تتمتع بالاحتكار المشروع للتأمينات في موريتانيا).

إن أخذ هذا الموقف يعتبر أمرا مرفوضا لأنه في بعض الأحيان ولأجل تبريرها فإن المحكمة العليا شعرت بأنها ملزمة بأن تحيل إلى بعض خصوصيات النظام القانوني لشركة سمار (أموال عمومية) مستثنى من التشريعات المنظمة للتصفية القانونية”) ومن المحير أن نستنتج خلاصات مضادة تماما لتلك التي يمكن أن نصل إليها بطرق مشروعة.

برفضها أن تمنح لممتلكات المؤسسات العمومية “المتأتية من الدولة” نفس الحماية القانونية التي لأموال هذه الأخيرة.

3. بالتأكيد، يجب الاعتراف في هذه الحالة، أن حكم المحكمة العليا موضح، خصوصا أنه يفتح إمكانية استعمال طرق تنفيذ القانون الخاص، فيما يتعلق بالقرارات الإدارية “النهائية”.

وذلك بملاحظة، بأنه يتعلق بإجراء بسيط مؤجل لمعانة، ليست ضرورية، يمكن أن نأسف بأن المحكمة العليا، والتي في هذه القضية قد عرفت تأثير قراءة سريعة، للأحكام الفقهية الفرنسية في حقبة 1978.

لم تأخذ في حسابها الدنيا التحفظات المجسدة مقدما في هذه الاجتهادات الفقهية: تلك المرتبطة بوجود محاسب عمومي وفي الحالة المضادة المحافظة على استمرارية المرفق العمومي المسير من طرف المؤسسة!.

وفي هذا الصدد، فإن تصرف المحكمة العليا يعتبر غير مبرر لأنها لن تتردد في الاعتماد على “السير الطبيعي للمرافق العمومية” (v. par ex.: C.S. 19 avril 1972. Traoré Souleymane).

4. تضاف إلى هذه العناصر ذات الطبيعة القانونية أخرى نابعة من سوسيولجية المنازعات في موريتانيا.

ونسجل في هذا الصدد بصفة خاصة الآثار الصادرة التي يمكن أن تتصور في هذا المجال، من جهة، فإن لعبة طرق التنفيذ في القانون العام المتوافقة، ومن جهة أخرى، الآثار الناتجة عن التساهل الذي غالبا ما تكون الإدارة ضحية له بإدانتها دائما دون حق.

فوضعية شركة سمار SMAR نفسها التي نناقشها حاليا، تعرف صعوبات مالية يصعب انتشالها منها، بسبب بعض الأحكام القضائية، غالبا مشكوك في صحتها، شكلت آثارا صادمة ومنحرفة للأحكام القضائية الصادرة ضد الشركة منذ 1978 بل إنها ليست الوحيدة في هذا الإطار([485]) إنها موارد البلد الشحيحة يتم تبذيرها ونهبها وكأن شيئا لم يكن!.

فالحلول المقترحة من طرف القانون الموريتاني لإشكالية طرق التنفيذ لأحكام القضاء الصادرة ضد الأشخاص العمومية، تعاني من نوع من التنافر والتفكك: من جهة، فهي تخضع المؤسسات العمومية ذات الطابع السياسي والتجاري لطرق تنفيذ قاسية، في القانون الخاص، وذلك ما من شأنه أن يعرض للخطر التسيير المستمر والمنتظم للمرافق العمومية المسيرة من طرف هذه المؤسسات، ومن جهة أخرى، تجسد حصانة تامة اتجاه شخصيات عمومية “تقليدية” متناقضة مع متطلبات دولة القانون.

فالحكمة تتطلب في هذا الإطار، توحيد لنظام الأشخاص العمومية عبر تعميم المبدأ الذي تبعا له (فإن مجموعة) الأشخاص العمومية لا تخضع لطرق التنفيذ المتبعة في القانون العام، وفي نفس الوقت، تفعيل ميكانيزمات متعددة وفعالة، تهدف إلى ضمان احترام الأشخاص العمومية لسلطة الشيء المقضي به ضدهم والأخذ بعين الاعتبار متطلبات التسيير المستمر والمنتظم للمرافق العمومية التي عليهم مسؤوليتها.

وفي هذا الصدد، نسجل بأنه إذا كانت محكمة النقض الفرنسية، صممت العزم، في حكمها BRGM، أن تقصي المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري من تطبيق طرق التنفيذ في القانون الخاص، فقد تمسكت بتحديد أن هذه المؤسسات، خاضعة للإجراءات. الفعالة نسبيا. المنشأة بموجب قانون 16 يوليو 1980″([486]).

من وجهة النظر هذه فإن أي، تغير في اجتهاد المحكمة العليا سيكون مرحبا به ويمكن أن يكمل بالضرورة، باعتماد إجراءات تشريعية وتنظيمية، مناسبة آخذة بعين الاعتبار سوسيولوجية المنازعات الموريتانية، لقد آن الأوان لموريتانيا، وهي تضع مؤسسات ديمقراطية أن تتمتع بمنظومة تشريعية تدعم خصوصيات وامتيازات السلطة العمومية وتخطط بصورة واضحة حدودها في مواجهة الحقوق المشروعة للمواطنين([487]).


[*] أستاذ مبرز في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة نواكشوط.

العنوان الأصلي للدراسة:

Ahmed Salem Ould Bouboutt: Les voies d’exécution contre.

Les personnes publiques en droit mauritanien, in L’effectivité des droits fondamentaux dans les pays de la communauté francophone, Edition Aupelf- uref. 1994 Montréal. PP: 583- 593.

[**] أستاذ مكلف بالتدريس بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بجامعة نواكشوط وبالمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء.

[***] أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بجامعة نواكشوط.

[468] L’expression “droit fondamentaux” est ici considérée comme synonyme des “droits et libertés” en général.

[469] La première formule serait de Thiers, la seconde formule est du Professeur P. Weil: le droit administrarif, Coll. Que sais-je?, P.U.F, 1987, p. 5.

[470] Cette formule préférèe par MM. Vedel et Delvolvè (Droit admmistratif. Tome ll, P.U.F, 1990; p. 205) à la formule “séparation des activités administratives ct Judiciares”, nous parait plus précise.

[471] sur cc point, cf. notre étude: La nouvelle Constitution mauritanienne, 27 p; dact. à paraitre, Recueil Penant.

[472] Sur ce point, par ex.: M. Jéol: Droit administrarif mauritanien, Cours ronéo, Centre de formation Administrative de Mauritanie, 1964.

[473] La catégories des etablissements publics industriels et commerciaux sera introduite par le célèbre arrêt T. C 22 janvier 1921 Société commerciale de l’ouest africain, Rec. 91.

[474] On retrouvera les références de l’ensemble des arrêts cites dans ce paragraphe in: Long, Weil, Braibant, Delvolvè et Genevois: les grands arrêts de la jurisprudence administrative. Sirey 1990, pp. 727 et s.

[475] R. Denoix de Saint Marc: note sous C.A Paris 11 juillet 1984, SNCF, D. 1985 p. 174.

[476] En efet, par analogie, le fait que le décret français du 29 décembre 1962 sur la comptabilité publique n’ait pas Repris la règle d’insaisissabilité des deniers publics, n’a pas empêche la Cour de cassation d’adopter l’arrêt BRGM.

[477] V. par exemple notre étude: A.S Ould Bouboutt Existe-t-il un contentieux administratif autonome en Mauritanie? Penant, 1985, pp. 58- 88.

[478] Sur cet arrêt, v. infra partie ll.

[479] Selon l’heureuse formule de MM. Vedel et Delvolvè, op. cit. p. 360. Sur la loi du 16 juillet 1980, Vedel et Delvolvè: ibid.

[480] Teissier: Concl. Sur C.L 17 juin 1904 hospice du Saint- Esprit, S. 1909. 3. 119.

[481] V. sur ce point, en ce qui concerne la Mauritanie: A. S. Ould Bouboutt: Propos sur la Chambre administrative de la Cour suprême de Mauritanie in G. Conac et J. de Gaudusson (sous la dir. de): Les Cours suprêmes en Afrique, tome ll, Economica, 1988, pp. 245- 256.

[482] On retrouve ici une heureuse illustration du caractère non déterminant de la dénomination des entreprises publiques en ce qui concerne leur nature jurldique.  

[483] V. par ex.: A. de Laubadèrr, J. C Vénézia et Y. Gaudemet: Traité de droit Admimstratif, Tome l, LGDJ, 1990, pp. 154- 225.

[484] Long, Weil, Braibant, Delvolvè: et Genevois: op. cit. p, 730; dans le même sens: R. Chapus: Droit Addmmistratif général Tome 1, 1990, Montchrstien, p. 91

[485] On peut citer a titre d’exemple, le cas de la Sociétè Mauritanienne de Commercialisation des Poissons, qui gére l’important Service public de l’exportation des produits halieutiques, elle aussi, menacée par les coups de boutoir de la justice.,.

[486] V. la redaction de l’arret BRGM.

[487] Sur cette problématique: G. Vedel: le droit admimsrratif peut-il être indéfiniment jurisprudentiel? EDCE 1979- 1980 p. 310 et s.

الأكثر رواجًا