بين هاجس الفعالية واكراهات التطبيق

الحايلة الحسين

طالب باحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس السويسي

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية  سلا 

تقديم

نظرا لوجوب تحصيل الديون العمومية اعتبارا لدورها الاستراتيجي في تغذية ميزانية الدولة بنصيب هام من الأموال التي من شأنها تغطية النفقات العمومية الضرورية وتمكين مختلف أجهزة الدولة من القيام بأدوارها على الوجه المطلوب، فقد وضع المشرع بين يدي الجهة المكلفة بالتحصيل مجموعة من الآليات لمواجهة المدين المتقاعس عن الدفع وجبره على الأداء، اصطلح على تسميتها قانونا وعملا بإجراءات التحصيل الجبري.

وتعتبر هذه الإجراءات من أهم الضمانات التي منحها المشرع لإدارة التحصيل لاستخلاص الدين العمومي عموما والدين الضريبي على وجه الخصوص، فهي تعطي للمحاسب المكلف بالتحصيل سلطات واسعة لتمكينه من ضمان الحفاظ على حقوق الخزينة ([1]).

وتتمثل إجراءات التحصيل الجبري في كل من الإنذار والحجز ثم البيع كإجراءات تنفيذية عادية، هذا بالإضافة إلى الإكراه البدني كإجراء استثنائي لا يتم اللجوء إليه إلا بعد فشل وسائل التنفيذ الأخرى.

إن مباشرة القابض لهذه الإجراءات على الرغم من نجاعتها يتطلب منه إلى جانب تسخير كل إمكانياته المادية والبشرية وقتا كبيرا وصبرا وأناة واحترام حقوق الملزمين والسهر على ضمان حقوق الخزينة والكل تحت طائلة الجزاء فكان من المشرع أن سن طريقة أخرى غير مكلفة وسريعة لا تحتاج إلى ما تحتاجه الإجراءات الجبرية الأخرى ويتعلق الأمر بالإشعار للغير الحائز ([2]).

وللإشارة فهذا الإجراء اقتبسه المشرع من القانون الفرنسي ([3]) وذلك في الوقت الذي راكمت فيه محكمة النقض ومجلس الدولة من التجارب بما يسمح لهذه المنظومة القضائية من إعطاء قيمة مضافة لهذه الإجراء، وبما يمكن الخزينة من وسيلة إضافية غير مكلفة وفعالة لتحصيل ديونها ([4]).

فهل فعلا استطاعت هذه الآلية ببساطتها وسرعتها أن تقلص ولو بشكل جزئي من مشاكل التحصيل في المغرب؟

إذا كانت فعالية أي إجراء لا تكمن في النتيجة المحصل عليها فقط بقدر ما تكمن في مشروعية هذا الإجراء في حد ذاته، خاصة إذا علمنا أن صياغة المواد المنظمة للإشعار للغير الحائز لا تسعف في اللجوء إلى هذا الإجراء نتيجة للغموض الذي يكتنفها.

فالجواب إذن سيكون بالطبع لا، لأن مدونة تحصيل الديون العمومية أهملت في الفصول المذكورة ما هو أهم من تحقيق النتائج والفعالية ألا وهي المشروعية نتيجة لكونها لم تتعرض لا لطرق تبليغ هذا الإجراء وآجاله، ولا لدرجة تموقعه بين إجراءات التحصيل الأخرى لتكون بذلك قد قزمت من حجم أية فعالية كانت ستحقق، ووضعت في نفس الوقت حجرة عثرة أمام المحاسب عوض أن تمده بآلية تكون نهاية لمشاكل التحصيل.

لكن وحيث أن التجربة القانونية علمتنا أن أي غموض يكتنف المنظومة التشريعية، لابد أن يؤدي في وقت ما إلى تدخل القضاء لتبديد هذا الغموض، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح هو إلى أي حد استطاع القضاء الإداري رفع اللبس القانوني المرتبط بهذا الإجراء وما مدى انعكاس ذلك على امتيازات إدارة التحصيل وضمانات الملزم الضريبي؟.

إن الإجابة على هذه التساؤلات يجب أن يتم في اعتقادنا من خلال خطة بحث تجمع بين رصد أهم الإشكاليات والثغرات التي تحد من فعالية الإجراء سواء على المستوى القانوني والعملي (المطلب الأول)، أو على المستوى القضائي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الإشكالات القانونية والعملية لمسطرة الإشعار للغير الحائز

بالرجوع إلى المقتضيات القانونية المنظمة لمسطرة الإشعار للغير الحائز يتبين لنا أن المشرع المغربي كنظيره الفرنسي لم يتطرق إلى الشكليات ولا إلى التراتبية التي يجب أن يحترمها هذا الإجراء قبل أن يكون له أي أثر أو مفعول على ذمة المدين مما يكون معه قد أسس لجملة من الإشكالات القانونية (الفقرة الأولى)، هذا ونشير إلى أن المشرع بعدم تحديده لمفهوم الأموال التي ينصب عليها الحجز يكون قد أسس أيضا لعدة إشكالات عملية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: واقع الإشعار للغير الحائز بين وجوب احترام الشكليات وتراتبية الإجراءات

أولاً: إشكالية تبليغ الإشعار للغير الحائز وآثاره

إن اعتبار الإشعار للغير الحائز كآلية دفاع ابتكرها المشرع ووضعها في متناول المحاسب المكلفة بالتحصيل لمواجهة المدينين المتهربين من أداء الواجب الضريبي، أو كوسيلة لمباغتة الملزم السيئ النية لا يجب أن تحمل على إطلاقها وذلك باعتبار أن إثبات سوء النية يصعب تحقيقه على مستوى الواقع اللهم في حالات استثنائية.

كما أن العلاقة التي يجب أن تربط إدارة التحصيل بالملزم يفترض أن تكون مبنية على أساس المواطنة والوعي الكامل بالمسؤولية وليس على أساس المباغتة، وهو ما لم يتم مراعاته على مستوى النص القانوني. فالمشرع في المواد المنظمة للإشعار للغير الحائز لم ينص على كيفية التبليغ ولا على شكلياته وعلى ما إذا كان وجوبيا بالنسبة للملزم فقط أم كذلك بالنسبة للحائز، مكتفيا بتبيان الأشخاص المستهدفين بهذا الإجراء. ومن تم كان من اللازم التساؤل حول انعكاسات هذا الغموض على المستوى العملي والقضائي؟

على الصعيد العملي يعتبر المحاسبين المكلفين بالتحصيل أن عدم تطرق المشرع إلى الشكل أو الطريقة التي يجب أن يتم به تبليغ إجراء الإشعار للغير الحائز ليس غموضا بقدر ما هو امتياز للإدارة ضد كل تهرب أو سوء نية من جانب الملزمين، إذ كيف يمكن أن يحقق هذا الإجراء الفعالية المرجوة منه إذ علم به الملزم وقام بسحب أمواله قبل مصادرتها من قبل الإدارة.

إن هذه القراءة من جانب الإدارة كثيرا ما اصطدمت بقاض إداري لا يتواني في تفسير النصوص القانونية بما يراعي مبادئ المشروعية وآثار خرقها على مصالح الأفراد، فغموض النص لا يجب أن ينظر إليه (حسب وجهة نظر لقاضي) على أنه منح صلاحية واسعة للإدارة الجبائية في استعمال امتيازاتها دون قيد أو شرط، إذ كيف يعقل أن تطالب الإدارة الأغيار بتسليم ما بين أيديهم من أموال تعود للملزم دون أن يكون هذا الأخير على علم بذلك ([5]).

إن هذه القراءة والتي سبق أن تبنتها محكمة النقض الفرنسية ([6]) ترجمها القاضي الإداري المغربي بدوره في كثير من أحكامه منها حكمه الصادر بتاريخ 13/03/ 2010 حيث جاء فيه “وحيث إنه باستقرار المقتضيات القانونية أعلاه يتبين أن المشرع وإن كان لم يشترط ضرورة احترام إجراءات معينة إزاء الملزم قبل اللجوء إلى مسطرة الإشعار للغير الحائز فإنه ونظرا للطابع الاستثنائي للمسطرة المذكورة وما يترتب عنها من تسليم فوري للمبالغ الموجودة في حوزة الأغيار والمودع لديهم مع ما قد يسفر عنه ذلك للمعني بالأمر من أضرار، واعتبارا كذلك لمبدأ حق الدفاع الذي يعد من المبادئ الأساسية الواجب احترامها حتى في حالة عدم النص عليها صراحة، فإن القابض يبقي ملزما بتوجيه إشعار إلى الخاضع قصد إخباره بإجراءات الاستخلاص المباشرة في حقه عن طريق الإشعار للغير الحائز” ([7]) وهو بطبيعة الحال اتجاه مخالف لمن يري في الإشعار امتيازا للإدارة ووسيلة لمحاربة التهرب من أداء الواجب الضريبي أو وسيلة لمباغتة الملزم السيئ النية.

وعلى علة اعتبار التبليغ شكلية جوهرية لصحة مسطرة الإشعار للغير الحائز وإن كنا نختلف مع بعض القضاء حول وجوب تبليغه إلى الملزم قبل الحائز ([8])، فإن الصيغة التي سن بها التبليغ في بعض مواد مدونة تحصيل الديون العمومية لا تسعف والحالة هذه في اللجوء إلى هذا الإجراء دون أن يكون محل منازعة بعدية.

ويمكن ملامسة الإشكالات القانونية المتعلقة بالتبليغ على مستويين:

  1. حالات تعذر التبليغ: عدد المشرع على سبيل المثال مجموعة من الحالات التي يتعذر فيها التبليغ وهي كالآتي:

 حالة تعتذر تبليغ الإجراء لعدم العثور على المدين أو ممثله:

قياسا على مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 43 من م.ت.د.ع المتعلقة بواقعة تعذر تبليغ الإنذار، فإنه في الحالة التي يتعذر فيها تسلم الإشعار للغير الحائز نظرا لعدم العثور على المدين أو على أي شخص أخر في موطنه أو محل إقامته، يعتبر الإشعار قد تم فعلا وبلغ تبليغا صحيحا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ تعليقه في آخر موطن للملزم.

إن تطبيق هذا القياس سوف يطرح عدة إشكاليات منها أنه لا يجوز للإدارة أن تتمسك بنتائجه إلا في حالة إثبات قيامها بالإجراءات السابقة حسب تسلسلها القانوني تحت طائلة عدم الاحتجاج بمقتضياته.

ثم إن صياغة ((أخر موطن)) سوف تثير العديد من المنازعات منها أن المدين سوف يدفع في مواجهة الإدارة بمناسبة الطعن في التبليغ أن الموطن الذي علق فيه الإشعار ليس بآخر موطن له علما بأن الإدارة هي الملزمة في هاته الحالة بإثبات واقعة آخر مواطن ([9]). كما أن المدين قد يثير في مواجهة الإدارة للقول ببطلان التبليغ جميع الدفوعات المتعلقة بنفي واقعة التعليق وبقاء الإشعار معلقا بآخر موطن له طيلة عشرة أيام التي تعتبر قرينة على التبليغ وهنا يطرح الإشكال حول إثبات واقعة التبليغ ووسائلها بالنسبة للإدارة وبقاء الإشعار معلقا خلال عشرة أيام وما هي الوسائل الكفيلة بضمان بقائه معلقا طيلة تلك المدة.

نخلص من كل ذلك إلى القول أن اعتماد الفقرة الأخيرة من المادة 43 المشار إليها أعلاه سوف يخلق للقباض مجموعة من الصعوبات هم في غني عنها الشيء الذي سينعكس لا محالة على عملية التحصيل ككل.

 حالة رجوع الطي بعبارة غير مطلوب أو غير مطالب به“:

يمكن تصور هذه الحالة عندما تلجأ الإدارة الجبائية إلى طريقة التبليغ عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتسلم. فهنا غالبا ما يتم إرجاع الظرف يحمل عبارة “غير مطلوب”.

إن ما يلاحظ على مستوى هذه الطريقة من التبليغ هو أن المشرع على الرغم من إعطائه الحق للإدارة في استعمال جميع وسائل التبليغ الممكنة ومنها التبليغ عن طريق البريد، فإنه والحالة ما ذكر لم يشر في مضمون النص إلى حالة رجوع الطي بعبارة “غير مطلوب” فهل يعتبر ذلك تبليغا؟

نعتقد أنه إذا كانت المادة 42 من م.ت.د.ع لا تسعف في معالجة هذه الإشكالية، فيجب إخضاع هذا الإجراء إلى مقتضي قانوني أخر وهو في هذه الحالة المادة 10 من القانون رقم 26 – 04 المتعلق بالمساطر الجبائية للسنة المالية 2005، والتي اعتبرت أن رجوع الطي بعبارة “غير مطلوب” يفيد التوصل بعد انصرام 10 أيام التي تلي تاريخ إثبات تعذر التسليم.

غير أن الملاحظ على مستوى قضاء المجلس الأعلى والمحاكم الإدارية أن القاعدة المعمول بها، هي أن أي إجراء لا يمكن ترتيب الأثر القانوني عليه إلا من تاريخ توصل المعني به توصلا قانونيا مفسرا بذلك عبارة “غير مطلوب” بكونها لا تعني ولا تفيد التوصل ([10]).

 حالة مغادرة الخاضع للضريبة لمحل إقامته:

من المفروض أن تكون العلاقة التي تربط الإدارة الجبائية بالملزمين علاقة أساسها الشفافية والوضوح فإذا كانت هذه الإدارة ملزمة بتبليغ الملزمين في عناوينهم المصرح بها في مراسلاتهم أو إقراراتهم أو عقودهم. فإنه في حالة تغيير العنوان أو إغلاق المحل من الضروري إخبار الإدارة بذلك، ما دام أن الحق يجب أن يقابله دائما الواجب، والواجب هنا في نظرنا هو ضرورة إعلام إدارة الضرائب بأي طارئ يطرأ على وضعية الملزم وإلا فإنه لا يمكن التمسك بواقعة عدم التبليغ وهو ما أكدته إدارية وجدة في حكمها بتاريخ 23/01/ 2003 في ملف عدد 54/ 02 معتبرة “أنه بغض النظر على أن الاعتقال لا يحول دون ممارسة المدعى لحقوقه في جميع الميادين وخاصة التي تمس ذمته المالية، فإن عدم إدلائه بما يثبت الشكل المتطلب قانونا إعلامه للإدارة الجبائية لواقعة الاعتقال، يكون معه دفعه بعدم التبليغ غير مؤسس”.

2 إشكالات مرتبطة بالشخص المسلمة إليه الوثيقة:

لقد حددت المادة 43 من م.ت.د.ع الأشخاص الذي يحق لهم تسلم طي التبليغ والتوقيع عليه في كل من الملزم شخصيا أو بموطنه لأقاربه أو مستخدميه أو لكل شخص آخر يسكن أو يعمل معه.

إلا أن هذا التحديد يطرح في اعتقادنا عدة إشكالات منها على الخصوص المقصود بالموطن، هل هو الموطن المصرح به لدى الضرائب أم الموطن الأخير خاصة وأن المشرع استعمل عبارة “في أخر موطن له”. ومن جهة أخرى فرغم أن المشرع قد أشار إلى إمكانية تسلم طي التبليغ بواسطة الأقارب إلا أنه لم يحدد درجة ونوع هذه القرابة وهل تمتد إلى الأصهار والورثة وهو الأمر الذي يثير صعوبة عملية لدى القباض.

بل إن الأخطر من ذلك أن استعمال المشرع لعبارة أو “أي شخص أخر يسكن معه” أدي في كثير من الأحيان إلى تبليغ الطي من طرف مأموري التنفيذ إلى أشخاص لا يمتون للملزم بصلة قرابة كأصدقائه وجيرانه بل وفي بعض الأحيان إلى أبناء الملزم القاصرين معرضين بذلك إجراءاتهم إلى البطلان ([11]).

هذا ونشير بالإضافة إلى ذلك إلى مشاكل أخرى قد يتعرض لها القباض نتيجة عدم تضمين محضر التبليغ البيانات الواجبة كالإشارة إلى صفة العون وتاريخ التسليم وهوية المتسلم للطي، فهل يمكن اعتبار واقعة التبليغ في هذه الحالة منتجة لأثارها؟.

إجابة عن هذا السؤال ذهبت المحكمة الإدارية بوجدة في حكمها عدد 201 بتاريخ 15/7/2004 في الملف رقم 695/ 03 إلا أنه “حيث لم تدل الإدارة الجبائية لا بالطي الذي يتضمن ملاحظة العنوان الناقص ولا بمحضر التبليغ المنجز من طرف أحد مأموريها المحلفين، وبالتالي يبقي ما تدفع به بهذا الخصوص غير مدعم بالحجج المثبتة له، ومن جهة أخرى فإن الاكتفاء بالقول بأن أحد الورثة قد رفض التوصل دون ذكر اسمه ودون بيان من أين استقي أنه من الورثة، كل ذلك يجعل التبليغ بهذه الكيفية غير قانوني” ([12]).

تبعا لما سبق يتبين لنا أنه إذا كان الإشعار للغير الحائز، إجراء يروم من خلاله المحاسب تسلم الأموال والمبالغ الموجودة في حوزة الأغيار، تسلما فوريا، وهو بالتالي يعتبر على هذا النحو كغيره من إجراءات التحصيل الجبري قاطعا للتقادم، فإنه والحالة ما ذكر لا يمكن أن يتحقق هذا الأثر ما لم يصل هذا الإجراء إلى علم المدين والغير الحائز، عن طريق قائمة تبيلغ مستوفية لجميع شروطها وشكلياتها تحت طائلة تحمل المحاسب للآثار الناجمة عن عدم صحة هذا التبليغ، خاصة إذا علمنا أن التبليغ الباطل لأي سبب من الأسباب لا يقطع التقادم طبقا للقاعدة الفقهية “ما بني على باطل فهو باطل”.

وصفوة القول، إذا كان تبليغ إجراء الإشعار للغير الحائز إلى الملزم يعتبر مسطرة جوهرية، قبل مباشرة أي تنفيذ على أموال هذا الأخير لدى الأغيار الحائزين، فإننا نتساءل على هذا الأساس عن موقعه ضمن إجراءات المتابعة الأخرى؟

ثانيا: مسطرة الإشعار للغير الحائز ومبدأ تدرج المتابعات

بخصوص موقع الإشعار للغير الحائز من درجات المتابعة، فإن المشرع لم يفصل في هذه المسالة، إذ لم يدخل الإشعار للغير الحائز ضمن مساطر التحصيل الجبري، بل أورده في البابين الرابع والخامس المتعلقين بالتزامات الأغيار المسؤولين أو المتضامنين، وكذا التزامات المودع لديهم والأغيار الحائزين (المواد 93 إلى 104 من مدونة التحصيل)، مما يدفعنا إلى التساؤل عن ما إذا كان هذا الإجراء يخضع لمبدأ تدرج المتابعات المنصوص عليها بالقانون 97 – 15 أم يعتبر إجراء مباغتا لا يتقيد بالمبدأ المذكور؟.

جوابا على هذا السؤال يري بعض الباحثين ([13]) أنه ما دام أن المشرع المغربي قد اقتدي بالقضاء الفرنسي الذي يعتبر الإشعار للغير الحائز بمثابة حكم بالتصديق على حجز ما للمدين لدى الغير المكتسب لقوة الأمر المقضي به (قرار محكمة النقض الفرنسية 2/ 6/ 1980)، فإنه لا يمكن للقابض سلوك هذا. الإجراء في أي مرحلة من مراحل مسطرة التحصيل، بل لابد أن يخضعه للتسلسل الترتيبي للمتابعات الجبرية المنصوص عليه في المادة 39 من مدونة التحصيل، وبالتالي يكون باطلا كل إشعار للغير الحائز يوجهه المحاسب المكلف بالتحصيل قبل توجيهه إشعارا بدون صائر وإنذارا قانونيا للملزم ([14]).

بل إن هذا الرأي يذهب إلى أكثر من ذلك، معتبرا أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال للمحاسب المكلف بالتحصيل أن يلجأ إلى إجراء الإشعار للغير الحائز حتى ولو احترمت شكليات تبليغه وبلغ بعد إنذار قانوني سليم. وذلك إذا كان بوسع المحاسب أن يحصل الديون بوسيلة أخرى تغني عن الإشعار للغير الحائز وهو الأمر الذي أكدته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قرارها الصادر بتاريخ 19/04/ 2006 حيث جاء فيه: “إذا كان بإمكان شركة القرض الفلاحي للمغرب بناء على المادة 15 من القانون رقم 99/ 15 بتاريخ 11/ 11/ 2003 المتعلق بإصلاح القرض الفلاحي مواصلة تحصيل مبالغ القروض الممنوحة من لدن الصندوق الوطني للقرض الفلاحي قبل تحويلها إلى شركة مساهمة وفقا للتشريع المتعلق بتحصيل الديون العمومية، فإنه لا يمكن لتلك الشركة استخلاص الدين العمومي عن طريق مسطرة الحجز لدى الغير إلى بعد استيفاء مسطرة تحقيق الرهن المنصب مسبقا على عقارات المدين وحصول عدم كفاية الضمانات الرهينة لتغطية مجموعة الدين” ([15]).

هذا وتجدر الإشارة دائما في إطار الحديث عن محدودية مؤسسة الإشعار للغير الحائز أن القابض المكلف بالتحصيل لا يمكن أن يلجأ إلى هذه المسطرة متي قام الملزم باستصدار أمر قضائي بإيقاف إجراءات التحصيل الخاصة بذات الدين تحت طائلة اعتباره لاغيا، وذلك اعتبارا على أن الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ تسموا على القاعدة القانونية وعلى كل إجراء من الإجراءات الإدارية ([16]).

كخلاصة إذا كان الإشعار للغير الحائز الذي بلغ إلى الملزم وفق الشكليات التي استلزمها المشرع بعد إنذار قانوني ومتى لم توجد وسيلة أخرى تغني عن لجوء المحاسب إليه، هو فقط الذي يمكن من تحقيق الأثر الفوري لتسليم الأموال المحجوزة بين يدي المحاسب، فإنه على المستوى العملي يصطدم بعدة عراقيل.

الفقرة الثانية: مفهوم الأموال القابلة للحجز وإشكالياتها العملية

بالرجوع إلى مقتضيات المادة 102 من م.ت.د.ع والتي تنص صراحة على أنه “يترتب على الإشعار للغير الحائز، التسليم الفوري للمبالغ الموجودة في حوزة الأغيار…”

يتبين لنا أن المشرع لم يحدد المقصود بالأموال القابلة للحجز مما قد يخلق في اعتقادنا عدة إشكاليات وصعوبات عملية للقباض أثناء ممارسة هذا الإجراء خاصة عندما يتعلق الأمر بأموال مودعة لدى البنوك سواء على شاكلة حسابات جارية أو حسابات ودائع.

إن من بين التعقيدات التي يمكن تصورها في الحسابات الجارية، هو عدم وضوح الرؤيا في الرصيد الممكن إجراء الحجز عليه، على اعتبار أن هناك أبواب دائنة وأبواب مدينة مشتركة بين البنك وزبونه ([17]) فالقابض هنا لا يمكنه إجراء الحجز إلا بعد استصدار الأطراف لأمر استعجالي بناء على طلب يقضي بإغلاق الحساب الجاري وحصره في الرصيد المدين. وهذا في اعتقادنا قد يتيح للملزم على غفلة من القابض فرصة لسحب جزء من أمواله قبل حصول عملية الدمج لاستخراج الرصيد الدائن المؤقت خاصة إذا علمنا أن التزام البنك بمنع المدين من التصرف في الأموال موضوع الدين في حدود مبلغ الدين منذ تاريخ التوصل بالإشعار لا يمكن أن يتحقق في هذه الحالة لعدم معرفة الرصيد المدين أثناء الإشعار، كما أن البنك لا يمكنه أن يحجز على مبلغ الحساب الجاري بكامله لما في ذلك من ضرر للمدين خاصة إذا كان هذا الأخير تاجرا أو شركة.

أما بالنسبة لحسابات الودائع فإن الإشكالية التي قد تثار بالنسبة للقاضي هي صعوبة إثبات ملكية الحساب خاصة عندما يكون الملزم الذي صدر في حقه الإشعار للغير الحائز محاميا أو موثقا، إذ غالبا ما يتعلل هؤلاء بأن الأموال المودعة في حساباتهم تعود ملكيتها لزبائنهم.

ولقد استجاب القضاء في عدة أحكام لهذه التعليلات متجاهلا ضمانات تحصيل الدين منها حكمه في قضية شركة النقل البلدي ضد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حيث جاء فيه: “الحساب المهني للمحامي المنظم بنص 10/1/1224 وظ 10/9/93 يعتبر حسابا للزبون وليس حسابا خاصا للمحامي مما يجعل الحجز المضروب عليه لتنفيذ دين ضريبي في ذمة المحامي غير مؤسس – رفضه – نعم” ([18]).

كما قضي في حكم آخر: “حيث يؤخذ من ظاهر أوراق الملف أن المدين الحقيقي بالضريبة موضوع إجراءات الحجز عن طريق مسطرة الإشعار للغير الحائز هي شركة أموال… دون الطالب الذي يعتبر مجرد شريك بها وهي تتوفر على ذمة مالية وشخصية مستقلة مما يبقي معه إجراء الحجز في مواجهة الشريك المتابع مشوبا بالبطلان” ([19]).

المطلب الثاني: منازعات الإشعار للغير الحائز أمام قاضي المستعجلات بين حقوق الملزم وضمانات الخزينة

بعد أن أثبتنا بناء على ما سبق أن اعتبار نظام الإشعار للغير الحائز كآلية تمكن المحاسب في مواجهة الملزمين سيئي النية من تحصيل ديون الدولة بشكل تنفيذي، مباغت، وفعال ودون تكلفة هو مجرد حبر علي ورق وذلك بحكم أن هذا الإجراء يخضع لنفس الشكليات القانونية والبيانات الجوهرية التي اشترطها المشرع عند ممارسة باقي الإجراءات الجبرية، بل والأكثر من ذلك هو مجرد إجراء استثنائي. فإنه والحالة ما ذكر سنحاول أن نثبت على مستوى هذا المطلب أن الصيغة التنفيذية لهذا الإجراء والمتمثلة في استلام الأموال بشكل فوري تبقي بدورها غير ذات جدوى أمام إمكانية إيقاف مفعول هذا الإجراء (الفقرة الأولى)، إضافة إلى تنصل القضاء من الضمانات التي سنها المشرع لحماية مصالح الخزينة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: واقع الصيغة التنفيذية للإشعار للغير الحائز بين النص القانوني والاجتهاد القضائي.

لقد هدف المشرع من خلال سنه لمؤسسة الإشعار للغير الحائز، تمكين الإدارة المكلفة بالتحصيل من وسيلة فعالة تتيح لها كلما دعت الضرورة إلى ذلك النفاذ إلى أموال المدين بسرعة وبأقل ضرر وتكلفة، وحجزها في يد الأشخاص المؤتمنين عليها دون أن يحد من إمكانية ذلك أي تعرض أو مطالبة أو تدخل من أي سلطة كانت لإيقافها أو الحد من مفعولها.

وهو ما عبر عنه المشرع صراحة في المادة 117 من مدونة تحصيل الديون العمومية عندما نص على أنه “بصرف النظر عن أية مطالبة أو دعوى ينبغي على المدينين أن يؤدوا ما بذمتهم من ضرائب ورسوم وديون أخرى طبقا للشروط المحددة في هذا القانون.

إلا أنه يمكن للمدين الذي ينازع كلا أو بعضا في المبالغ المطالب بها أن يوقف أداء الجزء المتنازع فيه شريطة أن يكون قد رفع مطالبته داخل الآجال المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وأن يكون ضمانات من شانها أن تؤمن تحصل الديون المتنازع فيها”.

وأكد عليه أيضا في المادة 124 من نفس المدونة حيث نص على أنه “لا يحق لأي سلطة عمومية أو إدارية أن توقف أو تؤجل تحصيل الضرائب والرسوم والديون الأخرى اوان تعرقل سيرة العادي تحت طائلة إثارة مسؤوليتها الشخصية المالية…”

من خلال التمعن في مقتضيات المواد المذكورة أعلاه يتبين لنا بما لا يدع مجالات للشك أن المحاسب المكلف بالتحصيل هو الجهة الوحيدة المختصة بتلقي الطلبات التي تروم مخاصمة قرار التحصيل كلما تم المساس بالمركز القانوني للملزم، وبالتالي فهو وحده المختص خلال هذه المرحلة بقبول أو رفض طلب إيقاف التنفيذ دونا عن أي سلطة أخرى إدارية كانت أو قضائية تحت طائلة إثارة مسؤوليتها.

وهو الرأي الذي يشاطرنا فيه الأستاذ عبد الرحمان ابليلا ([20]) حيث اعتبر أن هذه المادة تخاطب الجميع باعتبار القضاء سلطة عمومية إلى جانب السلطة التشريعية والتنفيذية. كما أن الأوامر القضائية الموجهة للإدارة بوقف تنفيذ تحصيل الضريبة قد تحمل أمرا موجها من سلطة قضائية إلى سلطة تنفيذية وهو ما لا يجوز لمسه بمبدأ دستوري وهو مبدأ الفصل بين السلطات.

غير أنه في مقابل هذا الرأي يري اتجاه آخر من الفقه ([21]) أن السلطة القضائية غير معنية بهذه المادة معتبرا أن هذا المنع يخص السلطات الإدارية دون القضائية التي تبقي ذات الاختصاص الأصيل في مراقبة مشروعية الأعمال الإدارية. ومن تم يجوز للقضاء الاستعجالي في إطار القواعد العامة للاستعجال المنصوص عليها بالفصول 149 وما يليه من ق.م.م في حالة الاستناد إلى منازعة جدية في قانونية الضريبة أو حالة التوفر على شروط الإعفاء الضريبي أن يعمل على إيقاف تنفيذ الضريبة.

وللإشارة فإن هذا التفسير هو نفسه الذي أخذ به القضاء الإداري، وواتر عليه أحكامه وقراراته والتي نورد منها القرار الصادر عن المحكمة الإدارية بفاس والذي قضي في حيثياته بأن “الطالب ينازع جديا في قانونية إجراءات المتابعة سواء من زاوية مسطرة الاستخلاص أو من زاوية عنصر تقادم الضريبة ونظرا لوضوح مركزه القانوني حول جدية المنازعة في مسطرة استخلاصها التي تبقي مشوبة بالبطلان والتقادم وأن حالة الاستعجال تبقي قائمة بالنظر لما يترتب عن تنفيذ الحجز وتسليم المبالغ المحجوزة لحساب الخزينة العامة من أضرار يصعب تداركها بعد التنفيذ لأجله يبقي استصدار الإجراء المطلوب مؤسسا” ([22]).

وفي نفس الاتجاه ذهبت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش ([23]) وهي تناقش الدفع بعدم الاختصاص الذي أثارته الإدارة إلى أنه “وبغض النظر عن الطبيعة الموضوعية فإن قضاء الاستعجال دأب على تحوير الطلبات المقدمة إليه بشأن رفع الحجز الموقع علي الحساب البنكي وإعادة تكييفها إلى طلبات إيقاف إجراءات التحصيل باعتبار أن هذا هو الجوهر الحقيقي لتلك الطلبات ما دام تم تقديمها إلى قضاء الاستعجال.

وحيث أن الاستجابة لطلب إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل رهينة بتوفر عنصري الاستعجال وجدية الطلب. وحيث أن إيقاع الحجز على الحساب البنكي للطالب لدى بنك المغرب بمقتضي الإشعار للغير الحائز موضوع الطلب من شأنه أن يوفر حالة الاستعجال في النازلة”.

وفي السياق نفسه نشير إلى أن اجتهاد الغرفة الإدارية ([24]) قد استقر في العديد من قراراته على القول بولاية القضاء الاستعجالي فيما يخص الاستجابة لطلبات إيقاف إجراءات الإشعار للغير الحائز وذلك متي استبان لها من ظاهر الأوراق أن هناك منازعة جدية في الدين العمومي وتوافرت حالة الاستعجال بصرف النظر عن توفر الضمانات الكفيلة باستخلاصه.              

الفقرة الثانية: موقف القضاء الاستعجالي من ضمانات إيقاف الدين العمومي على ضوء مسطرة الإشعار للغير الحائز في مقابل الامتيازات التي أتاحها القانون لإدارة التحصيل بغية تمكينها من تحصيل مستحقاتها الضريبية في أسرع وقت وبأقل مجهود ممكن لم يغفل المشرع حقوق المكلف الذي قد يشعر أحيانا بعدم شرعية تلك المطالبة لسبب من الأسباب – كأن ينازع في المقدار المطلوب أداؤه إما كليا أو جزئيا – فأباح له في هذه الحالة بمقتضي المادة 117 إمكانية “أن يوقف أداء الجزء المتنازع فيه”.

غير أنه لما كان المبدأ السائد أن كل حق إلا ويتبعه واجب أو التزام، فإن المشرع لم يترك للملزم ممارسة هذا الحق على إطلاقه، بل قيده بمجموعة من الإجراءات الجوهرية تحت طائلة عدم القبول، كضرورة تقديم مطالبة إدارية داخل الآجال القانونية وكذا تكوين الضمانات التي من شأنها أن تؤمن تحصيل الديون المتنازع حولها.

ذلك أنه لو أبحنا لكل من يدعي عدم شرعية مطالبته بالضرائب أن يوقف أداء الجزء المتنازع فيه لأدي ذلك إلى تعطيل عملية التحصيل وبالتالي الإضرار بحقوق الخزينة مع ما قد يترتب عن ذلك من نتائج سلبية قد تنعكس أثارها على دواليب الاقتصاد الوطني مما يسبب بالتالي إخلال خطيرا في سير الموافق العمومية للدولة نتيجة الإضرار بميزانيتها.

كخلاصة إذا كان هذا هو الموقف الرسمي والتشريعي فإن التساؤل يبقي مطروحا بالنسبة لواقع هذه الضمانات في الاجتهاد القضائي المغربي؟.

* فيما يخص الوسيلة الأولى المتعلقة بضرورة تقديم مطالبة إدارية داخل الآجال القانونية والتي جعلها المشرع شرطا جوهريا للاستجابة لطلب وقف الأداء نشير إلى أن القضاء الاستعجالي شد عن هذا المقتضي التشريعي معتبرا أنه “إذا كان المشرع قد حدد للملزم أجلا لرفع مطالبته وحدد للإدارة الضريبية أجلا للجواب فإن ذلك لا يجب أن يمتد إلي الدعاوي الاستعجالية لتنافيه وطبيعتها العاجلة… نعم.

ثبوت أن الملزم مواجه بإشعار للغير الحائر الذي يترتب عنه الأداء الفوري للمبالغ المحجوزة يجعله في حل من سلوك المسطرة المنصوص عليها في المادتين 117 و 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية… نعم” ([25]).

ولقد سارت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على نفس النهج في قرارها عدد 156 بتاريخ 13/03/2003 والذي قضت فيه على أنه “لكن من جهة حيث أن قاضي الأمور المستعجلة مختص للنظر في طلب رفع الحجز على ما للمدين لدى الغير باعتباره طلبا يكتسي طابع الاستعجال… وحيث من جهة ثالثة إن سلوك مسطرة الطعن الإداري المنصوص عليها في القانون 97 – 15 قبل اللجوء للقضاء المستعجل لرفع الحجز يعتبر غير ملزم لتعارضه مع حالة الاستعجال التي يفرضها هذا الإجراء والتي لا تتحمل بطبيعتها الانتظار…” ([26]).

* فيما يخص الوسيلة الثانية المتعلقة بضرورة تكوين الضمانات الكفيلة بتأمين تحصيل الديون العمومية فإنه يلاحظ أن هناك تغير جدري في توجه القضاء الإداري. فبعد أن كان هذا الأخير ولاسيما قبل دخول مدونة تحصيل الديون العمومية حيز التنفيذ لا يعفي طالب إيقاف التنفيذ من تقديم الضمانة إلا إذا كان ينازع بصفة جدية وشاملة لمبلغ الدين العمومي ([27]) وذلك بإعمال مفهوم المخالفة لمقتضيات المادة 15 من ظهير 21/05/ 1935 التي تستوجب تقديم الضمانة إذا كانت منازعة المدين جزئية ولا تشمل الدين بأكمله وهو ما استمر في العمل به حتى بعد دخول مدونة تحصيل الديون العمومية حيز التنفيذ بالرغم من وضوح مقتضيات المادة 117 منها والتي تنص في فقرتها الثانية على أنه “يمكن للمدين الذي ينازع كلا أو بعضا في المبالغ المطالب بها أن يوقف أداء الجزء المتنازع فيه…”

فإنه سرعان ما سيتخلى عن هذا التفسير لصالح تعزيز أكبر لضمانات الملزم الضريبي وهو ما أكده في عدة قرارات منها الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط والذي جاء فيه” حيث أن الطالب ينازع جديا في قانونية إجراءات المتابعة لدى الضريبة سواء من زاوية مسطرة الاستخلاص أو من زاوية عنصر تقادم المطالبة باستخلاص الضريبة مما يجعله في حل من تقديم الضمانة الكفيلة لتأمين استيفاء دين الضريبة لوضوح مركزه القانوني حول جدية المنازعة في مسطرة استخلاصها التي تبقي مشوبة بالبطلان والتقادم وأن حالة الاستعجال تبقي قائمة بالنظر لما يترتب عن تنفيذ الحجز وتحويل المبالغ المحجوزة لحساب الخزينة العامة من أضرار يصعب تداركها بعد التنفيذ لأجله يبقي الطلب استصدار الإجراء المطلوب مؤسسا.” ([28]).

ولقد تم تأييد هذا الاجتهاد أيضا من طرف الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى وهي تجيب عن الوسيلة المتعلقة بعدم اشتراط ضرورة تبليغ الإنذار القانوني قبل اللجوء إلى مسطرة الإشعار للغير الحائز ومخالفة مقتضيات الفصل 117 من القانون 97 – 15 حيث جاء في قرارها عدد 158 بتاريخ 03/03/2003 “لكن حيث أنه بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 117 يتبين أن الكفالة التي يلزمها الفصل المذكور كشرط لتقديم طلب إيقاف التنفيذ يخص فقط الجزء غير المنازع فيه من الضريبة وموجهة إلى القابض أما إذا كانت المنازعة جدية وشاملة لمجموع مبلغ الضريبة يبقي طلب إيقاف التنفيذ خاضعا للقواعد المتعلقة بالاستعجال المنصوص عليها بقانون المسطرة المدنية فكان ما قضي الأمر المستأنف مؤسس وواجب التأييد” ([29]).

من خلال قراءة سريعة لمختلف القرارات الصادرة عن المحاكم الإدارية المومأ إليها أعلاه يتبين لنا أن القضاء الإداري لدى بته في المنازعات المتعلقة بالإشعار للغير الحائز يوجد أمام معادلة صعبة خاصة إذا علمنا أن تأجيل الوفاء بالديون الضريبية له عواقب وخيمة على الميزانية العامة للدولة غير أن هذا التأجيل بالرغم من سلبياته ففي بعض الحالات يكون عادلا ومستحقا بالنسبة للملزم المطالب بأداء دين ضريبي يفتقد إلى السند القانوني أو يتسم بعدم المشروعية، إلا أن مسطرة إيقاف التنفيذ ينبغي ألا تمنح بصفة مطلقة بهدف عرقلة التحصيل لذلك يجب أن تحتفظ بطابعها الاستثنائي وتعتمد على جميع ضوابطها وشروطها القانونية مما يدفعنا إلى القول بأن الأمر أصبح يستدعي تدخلا تشريعيا سريعا وحاسما لوضع نظام قانوني محدد وملزم لجميع أطراف المنازعة الضريبية.

خاتمة:

في الختام ورغم ما يمكن إبداؤه من ملاحظات وانتقادات بخصوص المقتضيات المتعلقة بمؤسسة الإشعار للغير الحائز والتي لا تنقص من قيمتها فإنه لا يسعنا إلا التنويه بهذه المبادرة التشريعية الهامة التي تندرج ضمن الإصلاح العام للمنظومة الإجرائية باعتبارها من أهم الإصلاحات التي شملت تنظيم العلاقة بين الإدارة والمواطن من خلال تحقيق التوازن المنشود بين المصالح المشروعة للطرفين معا. غير أن ذلك لا يمنعنا من مناشدة المشرع للتدخل مرة جديدة بنصوص واضحة لرفع اللبس والغموض الذي يكتنف هذا الإجراء الاستثنائي خاصة وإنه يعتبر في غياب الإشكالات المشار إليها آنفا ضمانة حقيقية للخزينة العامة في مواجهة الملزمين المتهربين من أداء واجبهم الضريبي.


[1]  د. عبد الرحمان ابليلا ورحيم الطور “تحصيل الضرائب والديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة قانون رقم 97 – 15 “مطبعة الأمنية، طبعة 2000 الصفحة 12.

[2]  نظم المشرع الإشعار للغير الحائز في الفصول 95، 100، 101 و 104 من مدونة. تحصيل الديون العمومية.

[3]  نظم المشرع الفرنسي هذا الإجراء في المواد L622 – L632 من كتاب المساطر الجبائية.

[4]  هناك ما يناهز 611.260 إشعار للغير الحائز سنة 1997 تمت الاستجابة بالأداء إلى ما يقارب 188.995 بنسبة مئوية تقدر ب 30.9%.

ذكرته جهد كان حجيبة “تحصيل الديون العمومية بين ق.م.م وخصوصيات التشريع الجبائي” طبعة 2006، الصفحة 248.

[5]  جهد كان حجيبة، المرجع نفسه، الصفحة نفسها..

[6]  قرار محكمة النقض الفرنسية – الغرفة التجارية مؤرخ في 13/11/1973.

[7]  قرار المحكمة الإدارية بمراكش رقم 216 بتاريخ 13/03/ 2010 بالملف عدد 843/09/ 2009.

[8]  رأي الأستاذ محمد النميري الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية بمراكش ورد في مقاله “الإشعار للغير الحائز أية فعالية “منشور بدفاتر المجلس الأعلى، عدد 16 الصفحة 262.

[9]  عبد الرحيم حزيكر “إشكالية تحصيل الضرائب بالمغرب” أطروحة لنيل الدكتوراه جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء السنة الجامعية 2003 – 2004 الصفحة 94.

[10]  قرار س 1 بتاريخ 27/12/ 1978 في الملف المدني رقم 67701 غير منشور.

[11]  أنظر الأستاذة فتيحة السوسي: “التبليغ في الميدان الضريبي وفق المسطرة الجديدة والإشكالات المطروحة في الميدان العلمي”، مقال منشور بمجلة المحاماة العدد 14 – 2006 الصفحة 103.

[12]  حكم غير منشور.

[13]  مصطفي التراب “مدى المقاربة بين الحجز لدى الغير والإشعار للغير الحائز” مقال منشور في سلسلة الندوات الجهوية تحت عنوان “المنازعات الانتخابية والجبائية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى” مطبعة الأمنية، الرباط 2007، ص 341.

[14]  الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط رقم 1015 بتاريخ 28/07/ 2009 بالملف عدد 860/01/ 09.

[15]  قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 19/04/ 2006 غير منشور.

[16]  أمر رئيس المحكمة الإدارية بالرباط رقم 476 بتاريخ 30/03/ 2009 بالملف عدد 1296/01/09.

[17]  انظر الفصلين 493 و 495 من مدونة التجارة.

[18]  أمر رئيس المحكمة الإدارية بالرباط رقم 701 بتاريخ 27/06 بالملف عدد 476/ 06

[19]  أمر رئيس المحكمة الإدارية بالرباط رقم 28 بتاريخ 31/07/07 بالملف عدد 1511/06.

[20]  هذا الرأي ثم اقتباسه من رسالة “المنازعات الضريبية المتعلقة بتحصيل ديون الخزينة العامة أمام القضاء الإداري” لفاطمة حنان المرابط، المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط، الفوج الخامس 2008، الصفحة 212.

[21]  محمد القصري “المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء الإداري” منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الصفحة 134.

[22]  أمر رئيس المحكمة الإدارية بفاس عدد 1090 بالملف الاستعجالي عدد 19 س 041 غير منشور.

[23]  قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش عدد 142 بتاريخ 9// 2008 ملف عدد 76/2/07 منشور بمجلة المحاكم الإدارية عدد 3/ 2008 الصفحة 198.

[24]  انظر في هذا الشأن قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 128 بتاريخ 02/11/ 2000 بالملف الإداري عدد 1522/04/01/ 2000.

[25]  أمر رقم 20/2001 بتاريخ 21/2/ 2001 الملف رقم 3/ 2001 في قضية هادي ميمون ضد الخزينة العامة.

[26]  قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 156 بتاريخ 13/03/ 2003 بالملف الإداري 2180/04/02 غير منشور.

[27]  قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 187 بتاريخ 30/11/2000 بالملف الإداري 585/04/01/ 1999 منشور بمجلة دفاتر المجلس الأعلى عدد 9/ 2005 الصفحة 225.

[28]  هذا القرار أورده الأستاذ محمد القصري في مقاله “نماذج من الإشكاليات التي يثيرها تطبيق القانون المتعلق بتحصيل الدين العمومي أمام القضاء الاستعجالي “المنشور في مجلة دفاتر المجلس الأعلى العدد 16/2008 الصفحة 213.

[29]  قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 158 بتاريخ 03/03/ 2003 بالملف الإداري 2343/09/02/02.

الأكثر رواجًا