– دراسة في منتوجي الإجارة والمرابحة –

الأستاذ عبد المهيمن حمزة

باحث بسلك الدكتوراه في القانون الخاص

أستاذ زائر بكلية الحقوق – طنجة

مقدمة:

يقوم النشاط الرئيسي المميز لمؤسسات الائتمان سواء البنوك منها أو شركات القروض الاستهلاكية على فكرة الاتجار في الديون، حيث تقترض هذه المؤسسات الأموال لاستثمارها في عملية الاقتراض من أجل الاستهلاك، فيكون هدفها هو تحقيق الربح المتمثل في الفرق بين ما تتقاضاه من فوائد لقاء الإقراض، وما تدفعه نظير الاقتراض.

بيد أن اشتراط الفوائد البنكية بين المسلمين يثير جدلا فقهيا وقضائيا واسعا أمام تواجد الفصل 870 من قانون الالتزامات والعقود المغربي ([1])، الذي يعتبر اشتراط الفائدة بين المسلمين باطلا ومبطلا للعقد الذي يتضمنه، وهذا يشكل التزاما من قانون الالتزامات والعقود بقواعد الشريعة الإسلامية وتكريسا للحكم الإسلامي في القرض بفائدة، حيث يستمد هذا النص أصوله من الفقه الإسلامي كمصدر اعتمد عليه المشرع عند صياغته لهذا القانون ([2]).

وإقرار هذا الحكم يتيح للمقترض المسلم حق التمسك ببطلان الفائدة والقرض الذي يتضمنها، وانه على المحكمة أن تجيب على هذا الدفع وإلا كان حكمها ناقص التعليل الموازي لانعدامه ([3])، أضف إلى ذلك أن مقتضيات الفصل 870 تتعلق بالنظام العام مما يتيح للقاضي إمكانية إثارتها تلقائيا ولو لم يثرها الأطراف.

وفي خضم هذا الجدل نادى تيار بارز من الفقه المغربي ([4]) بإحياء مقتضيات الفصل 870 ليصبح هو الأصل الذي تحتكم إليه جميع مواد القانون، خاصة في ظل وجود مجموعة من البدائل والتمويلات البنكية التي يمكن أن تحل محل القروض الربوية لتؤدي وظيفة الاقتراض من أجل الاستهلاك، هذه البدائل تفاعل معها بشكل إيجابي والي بنك المغرب من خلال إصداره للتوصية المتعلقة بالمنتجات البنكية البديلة ([5]) بتاريخ فاتح شتنبر 2007 التي دخلت حيز التنفيذ في فاتح أكتوبر من السنة نفسها، حيث شكلت حدثا هاما تجلى في الاستجابة إلى الأصوات الداعية إلى الترخيص لها ([6])، نظرا لموافقتها لأحكام الشريعة الإسلامية التي تعد المصدر المباشر للفصل 870 من ق. ل. ع المبطل للقروض الربوية بين المسلمين.

والذي يهمنا من هذه التمويلات في معرض بحثنا هو الإجارة والمرابحة ([7]) باعتبارهما إطارا قانونيا يصلح لتحقيق وظيفة الاقتراض من أجل الاستهلاك، مادام أن القروض الاستهلاكية تحدد بناء على مفهوم وظيفي يأخذ بعين الاعتبار غاية العقد المتجلية في وظيفته الائتمانية بغض النظر عن الشكل الذي ترد فيه، مما سيحتم علينا البحث في كل منتوج على حدة في المبحثين الآتيين:

المبحث الأول: التمويل بالإجارة كبديل للقروض الاستهلاكية بفائدة ([8])

قبل التطرق إلى المقتضيات التنظيمية لمنتوج الإجارة وفق مذكرة بنك المغرب، يجدر بنا أولا التوقف عند ماهيته من خلال تحديد تعريفه وخصائصه القانونية والاقتصادية التي تجعل منه عقدا صالحا لتحقيق وظيفة الاقتراض من أجل الاستهلاك في ظل غياب الفائدة الربوية.

الفقرة الأولى: ماهية التمويل بالإجارة

تعتمد البنوك الإسلامية على الإجارة كجزء من العمليات الأساسية التي تقوم بها، وقد طبق البنك الإسلامي للتنمية ([9]) هذا العقد منذ سنة 1397 هجرية لينتشر اعتماده إلى غاية ستة 1410 على أكثر من 20 دولة، ([10]) فما المقصود بالتمويل عن طريق الإجارة؟ وما هي أهم خصائص هذا المنتوج؟

أولا: تعريف الإجارة

تعرف الإجارة في الفقه الإسلامي على أنها: “بيع منفعة ما أمكن نقله غير سفينة ولا حيوان يعقل بعوض غير ناشئ عنها بعضه يتبعض بتبعيضها” ([11]) كما تعرف على أنها “تمليك منفعة غير معلومة زمنا معلوما بعوض معلوم”. ([12])

أما الإجارة المصرفية فتعرف بكونها تمليك للمنافع بعوض سواء كان العوض منفعة أو عينا أو دينا، وهي إما أن تكون إجارة أعمال كاستئجار أرباب الحرف والخدم والصنائع والعمال، وإما أن تكون إجارة أعيان كاستئجار الأراضي والحوانيت والدور والسيارات ([13])، وبصورة أوضح يمكن تعريف الإجارة المصرفية على أنها “صيغة تمويلية يبيع البنك منفعة مملوكة له سواء كانت بطريقة وامتلاك الرقبة أو امتلاك حق الانتفاع”. ([14])

وفي السياق نفسه حددت المادة الأولى من توصية بنك المغرب مفهوم الإجارة من خلال ما يلي:

“يقصد بالإجارة كل عقد تضع بموجبه مؤسسة للائتمان عن طريق الإيجار، منقولات أو عقارات معلومة ومحددة ومملوكة لها تحت تصرف أحد العملاء لاستعمال مسموح به قانونا.

يمكن لعقد الإجارة أن يأخذ شكل إيجار بسيط، كما يمكن أن يكون مصحوبا بالتزام قاطع من المستأجر بشراء المنقول أو العقار المستأجر، بعد انقضاء مدة يتم الاتفاق عليها مسبقا”.

فالإجارة وفق هذا التعريف نوع من المعاملات المستجدة، فعندما يكون شخص ما بحاجة إلى شراء منقول معين كالسيارة أو التجهيزات المنزلية أو خدمة معينة، فبدل أن يلجأ إلى البنوك أو شركات القروض الاستهلاكية ليطلب الاقتراض بفائدة يلجأ إلى هذه المؤسسات ليطلب تمويل ذلك على أساس منتوج “إجارة واقتناء” فيعرض عليها رغبته في شراء السيارة أو غيرها، فتشترى له ذلك ويوقع لها عقدا يصبح بمقتضاه ملتزما بدفع أقساط شهرية لمدة محددة قد تطول أو تقصر، ويكون له صفة المستأجر قبل انتهاء المدة، ويكون مالكا للعين المؤجرة بعد انتهاء المدة ودفع الثمن الإجمالي ([15])، وعليه فوفق هذا المنتوج يمكن للبنك أن يقوم بعملية التمويل لعملائه الراغبين في استئجار الأدوات والتجهيزات والخدمات وكافة الاحتياجات الاستهلاكية بصيغة الإجارة المنتهية بتمليك الأصل إلى العميل ([16]) دون استخلاص أية فائدة.

وقد اعتمد الفقه الإسلامي ([17]) أعلى مجموعة من الأدلة من أجل تقرير مشروعية عقد “إجارة واقتناء” من عدة أوجه، نجملها في الآتي:

أ -الأصل في العقود الإباحة: وهذا العقد جديد، لم يأت نص يدل على حرمته.

ب -عموم حلية البيع إلا ما خصصه الدليل، ولا دليل مخصص للإجارة المنتهية بالتمليك.

ج -من أصول الشرع في معاملات المكلفين وضوابط حليتها: “صلاح مقاصدهم وعدم مجافاتها عن مقاصد الشرع “.

د -هذا العقد خال من الربا، والزيادة في ثمنه نظير الأجل مشروعة كما قررها الفقهاء، ولأن الأساس في المعاملة هنا بيع سلعة مقابل ثمن، لا الزيادة مقابل القرض وهو المنهي عنه.

هـ-هذا العقد لا ينطبق عليه النهي عن بيع ما لا يملك، أو بيع غير المقدور على تسليمه، أو بيع المعدوم، لأن الممول هنا يملك العين بذمته ويضمنها. ومعلوم أن “المبيع المستقر في الذمة الموصوف وصفا يحصل به العلم، هو كالحاضر في مجلس العقد.”

و-هذا العقد في صورته الثانية التي ينتهي فيها بالتمليك لا مانع منه شرعا، إذا لم يكن محفوفا بشيء آخر محظور في الشرع، كحمل العاقد المستفيد على الاقتراض بفائدة، أو حمله على أن ينشئ بذمته عقد التأمين التجاري، أو غير ذلك مما قد يقترن بالعقد فيفسده.

ز -مجرد الجمع بين الإجارة والبيع لا مانع منه شرعا، شريطة أن يلتزم في فترة الإيجار بمقتضى عقد الإيجار، وفي مرحلة التمليك بمقتضى عقد البيع”.

ثانيا: خصائص التمويل عن طريق الإجارة

إن الإجارة المصحوبة بخيار الاقتناء وفق التعريف الذي أو ردته المادة الأولى من توصية بنك المغرب، تعد من العقود المركبة إذ تجمع بين عقدين هما عقدا الإيجار والبيع إضافة إلى الوعد بالشراء.

أ -عقد الإيجار: فالمستأجر يتسلم العين المؤجرة بمجرد إبرام هذا العقد قصد الانتفاع به طيلة المدة المتفق عليها وذلك مقابل عوض، غير أن المؤجر-وإن كان يلتزم بتسليم العين المكتراة إلى المستأجر وبالضمان وفقا للقواعد العامة -يتعهد بصيانة العين، وفي المقابل يلتزم المستأجر بأداء الأجرة وبالتكاليف المفروضة على العين المؤجرة، وبتكاليف الصيانة العادية. ([18])

ب -عقد البيع: لا تنتقل ملكية العين المؤجرة من المالك إلى المكتري إلا بعد انصرام مدة الانتفاع المتفق عليها، وبعد إعلان هذا الأخير رغبته في إبرام عقد البيع النهائي، وأدائه لباقي الثمن. ([19])

ج -الوعد بالشراء: يستشف هذا من خلال تعبير المادة الأولى من توصية بنك المغرب “… كما يمكن أن يكون مصحوبا بالتزام قاطع من المستأجر بشراء المنقول أو العقار المستأجر بعد انقضاء مدة يتم الاتفاق عليها مسبقا”، فهذه العملية تقترن باتفاقية إيجار مرتبطة بوعد من طرف عميل البنك -المستهلك المقترض -بشراء تلك الأجهزة والمعدات أو الحاجيات الاستهلاكية المؤجرة عليه. ([20])

وبالإضافة إلى هذه الخصائص القانونية تتميز الإجارة ببعض المميزات الاقتصادية نجملها فيما يلي: ([21])

أ -الشفافية في مجال الكلفة: حيث تمنح للزبون التحكم في المعاملة إلى حد ما، فهو يعرف سلفا زمن اقتناء العين المؤجرة، وقيمة الأكرية التي عليه تسديدها، عكس الاقتراض بالفائدة الذي يخضع لنظام حسابي معقد.

ب -الحرية: للزبون اكتراء العين المؤجرة على نحو يتلاءم مع اختياراته واحتياجاته الاستهلاكية بعد أن يختارها بنفسه وبالتالي فله الحرية الكاملة في الاقتناء.

ج -الليونة: للزبون الحق في أداء مبالغ الأكرية التي لم تستحق بعد، وذلك قصد تخفيض مدة عقد الإيجار وتقريب أجل التفويت النهائي لصالحه.

د -تحقيق الأمن لطرفيها: فالممول يبقي العين في ملكيته، وله أن يسترجعها عند نهاية عقد الإجارة إذا نص على ذلك العقد، ويضمن للزبون الاستفادة من منافع العين مدة كافية من الزمن.

هـ-تتميز هذه الصيغة بانخفاض درجة المخاطرة خاصة عند اعتبار الوعد ملزما للطرفين، كما أن بعض الممولين يلزمون الزبون -تقوية لضماناتهم وإظهارا لجديته في الشراء-بدفع عربون لضمان تنفيذ وعده.

الفقرة الثانية : المقتضيات القانونية المنظمة للإجارة وفق توصية بنك المغرب

ستقتصر في دراستنا للتنظيم القانوني للإجارة وفق توصية بنك المغرب على إبرام هذا العقد (أولا)، وآثاره (ثانيا).

أولا: إبرام عقد الإجارة

لإبرام عقد الإجارة يجب توفر الأركان العامة للعقد التي حددها الفصل 2 من ق. ل. ع. ([22]) وحيث إن المجال لا يسمح للتفصيل في ذلك، فإننا سنقتصر على التطرق إلى بعض خصوصيات إبرام هذا العقد حسب ما جاءت به توصية والي بنك المغرب من خلال ما يلي:

أ -محل عقد الإجارة

شددت توصية بنك المغرب على ضرورة أن يكون محل الإجارة مشروعا حيث استعملت المادة الأولى عبارة ” لاستعمال مسموح به قانونا “، فهذه العبارة تكرس ما هو منصوص عليه في القواعد العامة التي تشترط مشروعية المحل في الفصل 57 من ق. ل. ع ([23])، وذلك تحت طائلة البطلان، لكننا نرى أن هذا التخصيص لم يأت اعتباطا من اجل التأكيد على حكم قانوني معين فقط، وإنما جاء استحضارا من طرف واضعيه للسياق الذى شرعت فيه هذه المنتوجات، وهو إيجاد بدائل شرعية، وتوفير حلول بنكية تحترم المبادئ الإسلامية المتبناة من طرف شريحة واسعة من المجتمع. وبالتالي فإنه سيكون من باب المفارقة وضع منتوجات بنكية موافقة للشريعة الإسلامية من أجل تجاوز إشكالية المشروعية التي يطرحها الاقتراض بفائدة، والسماح بتوظيفها في تمويل أشياء غير مشروعة. ([24])

بالإضافة إلى ذلك، فإن محل عقد الإجارة لا يشمل جميع الأموال والحقوق، حيث حددت التوصية نطاقه تحديدا سلبيا استبعدت من خلاله بعض الأموال والحقوق، وذلك في المادة الثالثة التي تنص على ما يلي:

“لا يجوز أن يكون الهدف من عقد الإجارة إيجار أموال معنوية (مثل براءات الاختراع وحقوق التأليف والخدمات المهنية وغيرها)، أو حقوق استغلال موارد طبيعية (كالمعادن والنفط والغاز والموارد الأخرى من هذا النوع).

ب -شكلية إبرام عقد الإجارة

نظرا لكون عقد الإجارة المفضي إلى الاقتناء يعتبر قرضا استهلاكيا بناء على المفهوم الوظيفي الحديث للقرض الاستهلاكي ([25])، فإنه يتصف بخاصية الشكلية على غرار باقي الصيغ التمويلية الأخرى التي تحقق غاية الاقتراض من اجل الاستهلاك ([26])، وقد كرست التوصية هذه الخاصية في المادة 2 حيث تنص على ما يلي:

“يجب أن تتم عملية الإجارة من خلال توقيع الطرفين على عقد يسمى “إجارة تشغيلية” عندما يتعلق الأمر بإيجار بسيط أو على عقد يسمى “إجارة واقتناء” عندما تكون الإجارة مصحوبة بالتزام قاطع بالشراء من طرف المستأجر”.

ولم تكتف التوصية بالتنصيص على الكتابة فقط، وإنما أو جبت المادة 48 توفر عقد الإيجار على مجموعة من البيانات الإلزامية توضح واجبات وحقوق كلا الطرفين كما يلي:

– نوع العملية (إجارة تشغيلية أو إجارة واقتناء).

– تحديد المنقول أو العقار المستأجر والهدف من استخدام المستأجر له.

– التزام المستأجر بشكل قاطع باقتناء المنقول أو العقار عندما يتعلق الأمر بعملية إجارة أو اقتناء.

– قيمة الإيجار، وكيفيات الأداء وتواريخ الاستحقاق.

– مدة الإيجار.

– مصاريف الإصلاح والصيانة.

– مصاريف التأمين.

ثانيا: آثار عقد الإجارة

يرتب إبرام عقد الإجارة بشكل صحيح آثارا تبادلية على كل من المؤجر والمستأجر.

أ -آثار عقد الإجارة بالنسبة للمؤجر

يلتزم المؤجر أولا بشراء ما يطلبه الزبون، طبقا للمواصفات التي حددها له، وثانيا بامتناعه عن استعمال محل العقد، وتقديمه مباشرة للمستأجر، وبذلك فهو يلعب دور الوسيط بين المنتجين والمستعملين المستهلكين. ([27])

وبما أن العملية بالنسبة للمؤجر هي عملية تمويلية قبل كل شيء، فإنه لا يلتزم بتقديم أي مساعدة سواء كانت فنية أو تقنية للمستأجر، ولكنه يحتفظ بحق التفتيش على استخدام الأموال المؤجرة، وصيانتها، وبالمقابل عليه أن يحترم حق الخيار الممنوح للمستأجر، وضمان حرية المستأجر في استعماله. ([28])

ب -آثار عقد الإجارة بالنسبة للمستأجر

يرتب هذا العقد عدة التزامات على المؤجر منها أنه يأخذ محل العقد على سبيل الإيجار، ويتحمل نفقات ومخاطر نقله، وتبقى عليه مسؤولية الصيانة والإصلاح، ولذلك فهو ملزم بحسن استعماله، وهو التزام تفرضه طبيعة العقد لأن المؤجر في اغلب الأحيان يصبح مالكا له ([29])، ويمتنع عليه أن يتصرف فيه بأي وجه سواء بالبيع أو الإيجار أو الرهن دون موافقة المؤجر كتابة، كما عليه أن يؤمن حراسة الأموال المؤجرة، وأن يؤمن أيضا على نفسه ضد المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها ([30])، ويلتزم بأداء أقساط الإيجار بانتظام، وفي المقابل يحق له الانتفاع بالمال المؤجر، وله حرية مطلقة في اختيار اقتنائه عند نهاية مدة العقد أو إرجاعه للمؤجر من خلال استعماله حق الخيار. ([31])

وإلى جانب الإجارة تعتمد الأبناك المغربية على منتوج المرابحة الذي يحقق بدوره وظيفة الاقتراض من اجل الاستهلاك، وهو ما سنتطرق إليه في المبحث الموالي.

المبحث الثاني: التمويل بالمرابحة كبديل للقروض الاستهلاكية بفائدة

سنحاول في البداية تحديد مفهوم منتوج المرابحة من خلال تعريفه، وإبراز خصائصه والجوانب التي تؤكد صلاحيته لتحقيق وظيفة الاقتراض من اجل الاستهلاك (الفقرة الأولى)، على أن نتطرق بعد ذلك إلى المقتضيات القانونية التي يخضع لها هذا المنتوج، حيث نظمته المواد من 9 إلى 13 من توصية والي بنك المغرب (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : ماهية التمويل بالمرابحة

يلجأ المستهلكون من اجل تمويل التجهيزات والمعدات والحاجيات الاستهلاكية إلى البنوك والمؤسسات المالية المتخصصة للحصول على القروض بالفوائد؛ التي تحرج شريحة واسعة من المجتمع في التعامل بها، نظرا لتحريمها شرعا. مما دفع منظرو البنوك الإسلامية إلى البحث عن بديل يحقق الهدف نفسه، ويؤدى الوظيفة ذاتها؛ دون أن يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ ومع أحكام الفصل 870 من ق. ل. ع، فوقع اختيارهم على المرابحة. فما المقصود بها؟ وما هي أبرز خصائصها؟

أولا: تعريف المرابحة

تعرف المرابحة في الفقه الإسلامي على أنها “بيع السلعة بالثمن الأول الذي اشتراها به وزيادة ربح معلوم بنفقات عليه”. ([32]) وفي تعريف آخر، يقصد بالمرابحة “أن يذكر البائع للمشترى الثمن الذي اشترى به السلعة، ويشترط عليه ربحا ما للدينار أو الدرهم، ([33])، ويرى الدسوقي أن المرابحة هي “بيع مرتب ثمنه على ثمن بيع تقدمه غير لازم مساواته له”. ([34])

وقد تطور مفهوم المرابحة من خلال المعاملات المصرفية الحديثة ([35])، لتصبح تمويلا بموجبه يشترى البنك السلعة أو الخدمة بناء على طلب الزبون، وبعد حصوله عليها طبقا للشروط والمواصفات المتفق عليها، يبيعه له بثمن يتضمن تكلفة الشراء كاملة مضافا إليها هامش الربح الذي يستحقه من العملية ([36])، وهذا ما يصطلح عليه ب “بيع المرابحة للآمر بالشراء”، وهو المفهوم نفسه الذي تبنته توصية بنك المغرب في مادتها التاسعة التي تنص على ما يلي:

“يقصد بالمرابحة كل عقد تقتني بموجبه إحدى مؤسسات الائتمان على سبيل التمليك وبناء على طلب أحد العملاء منقولا أو عقارا من اجل إعادة بيعه له بتكلفة الشراء مع زيادة ربح معلوم يتم الاتفاق عليه مسبقا.

يتم الأداء من طرف العميل الآمر بالشراء دفعة واحدة، أو بدفعات متعددة في مدة يتم الاتفاق عليها مسبقا.

يتم إدراج الربح بمنتجات مؤسسات الائتمان على مدى مدة العقد”.

من خلال هذا التعريف يتضح لنا أن عقد المرابحة بصيغته المنظمة في توصية بنك المغرب، يصلح لأن يؤدى وظيفة الاقتراض من أجل الاستهلاك، فمثلا شخص معين يريد أن يشترى حاسوبا لاستعماله الشخصي أو العلمي (طبع البحث -كتابة الوثائق). فبدل أن يطلب قرضا استهلاكيا بفائدة، يمكنه أن يتقدم بطلب إلى البنك أو شركات القروض الاستهلاكية من أجل شراء الحاسوب وفق المواصفات والمميزات التي يريدها بناء على صيغة التمويل بالمرابحة. وهكذا يبحث البنك أو المؤسسة الممولة عن الحاسوب وثمنه فتخبره بثمن الشراء وبالربح الذي تنتظره، فإن قبل تشترى المؤسسة الممولة الحاسوب وتتملكه ثم تبيعه للشخص تقسيطا. ([37])

ثانيا: خصائص التمويل عن طريق المرابحة

سوف لن نفصل في الخصائص القانونية لعقد المرابحة والتي أهمها كونه عقدا مركبا أو مختلطا لأنه يتم وفق مراحل متعددة من جهة، إضافة إلى انه عقد ثلاثي الأطراف من جهة أخرى، حيث تحدد المادة 12 من توصية بنك المغرب أطراف عقود المرابحة في العميل الآمر بالشراء، ومؤسسة الائتمان والبائع. وعليه، فإننا سنقتصر على ذكر بعض الخصائص الفريدة والمرتبطة بالجانب التمويلي والاقتصادي التي يتميز بها هذا المنتوج، وذلك في النقط الآتية:

أ -تعد المرابحة من المعاملات التي أجيز التعامل بها للتيسير والتخفيف عن الناس من خلال سد حاجياتهم، وقضاء مطالبهم، ورفع الحرج عنهم، وهي تدخل في دائرة المعاملات الحلال التي تندرج في نطاق المشروعية الإسلامية، شأنها في ذلك شأن صور البيوع الأخرى كالبيع المطلق، والإجارة، والسلم، لما فيها من النفع والمصلحة. ([38])

ب -السرعة والتوصل الآني بالمبيع: ذلك أن عقد المرابحة هو عقد ثلاثي الأطراف، بحيث تتم عملية الشراء ومعاودة البيع في آن واحد، وللزبون حق التمتع بالمبيع بمجرد توقيعه على العقد.

ج -مرونة شروط الأداء: حيث للزبون الاختيار في تسديد قيمة المبيع دفعة واحدة أو عبر دفعات عدة خلال مدة زمنية محددة سلفا.

د -تأقلم منتوج المرابحة مع تطور الوضعية المالية للزبون: حيث إن للزبون الحق في الأداء الجزئي أو الكلي لما تبقى من قيمة المبيع في أي مرحلة من عمر العقد.

هـ-شفافية الكلفة: فمنتوج المرابحة يمنح للزبون التحكم في المعاملة، فهو يعرف سلفا ثمن اقتناء المبيع وكذا قيمة الأقساط التي عليه تسديدها. ([39])

الفقرة الثانية: المقتضيات القانونية المنظمة للمرابحة وفق توصية بنك المغرب

سنكتفي بالتطرق إلى بعض المقتضيات المنظمة لإبرام عقد المرابحة (أولا)، على أن ننتقل بعد ذلك إلى اهم الخطوات التي يتحتم اتباعها عند تنفيذ هذا العقد(ثانيا).

أولا: إبرام عقد المرابحة

يتوقف إبرام عقد المرابحة على ضرورة توفر الأركان العامة للعقد من أهلية ورضا ومحل وسبب، لكن من خلال تأمل المادتين 10 و11 من توصية بنك المغرب يتضح لنا وجود بعض الخصوصيات المرتبطة بالمحل وشكلية الكتابة في الانعقاد.

أ -محل عقد المرابحة

تنص المادة 10من توصية بنك المغرب على ما يلي:

“لا يجوز أن يكون موضوع عقد المرابحة اقتناء ممتلكات غير موجودة عند تاريخ توقيع العقد.”

فهذه المادة تفرض التعاقد في المرابحة على الأشياء الموجودة فقط دون المحتملة أو المستقبلية، وهذا ينسجم مع القواعد العامة التي رغم إباحتها للتعاقد على الأشياء المستقبلية بمقتضى الفصل 61 من ق. ل. ع ([40])، إلا انه عاد ليمنعها حالة وجود استثناءات مقررة بمقتضى القانون، والحكم الذي أقرته المادة 10 من توصية بنك المغرب يدخل ضمن الاستثناءات الواردة على الفصل 61من ق. ل. ع.

ونظن أن المادة 10من توصية بنك المغرب المقررة لهذا المنع منسجمة مع المادة 11 التي تليها حيث تشترط هذه الأخيرة تحديد محل عقد المرابحة سواء كان منقولا أو عقارا، وهذا لن يتحقق إذا كان هذا المحل شيئا غير موجود، إذ لا يمكن تحديد شيء منعدم الوجود.

وعلى عكس عقد الإجارة لم تشترط التوصية مشروعية محل عقد المرابحة، على اعتبار أن هذا تحصيل حاصل مادامت القواعد العامة تشترط ذلك في الفصل 57 من ق. ل. ع المذكور سلفا.

ويبقى لنا التذكير بأن المرابحة كإطار قانوني يصلح بديلا للقروض الاستهلاكية الربوية، لأنها تؤدى الوظيفة نفسها وتحقق النتيجة ذاتها. بيد أنه في هذه الحالة لا يشمل تمويل العقارات رغم التنصيص عليها في المادة 9 من التوصية، وذلك لأن القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك ([41]) استثنى في مادته 75 القروض العقارية من الخضوع للأحكام القانونية المنظمة لقروض الاستهلاك.

ب -شكلية إبرام عقد المرابحة

على غرار باقي العقود التي تؤدى وظيفة الافتراض من أجل الاستهلاك، فإن المرابحة عقد شكلي ينبغي أن يحرر كتابة، وأن يحدد بشكل دقيق واجبات وحقوق كل طرف، كما نصت على ذلك المادة 11 من توصية بنك المغرب، إذ أوجبت تضمين عقد المرابحة البيانات الآتية:

– المنقول أو العقار موضوع عقد المرابحة.

– ثمن الشراء.

– المصاريف والرسوم المؤدة من طرف مؤسسة الائتمان من أجل شراء الملك موضوع المرابحة، وتلك التي يتعين على العميل أداؤها.

– ربح مؤسسة الائتمان.

– كيفيات الأداء.

– الضمانات التي قدمها العميل.

– قيمة التسبيق الذي دفعه العميل عند الاقتضاء.

ثانيا: خطوات تنفيذ عقد المرابحة

يتم تنفيذ عقد المرابحة من خلال اتباع الخطوات التالية:

أ -تقديم العميل طلبا للبنك أو شركات القرض الاستهلاكي لشراء سلعة أو خدمة معينة وفق الوصف الذي يحدده العميل وعلى أساس الوعد منه بشراء ذلك. ([42])

ب -قيام البنك بدراسة معمقة للوضعية المادية للعميل من أجل الاطمئنان على قدرته على السداد في المواعيد المحددة.

ج -قبول البنك للطلب، وإبرام اتفاق مع الزبون يلتزم فيه هذا الأخير بتنفيذ وعده بشراء السلعة.

د -شراء البنك للسلعة أو الخدمة حسب الاتفاق، وقد يساعده الزبون في ذلك عن طريق إرشاده إلى أفضل الموردين.

هـ-بعد أن يشترى البنك السلعة أو الخدمة ويتملكها نهائيا إما بإدخالها في مخازنه أو بحيازة مستنداتها التي تثبت ملكيته لها ([43])، يتعرف على تكاليفها بما فيها الثمن الأصلي ومصاريف الحصول عليها، عند ذلك يبرم عقد المرابحة النهائي بينه وبين الزبون وفق الشكلية المحددة أعلاه.

و-بعد إبرام العقد وتسلم الزبون للبضاعة، ويحوز البنك الضمانات المفروضة على المتعامل، يفتح البنك لهذا الأخير حسابا لديه يسجل فيه المبالغ المستحقة وباقي الدفوعات. ([44])

خاتمة:

وختاما لا يسعنا إلا أن نرحب بهاته التمويلات البديلة لموافقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، ولأنها تشكل استجابة جزئية لمطلب شعبي قديم، ولواجب شرعي أقدم. أما من الناحية القانونية فنرى أنها تشكل بلا ريب مخرجا لتفادى الوقوع في الحظر القانوني الذي يرتبه الفصل 870 من ق. ل. ع المحرم لاشتراط الفائدة بين المسلمين، وصيغا تمويلية تؤدى وظيفة الائتمان الاستهلاكي حسب المفهوم الحديث الذي حددناه لقروض الاستهلاك، والذي هو مفهوم وظيفي يأخذ بعين الاعتبار غاية العقد المتجلية في وظيفته الائتمانية. لكن هذا لا يمنعنا من الكشف عن مجموعة من العراقيل التي تقف في طريق فعالية ونجاح هذه المنتوجات، والتي أهمها الحملة الإعلامية المحتشمة التي رافقت تسويقها، وكذا تكاليفها المرتفعة التي تجاوزت تكاليف المنتجات الربوية ([45])، وذلك نتيجة غياب نظام مالي وجبائي خاص، وتطبيق مقتضيات النظام الضريبي الحالي على المنتجات الجديدة، في الوقت الذي كان ينبغي للسلطات المالية التفاعل مع هذه المنتجات على أساس أنها منتوجات تمويل يجب أن تخضع لوضع جبائي خاص وأن تستفيد من وضعية “منتوج جديد” في المجال الضريبي عوض التعامل معها كعمليات تجارية عادية ([46])، وبالتالي فإن نجاح هذه المنتوجات رهين بتخفيف النظام الضريبي المفروض عليها، والفصل بين وعائها ووعاء التمويلات التقليدية الربوية مع تسهيل مساطر التعامل وتبسيط آليات الاستفادة منها ([47]). ليبقى الأفق الاستراتيجي الواجب تحقيقه هو الترخيص للبنوك الإسلامية بالعمل كمؤسسات مستقلة، والتمكين لها بالتداول في النسيج الاقتصادي المغربي بدل الاكتفاء بفتح شبابيك ونوافذ لها ضمن البنوك التقليدية.


[1] ينص الفصل 870 من ق. ل. ع على ما يلي:

“اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه سواء جاء صريحا أو اتخذ شكل هدية أو أي نفع أخر للمقرض أو لأي شخص غيره يتخذ وسيطا له”.

ونشير إلى وجود نص مماثل في القانون المدني الكويتي ضمن المادة 305 التي جاء فيها ما يلي:

“يقع باطلا كل اتفاق على تقاضي الفوائد مقابل الانتفاع بمبلغ من النقود أو مقابل التأخير في الوفاء بالالتزام به.

ويعتبر في حكم الفائدة كل منفعة أو عمولة أيا كان نوعها، اشترطها الدائن إذا ثبت أن ذلك لا يقابله خدمة حقيقية متناسبة يكون الدائن قد أداها فعلا”.

وقد كان المشرع التونسي ينص في الفصل 1096من مجلة الالتزامات والعقود على أن اشتراط الفائض باطل ومبطل للعقد بين المسلمين سواء كان صريحا أو اتخذ صورة هدية أو فائدة بوسيط” لكن هذا الفصل نسخ بالقانون رقم 148 المؤرخ في 7 نونبر 1959 والذي أصبح ينص على ما يلي:

“الفائض لا يكون لازما بالنسبة للعقود الواقعة بين غير التجار إلا إذا اشترط كتابة، ويحمل الأمر على اشتراطه إذا كان متعاقدان من التجار”.

[2] أحمد أدريوش، “أصول قانون الالتزامات والعقود” بحث في الأصول الفقهية والتاريخية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد الخامس كلية الحقوق بالرباط 1991، منشورات سلسلة المعرفة القانونية، مطبعة ومكتبة الأمنية، 1996 الرباط، ص 164.

[3] وهذا يعد من موجبات الطعن بالنقض حسب منطوق الفقرة الخامسة من الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية التي تنص على ما يلي: “يجب أن تكون طلبات نقض الأحكام المعروضة على المجلس الأعلى مبنية على أحد الأسباب التالية:

5-عدم ارتكاز الحكم على أساس قانوني أو انعدام التعليل”.

[4] نذكر على سبيل المثال:

– الدكتور عبد اللطيف هداية الله في بحثه الذي يحمل عنوان: مقابلة بين الفصل 870 من قانون الالتزامات والعقود والفصل 130من القانون التجاري. المجلة المغربية لقانون واقتصاد والتنمية، عدد 4 سنة 1994 ص 27.
– الدكتور عبد اللطيف الحاتمي في أطروحته بعنوان: الفوائد التأخيرية وشرعيتها -دراسة مقارنة – أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني عين الشق، كلية الحقوق الدار البيضاء، 2000-2001 الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 2008، ص 574 إلى 578.
– الأستاذ رشيد مشقاقة في مقاله الذي بعنوان: اشتراط الفائدة في ضوء الاجتهاد القضائي المغربي، جريدة العلم، عدد 19072, بتاريخ 30أبريل 1990، صفحة المجتمع والقانون.
– الأستاذ علال الفاسي في مؤلفه بعنوان: دفاع عن الشريعة الإسلامية مطابع الرسالة الرباط1966، ص 243 وما بعدها، حيث اقترح الأستاذ علال الفاسي تعديل الفصل 870 من ق.ل.ع، ليصبح على الشكل التالي:
“اشتراط الفائدة باطل ويؤدي إلى إبطال العقد الذي يتضمنه سواء جاء صريحا أو اتخذ شكل هدية أو أي نفع أخر للمقرض، أو لأي شخص غير وسيط له.

وكل ما يخالف هذا الفصل فهو منسوخ”.

[5] توصية والي بنك المغرب رقم 33/ و/ 2007 المتعلقة بمنتجات الإجارة والمشاركة والمرابحة الصادرة بتاريخ فاتح شتنبر  2007 والداخلة حيز التنفيذ بتاريخ فاتح أكتوبر من السنة نفسها.
وقد جاء إصدار هذه التوصية في إطار ما تخوله المادة 19 من القانون رقم 03-34 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها من صلاحيات لوالي بنك المغرب حيث تنص على ما يلي:
“تحدث لجنة تسمى” لجنة مؤسسات الائتمان” يستطلع رأيها والى بنك المغرب في كل مسالة ذات طابع عام أو فردي لها علاقة بنشاط مؤسسات الائتمان والهيآت الأخرى المعتبرة في حكمها المشار إليها في المواد 13 و 14 و 15 أعلاه.

وتقوم اللجنة كذلك بجميع الدراسات المتعلقة بنشاط مؤسسات الائتمان ولا سيما بعلاقاتها مع العملاء وبإعلام الجمهور.

ويمكن أن يؤدي الدراسات المذكورة إلى إصدار والي بنك المغرب لمناشير أو توصيات”.

ونرى بأن الإطار المرجعي والقانوني الذي كان يجب أن تأتي في سياقه هو القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان نفسه، فإقرار هذه المنتجات بناء على توصية أو منشور في إطار المادة 19 المذكورة سلفا يجعلها لا تحظى بالقوة الملزمة اللازمة لتكون سارية المفعول ومطبقة قانونا بشكل صحيح، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قرار حدد فيه الطبيعة القانونية للمناشير حيث جاء فيه:

“واعتمادا على الاجتهاد القضائي، فإن المناشير ليس لها قوة القانون وبالتالي لا تكون ملزمة للمحاكم بل لا تلزم إلا الموظفين الخاضعين تدرجا إلى الرئيس الصادرة عنه، ثم إن التأويلات المعطاة للقوانين بواسطة المناشير الوزارية، ليست لها إلا قيمة فقهية ولا تلزم بتاتا المحاكم، خاصة عندما تكون مخالفة للقانون”.

-قرار الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى، صادر بتاريخ 19 مارس 1970، قضاء المجلس الأعلى، العدد 19 ص 58.

[6] يمكن إبراز السياق الذي تحكم في ظهور التمويلات الجديدة في الأبناك المغربية في الآتي:

أ-سعي الأبناك المغربية لرفع نسبة الإستبناك (حجم تعامل المواطنين مع الأبناك) وهي نسبة تتسم بالضعف وعدم الثبات.

ب-توسيع دائرة الادخار.

ج -الانفتاح على التمويلات الإسلامية التي تطبق في أكثر من 300 بنك إسلامي موزعة عبر 75 بلدا عربيا وغربيا.

د-الاستفادة من الرساميل الضخمة التي يستقطبها هذا النوع من التعامل: تتحدث التقارير عن 300 مليار دولار تروجها البنوك الإسلامية، وتحقق عائدا سنويا يتجاوز أل 15%.

د-الحد من الانتقادات التي توجه للمغرب، باعتباره البلد العربي الوحيد الذي لا يسمح للأبناك الإسلامية بالعمل ضمن النسق البنكي العام للمملكة.

أما التبريرات التي تسند السياق السابق فتتلخص في:

أ-السعي إلى استقطاب عملاء جدد ممن لا يقبلون الصيغ التمويلية الربوية.

ب-توسيع دائرة الثقة مع الجمهور الذي لا يتعامل مع الأبناك التقليدية.

ج-استقطاب رساميل جديدة واستدعاء الأموال المخزنة في البيوت والصناديق الخاصة (تقدر السيولة المتوقعة من وراء هذه الصيغ بنحو 9 إلى 17 مليار دولار).

د-الاستجابة للحاجة المتزايدة لشرائح اجتماعية مختلفة، تود حلولا بنكية غير تلك الحلول التقليدية التي اعتادت مختلف البنوك المغربية تسويقها لعملائها زهاء قرن من الزمن، من أجل مواجهة احتياجات الشراء والتمويل والتجهيز، والأهم من هذا وذاك أنها تقدم حلولا بنكية مرضية تحترم المبادئ المتبناة لهذه الشرائح.

هـ-جلب المستثمرين العرب والمسلمين، في ظل الطفرة التي تعرفها الاستثمارات الخليجية في المغرب: (تعهدت هيآت ومؤسسات استثمارية من الإمارات والسعودية وقطر والكويت باستثمار 15 مليار دولار (أقل من 150 مليار درهم) في الخدمات البنكية البديلة).

و-الإسهام في رفع نسبة الادخار الوطني ونسبة الاستثمار العمومي ب 2 إلى 3%، ومن ثم رفع معدل النمو الاقتصادي بما يقارب 5.1%.

– عبد العظيم الصغيري، التمويلات البنكية الجديدة بالمغرب -رؤية شرعية -مجلة منار الهدى، العدد 11ربيع 2008، ص 75 و 67.

وقد حددت التوصية الإطار التجاري المبرر لتنزيل هذه المنتجات إلى السوق فيما يلي:

أ -طلب متزايد من شريحة واسعة من المجتمع والقابلة للتبنيك من أجل توفير منتجات تلبي احتياجات معينة.

ب-حاجة للتمويل: التوفر على حلول بنكية لمواجهة احتياجات التجهيز والتمويل.

ج-حاجة أخلاقية: التوفر على حلول بنكية تحترم المبادئ الأخلاقية المتبناة من قبل شريحة واسعة من المجتمع.

[7] اقتصارنا على دراسة منتوجي الإجارة والمرابحة فقط نابع عن اعتبارين، الأول كونهما يحققان وظيفة الائتمان الاستهلاكي، والثاني تنظيمهما بموجب توصية بنك المغرب، أما المنتجات البديلة فقد تطورت بشكل كبير في إطار المعاملات المصرفية الحديثة إذ تشمل بالإضافة إلى ذلك المشاركة والمضاربة وبيع السلم وتمويل العمليات الفلاحية من خلال المغارسة والمزارعة. للمزيد من الاطلاع يراجع:

Mohamed Najib Boulif; Vers une nouvelle approche des placements; thèse de doctorat d’état en sciences économi ques. université sidi Mohamed Ibn Abdellah: faculté des sciences juridique économique et social Fès 1996.

[8] فضلنا استعمال مصطلح “القروض الاستهلاكية بفائدة” بدل مصطلح “القروض الاستهلاكية الربوية” انسجاما مع المصطلح القانوني المتداول من قبل المشرع المغربي، مع أن كلمة الربا معروفة في اللغة العربية منذ القديم، حيث تعني الزيادة والنمو والارتفاع، مقارنة مع مصطلح الربا الذي لم تعرفه إلا حديثا منذ اهتمام الكتاب العرب بالنظريات الاقتصادية الغربية.

– شريف لطفي، التمييز بين الربا وسعر الفائدة في مفهوم النظرية الاقتصادية، مجلة الأهرام الاقتصادي، العدد 1087، نونبر 1989 ص18.

[9] للاطلاع على هذه المؤسسة ودورها بالمغرب يراجع:

– سمير ربوح، دور البنك الإسلامي للتنمية بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق بالرباط 2003-2004.

[10] محمد أمنو البوطيبي، التكييف الفقهي للتمويلات المصرفية الجديدة في البنوك المغربية، مجلة المذهب المالكي، العدد الرابع 1428 ه-2007 م، ص 99.

[11] محمد الأنصاري الرصاع، الهداية الكافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية تحقيق محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري، دار الغرب الإسلامي 1993 صفحة 516.

[12] الحطاب الرعيني، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، الجزء السابع، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت لبنان، 1995، ص 102.

[13] محمد نجيب بوليف، تمويل المشاريع الصغرى من السلفات الصغرى إلى صيغ التمويل البديلة، سلسلة العدالة والتنمية، رقم 2 مطبعة طوب بريس، الطبعة الأولى 1999 ص86.

[14] خالد الحافي، الإجارة المنتهية بالتمليك في ضوء الفقه الإسلامي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد 5 ج 2، الصفحة 60.

[15] قصد بالثمن الإجمالي الأجرة الكلية التي يبيع بها المصرف أو شركة القرض الاستهلاكي العين إلى المستأجر سواء كانت مدفوعة بالتقسيط، أو دفعة واحدة، ويمكن الاتفاق على الأجرة متزايدة أو متناقصة مادام أنها معلومة لطرفي التعاقد.

-محمد أمنوا البوطيبي، م. س ص98.

[16] محمد أمنوا البوطيبي، م. س ص98.

[17] محمد الروكي، الإيجار المنتهي بالتمليك (الليزينك) والأدلة الشرعية على إباحته، جريدة التجديد العدد 946 / يونيو 2004.

-عبد العظيم الصغيري، م. س، ص 81-82.

[18] محمد الرايسي، الإيجار المفضي إلى تملك العقار، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق بالرباط أكدال 2005-2006. ص17.

[19] محمد الرايسي، م. س، ص 18.

[20] جميل أحمد، الدور التنموي للبنوك الإسلامية دراسة نظرية تطبيقية (2000-1980)، أطروحة لنيل الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة الجزائر كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير بالخروبة لسنة 2005 -2006 ص 157.

[21] عبد الحي الشريف، المنتجات البنكية البديلة لدى الأبناك المغربية أي أساس شرعي وأي إطار قانوني؟ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق بالرباط السويسي 2007-2008 ص 98-99.

[22] ينص الفصل 2 من ق. ل. ع على ما يلي:

“الأركان اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإدارة هي:

1) الأهلية للالتزام.

2) تعبير صحيح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام.

3) شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام.

4) سبب مشروع للالتزام “.

[23] ينص الفصل 57 من ق. ل. ع على ما يلي:

“الأشياء والأفعال والحقوق المعنوية الداخلة في دائرة التعامل تصلح وحدها لأن تكون محلا للالتزام، ويدخل في دائرة التعامل جميع الأشياء التي لا يحرم القانون صراحة التعامل بها”:

[24] للتوسع أكثر حول مشروعية المحل يراجع:

– المختار أحمد العطار الوسيط في القانون المدني، مصادر الالتزام، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية، الدار البيضاء، 2007 ص 153-154.

[25] للاطلاع على مفهوم القرض الاستهلاكي يراجع:

عبد المهيمن حمزة: النظام القانوني لقروض الاستهلاك -دراسة تأصيلية -رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني والأعمال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة 2008 -2009 ص 15.

[26] للاطلاع أكثر حول شكلية الكتابة في قروض الاستهلاك يراجع:

عبد المهيمن حمزة: النظام القانوني لقروض الاستهلاك -دراسة تأصيلية-م. س، ص 21.

[27] M. Ali Mekouar «le contrat de crédit bail dans la pratique Marocaine» Revue juridique; politique et économique du Maroc N°2 juin 1977 p 55-56.

[28] عائشة الشرقاوي المالقي، تجربة البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق بالرباط أكدال 1997-1998، ص 348 و 349.

[29] M Ali Mekouar “ le contrat de crédit bail dans la pratique Marocaine» ; op. cit ; p 70 et 72

[30] تتضمن عقود الإجارة غالبا صنفين من التامين:

أ-التأمين على الأفراد: وهو اختياري حيث للزبون الحرية في اكتتاب تأمين نفسه ضد الوفاة أو العجز الكلي، ليضمن تسديد الاستحقاقات المتبقية في حالة الوفاة أو العجز.
ب-التأمين ضد الخسائر: أي التامين ضد الضياع الكلي أو الجزئي للعين المؤجرة الممولة، والذي هو إجباري.

– عبد الحي الشريف، م. س ص 99.

[31] عائشة الشرقاوي المالقي، تجربة البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق، م. س ص 349.
– محمد الرايسي، م. س ص 85.

[32] الشيخ عبد الباقي الزرقاني، “شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل وبهامشه حاشية الشيخ محمد البناني “الطبعة الأولى، دار الفكر، بيروت لبنان، دون ذكر تاريخ النشر، المجلد 3، ج 5 و 6 ص 173.

[33] الشيخ محمد بن رشد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار المعرفة بيروت، الطبعة 9 سنة 1988، الجزء الثاني، ص 213.

[34] الشيخ محمد بن عرفة الدسوقي، “حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لأبي البركات سيدي أحمد الدردير” وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق سيدي محمد عليش، دار الفكر، المجلد 3، ص 159.

[35] يطلق على المفهوم الحديث للمرابحة المعتمد من طرف المصارف الإسلامية ب “بيع المرابحة للأمر بالشراء” وقد ظهر هذا المصطلح سنة 1976 إثر استعماله من طرف الدكتور سامي محمود في أطروحته لنيل الدكتوراه من كلية الحقوق في القاهرة التي كانت تحمل عنوان “تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق مع الشريعة”.

سامي محمود، بيع المرابحة للأمر بالشراء، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد، 5 ج 2، ص .1092

[36] عائشة الشرقاوي المالقي، تجربة البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق، م. س، ص 300 و 301.

[37] محمد نجيب بوليف، تمويل المشاريع الصغرى، م. س ص 89.

[38] جميل أحمد، م. س، ص 135.

[39] عبد الحي الشريف، م. س، 101 و 102.

[40] ينص الفصل 61 من ق. ل. ع على ما يلي:

“يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا أو غير محقق فيما عدا الاستثناءات المقررة بمقتضى القانون”.

[41] صدر بتنفيذه ظهير شريف رقم 03-11-1 في 14 من ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011)، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 3 جمادى الأولى 7) 1432أبريل 2011) ص 1072 وما بعدها.

[42] محمد أمنوا البوطيبي، م. س، ص 115.

[43] يعد هذا الإجراء ضروريا لتأكيد الشرط المنصوص عليه في المادة من 10 التوصية حيث جاء فيها ما يلي:

“لا يجوز أن يكون موضوع عقد المرابحة اقتناء ممتلكات غير موجودة عند تاريخ توقيع العقد”.

[44] عائشة الشرقاوي المالقي، تجربة البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق، م. س ص 308.

[45] يرجع الأستاذ عبد اللطيف بروحو التكلفة المرهقة لهذه المنتوجات إلى خضوعها لنظام ضريبي مرهق ومكلف، ويتجلى ذلك بالنسبة لمنتوج الإجارة والاقتناء في:

أ -تطبيق الضريبة على الشركات، وهنا يطرح إشكال يتعلق بالتهالك amortissement.

ب -تطبيق السعر العادي والأعلى للضريبة على القيمة المضافة. % 20

ج -ازدواجية تطبيق مصاريف التسجيل والتنبر.

د-إدراج تكلفة الضريبة على الأرباح العقارية.

أما بالنسبة لمنتوج المرابحة فتتجلى مظاهر ارتفاع تكلفته في:

أ -إشكالية احتساب الأرباح العقارية داخل الأرباح الخاضعة للضريبة على الشركات.

ب -إخراج تكلفة الأرباح العقارية في ثمن البيع.

ج -الخضوع للضريبة على القيمة المضافة بنسبة 10% تضاف إلى تكاليف المنتوج.

د -ازدواجية تطبيق مصاريف التسجيل والتنبر.

عبد اللطيف بروحو -الإشكاليات القانونية والضريبية للتمويلات البنكية البديلة -مداخلة في ندوة بعنوان المنتجات البنكية الإسلامية، نظمتها جامعة محمد الأول بوجدة بتاريخ 2007/12/6 غير منشورة.

[46] حوار مع الأستاذ أنس الحسناوي، العضو المراقب في المجلس العام للبنوك الإسلامية، جريدة الصباح العدد 2451 بتاريخ 26 فبراير 2008ص 8.

عبد اللطيف بروحو المرجع السابق

[47] عبد العظيم الصغيري، التمويلات البنكية الجديدة بالمغرب، م. س، ص 89.

الأكثر رواجًا