بين الضرورة المجتمعية و التعامل الرسمي بعد اقرار الدستور الجديد

 

ذ . ميمون خراط

مدير مجلة العلوم القانونية

من يمتلك المعلومة يمتلك السلطة”، تلك قاعدة مؤسسة لكل أشكال السلط في التجمع البشري من الأسرة والمدرسة إلى الاقتصاد والحكم ، ومن تم فإن النقاش حول مد الناس بالمعلومات التي تحيطهم علما بما يجري في المحيط الذي يعيشون فيه، ليتخذوا القرارات والمواقف السليمة اتجاه القضايا التي تعترضهم في حياتهم اليومية بناء على المعارف التي تعتبر حقا من حقوق الإنسان، هذا النقاش ليس ترفا فكريا في مجتمع لديه أولويات ضاغطة ومتزاحمة في قمة سلم التراتبية، بل هو جزء أساسي من تحقيق التنمية والديمقراطية الشاملة والعدالة الاجتماعية ([1]).

لقد نصت كل المواثيق الدولية على حق الناس في الوصول إلى المعلومات، وأكدت توصيات الأمم المتحدة أن الحق في الحصول على المعلومات هو اختبار لتحقيق باقي حقوق الإنسان، لذا فإن مد العموم بالمعلومات الضرورية معناه إعطاؤهم حقهم في المعرفة ونصيبهم من الحقيقة ومن الوجود. فإذا انبنى الفكر العقلاني على المنطق الديكارتي: “أنا أفكر إذن أنا موجود”، فإن الثورة التقنية اليوم، جعلت العالم يتأسس على منطق آخر، هو “أنا أعرف، إذن أنا موجود”.

وعليه فإن التوزيع العادل للمعلومات على عموم المواطنين، هو الذي يؤسس لقيم تكافؤ الفرص والمساواة والعدل والشفافية في تدبير الشأن العام، وتعزيز ثقافة المشاركة والمحاسبة، وهو الرافعة الأساسية لتجسيد أن الأمة هي مصدر السلطة.

المحور الأول: المصادر القانونية للحق فى الحصول على المعلومة

الفقرة الأولى: المصادر الدولية
أولا: الجمعية العامه لمنظمه الامم المتحدة

لقد اعترفت منظمة الأمم المتحدة بحرية التعبير وحق الحصول على المعلومة كحق من حقوق الإنسان، وذلك بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 1/59 المتخذ في عام 1946 في أول اجتماع للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، والذي نص على أن: حرية المعلومات حق أساسي من حقوق الإنسان، وهي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لحمايته، إلا أنه لم يتم وضع حرية تداول المعلومات بشكل منفصل، بل تم تكريسها كجزء من الحق الأساسي لحرية التعبير الذي يتضمن حق البحث وتلقي ونقل المعلومات ([2]).

ثانيا: المقرر الخاص لحريه الرأي و التعبير بمفوضية الامم المتحدة لحقوق الإنسان

في عام 1995 صرح المبعوث الخاص للأمم المتحدة المسئول عن حرية الرأي والتعبير، قائلا: إن حرية البحث عن المعلومات أو الحصول عليها هي أهم عنصر من عناصر حرية التعبير.

وفي تقريره لسنة 1998 أعلن المبعوث الخاص، أن الحق في البحث عن المعلومات وتلقيها ونقلها يفرض على الدولة التزاما ايجابيا لضمان الحصول على المعلومات، خصوصا فيما يتعلق بالمعلومات التي تملكها الحكومات بأي نظام حفظ واسترجاع كان. كما أكد المقرر الخاص في هذا التقرير على عدة جوانب فيما يتعلق بالحق في المعرفة وحرية تداول المعلومات أهمها: ([3])

  1. أن حرية الصحافة خطوة حيوية لضمان التدفق الحر للمعلومات، وحرية الرأي والتعبير، وأنه من الواجبات الأساسية على الدولة أن تكون هي الضامن لها، وأنه يجب أن يترك للصحافة ذاتها تقرير ما هي مسؤوليتها وما هي واجباتها، حيث إنه أينما تكون حرية الصحافة مستهدفة أو مقلصة، لا يستطيع الناس التعبير عن اختلافهم من خلال المناظرات المفتوحة.

ب- أن المقرر الخاص لحرية الرأي والتعبير مستمر في تلقي الشكاوى المتعلقة بالتحيز في البث والإذاعة، الذي يقيد بشدة، أو ينتهك حرية التماس وتلقي ونقل المعلومات.

كما أشار المقرر الخاص في تقريره لسنة 2000 إلى الأهمية الأساسية لحق الحصول على المعلومات ليس بالنسبة إلى الديمقراطية والحرية فحسب، بل إلى حق المشاركة وإدراك الحق في التنمية أيضا ([4]).

وتوسع المقرر الخاص في الأمم المتحدة بشكل كبير في شرحه حول حرية المعلومات في تقريره السنوي إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عام 2002، حيث أشار إلى أهميتها (المعلومات) الأساسية ليس بالنسبة إلى الديمقراطية والحرية فحسب، بل للحق بالمشاركة وتحقيق حق التنمية.
كما أكد قلقه بشأن توجه الحكومات والمؤسسات الحكومية نحو منع الناس من الحصول على المعلومات التي من حقهم الحصول عليها ([5]).

ثالثا: اتفاقيه الامم المتحدة لمكافحه الفساد([6])

وهو ما ترجمته المادة العاشرة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حيث تنص المادة التي جاءت بعنوان (إبلاغ الناس) أن على الدولة الموقعة على الاتفاقية تمكين عامة الناس من الحصول على معلومات عن كيفية تنظيم إداراتها العمومية واشتغالها، وعمليات اتخاذ القرارات فيها وعن القرارات والصكوك القانونية التي تهم عامة الناس لتعزيز الشفافية، واعتماد إجراءات أو لوائح تمكن عامة الناس من الحصول على المعلومات، وتبسيط الإجراءات الإدارية من أجل تيسير وصول الناس إلى السلطات المختصة، ونشر معلومات يمكن أن تضم تقارير دورية عن مخاطر الفساد في إداراتها العمومية.

وتضيف المادة 13 (الفقرة الأولى) من نفس الاتفاقية على أن كل دولة طرف يجب أن تتخذ تدابير مناسبة، ضمن حدود إمكاناتها ووفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، لتشجيع أفراد وجماعات لا ينتمون إلى القطاع العام، مثل المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي، على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته، ولإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر، وينبغي تدعيم هذه المشاركة بتدابير مثل:

  1. تعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع إسهام الناس فيها،

ب – ضمان تيسر حصول الناس فعليا على المعلومات،

ج – القيام بأنشطة إعلامية تسهم في عدم التسامح مع الفساد، وكذلك برامج توعية عامة تشمل المناهج المدرسية والجامعية،

د-احترام وتعزيز وحماية حرية التماس المعلومات المتعلقة بالفساد وتلقيها ونشرها وتعميمها.

ويجوز إخضاع تلك الحرية لقيود معينة، شريطة أن تقتصر هذه القيود على ما ينص عليه القانون وما هو ضروري :

  • لمراعاة حقوق الآخرين وسمعتهم،
  • لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو لصون صحة الناس أو أخلاقهم.

رابعا: الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم([7])

تنص المادة 13من الاتفاقية على ما يلي:

12- للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية التماس جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها، بصرف النظر عن الحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة، أو في شكل فني أو بأية وسيلة أخرى يختارونها.

خامسا: الأعلان العالمي لحقوق الأنسان

يعتبر المصدر الرئيسي لحقوق الإنسان الدولية ومادته 19 هي الأساس القانوني الأول لحق الإطلاع على المعلومات، هذه المادة تكفل حق حرية التعبير والحصول على المعلومات، وذلك في ثلاث نطاقات رئيسية: ([8]).

  • الحق في التماس المعلومات سواء أخذت هذه المعلومات صيغة الأنباء، أو أخذت صيغة الأفكار،
  • الحق في تلقي المعلومات، بمعنى استلامها من الغير،
  • الحق في نقل المعلومات، أي نشرها أو إذاعتها.

ولم تشر المادة المذكورة إلى أية قيود لممارسة هذا الحق بغض النظر عن الحدود، وبغض النظر عن العلاقة بين المعني بالمعلومة والجهة التي تمتلكها. وهذا ما دفع المواثيق الدولية اللاحقة له بأن تحدد قيود لممارسة حق الحصول على المعلومة وتداولها داخل المجتمع ([9]).

سادسا: العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية و السياسية

أقرت المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الحق في المعرفة وحرية الرأي والتعبير ضمن نفس الشروط المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مع عدم اعتبار الحدود الجغرافية، أو نوع الوسيلة المستخدمة. وقد أشارت المعاهدة إلى قيود نصت عليها المادة 19 : ([10])

  • احترام حقوق الآخرين،
  • احترام سمعة الآخرين،
  • حماية الأمن القومي،
  • حماية النظام العام،
  • حماية الصحة العامة،
  • حماية الآداب العامة.

سابعا: العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.

تنص المادة 15 من هذا العهد في الفقرة الأولى على ما يلي: الدول الأطراف في هذا العهد تقر بأن من حق كل فرد المشاركة في الحياة الثقافية، وأن يتمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته.

وجاء في الفقرة الثالثة من نفس المادة أن الدول الأطراف تتعهد باحترام الحرية التي لا غنى عنها للبحث العلمي وللنشاط الإبداعي ([11]).

ثامنا: الميثاق العربي لحقوق الإنسان([12])

تنص المادة 32 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان على ما يلي:

1- يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية.

2- تمارس هذه الحقوق والحريات في إطار المقومات الأساسية للمجتمع، ولا تخضع إلا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

تاسعا: الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب

تنص المادة 9 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب على ما يلي: ([13]).

  1. من حق كل فرد أن يحصل على المعلومات .
  2. يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها في إطار القوانين واللوائح.

وقد تبنت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إعلان مبادئ حرية التعبير في دورة انعقادها الثانية والثلاثين عام 2002، وقد أيد هذا الإعلان بوضوح الحق في إتاحة المعلومات مقررا الآتي : ([14])

1-إن الجهات العامة لا تحتفظ بالمعلومات لنفسها بل كنائب عن الصالح العام، ويحق للجميع الحصول على هذه المعلومات، حيث تكون خاضعة لقواعد محددة بشكل واضح يضعها القانون فحسب.

2- سيتم ضمان حق الحصول على المعلومات من قبل القانون بموجب المبادئ التالية:

  • يحق للجميع الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها جهات عامة،
  • يحق للجميع الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها جهات خاصة إذا كان ذلك الأمر ضرورياً لممارسة أي حق أو حمايته،
  • سيكون أي رفض لكشف المعلومات خاضعاً للتقدم بالتماس إلى أية جهة مستقلة و/أو إلى المحاكم،
  • سيكون مطلوباً من الجهات العامة، حتى في حال عدم وجود أي طلب لذلك، نشر المعلومات الهامة بشكل فاعل والتي تعتبر ذات أهمية للمصلحة العامة،
  • لن يكون أي شخص عرضة لأي عقوبات لنشره معلومات عن حسن نية حول تجاوز ما أو ما من شأنه الكشف عن تهديد خطير للصحة أو السلامة العامة أو سلامة البيئة، إلا إذا كان فرض عقوبات يخدم مصلحة مشروعة ويعتبر أمراً ضرورياً في أي مجتمع ديمقراطي،
  • ويتم تعديل القوانين المتعلقة بالخصوصية إذا اقتضت الضرورة ذلك للالتزام بمبادئ حرية المعلومات.
  • يتمتع الجميع بحق الحصول على معلوماتهم الشخصية وتحديثها وبطريقة ما تصحيحها، سواء أكانت تحتفظ بها جهات عامة أم خاصة.

الفقرة الثانية: على مستوي الدستور المغربي

ينص الدستور المغربي في مادته 27 على الحق في الحصول على المعلومات “للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العمومية، ولا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون”.

وبعدها أقر المغرب تعديلا لقانون الصحافة والنشر([15]) تضمن بندا عاما عن الحصول على المعلومات. ونصت المادة الأولى على أن “لمختلف وسائل الإعلام الحق في الوصول إلى مصادر الخبر والحصول على المعلومات ما لم تكن هذه المعلومات سرية بمقتضى القانون. “غير أن القانون لم يتضمن إنشاء آلية يمكن من خلالها لوسائل الإعلام الوصول إلى مصادر الأخبار. ولم يحدد واجبات الدولة وعواقب الامتناع عن تقديم المعلومات. ويفتقر أيضا إلى آلية للطعن والتظلم من
رفض المؤسسات العامة تقديم المعلومات. وينطوي القانون على عدد من المآخذ من حيث غموضه ونظام جزاءاته وعقوباته.

كما ينص البند 4 من النظام الأساسي للصحفيين على “حق الصحفي في الوصول إلى مصادر الخبر في إطار ممارسة مهنته وفي حدود احترام القوانين الجاري العمل بها.

قانون الأرشيف يقر بأنه يمكن لكل شخص راغب في الاطلاع، دون مراعاة أي أجل، على بعض الوثائق التي توضع عادة رهن إشارة الجمهور أو على الوثائق التي يرخص القانون بالاطلاع عليها. “وتقضي مادته 16 بأنه يحق للجمهور الوصول بحرية إلى المحفوظات العامة بعد مرور 31 عاما على إنتاجها، إلا في بعض الحالات المنصوص عليها في القانون. وتم تدشين مؤسسة أرشيف المغرب في 27 مايو 2011 بعد أكثر من عامين من المطالبة الشعبية بتفعيل قانون الأرشيف. غير أن المؤسسة لم تبدأ عملها بعد، ومازال المغاربة ينتظرون إصدار القوانين التنظيمية التي ترسي آليات التنفيذ.

الأكثر رواجًا