على الاقتناءات العقارية لفائدة الملك العام للدولة

ذ. ميمون خراط

مدير مجلة العلوم القانونية

مقدمة عامة

لقد تم سن مدونة للحقوق العينية ([1]) لحل جملة من الإشكالات العملية التي كانت تعاني منها التصرفات العقارية بكل أنواعها مما يؤدي إلى هضم الحقوق وتعطيل المساطر وتعقيد الإجراءات ووضع مزيد من العبء على كاهل القضاء علاوة على الحد من الاستثمارات نظرا لما يشكله الوعاء العقاري من أهمية في هذا الإطار، هذا ما أدى إلى شلل في عدة ميادين ذات الصلة مما استدعى من المشرع التدخل العاجل لوضع حد لهذا الوضع وذلك بإعداد نص قانوني ([2]) ملائم للمرحلة ويستجيب للتطلعات والنداءات التي طالما صدرت من المهتمين والمعنيين بالخصوص .

إن صدور هذا القانون يندرج في إطار تحديث المنظومة التشريعية ، وتوحيد المقتضيات القانونية المتعلقة بالحقوق العينية المطبقة على العقارات المحفظة وغير المحفظة ، في إطار أحكام وقواعد الفقه الإسلامي، والرجوع إلى الراجح والمشهور، وما جرى به العمل في الفقه المالكي فيما لم يرد به نص ، وهذا اتجاه مقبول ومحمود.([3]) أن هذا القانون يوضح قناعة المشرع بالدور الهام الذي يسديه التوثيق العدلي والعصري – العقد الرسمي – في مجال العقار وإلزامية قطع كل علاقة ، ووضع حد نهائي لكل تسيب في تحرير العقود المتعلقة بالتصرفات العقارية ، وهو ما نصت عليه المادة الرابعة من القانون وحيث أن تعميم رسمية التصرفات العقارية هو ما تنهجه أغلب الأنظمة العقارية في القانون المقارن ، ومسايرة كذلك للتطورات التي يعيشها المجتمع المغربي في ميدان المعاملات الاقتصادية ، والمعاملات العقارية بوجه خاص. وما سارت عليه الكثير من القوانين الأخرى ، لعل أهمها : القانون 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار بمقتضى ظهير 11 نونبر 2003، الذي يشترط رسمية العقود المتعلقة بالإيجار المفضي إلى تملك العقارات .

والقانون 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز، والقانون رقم 18.00 المتعلق بالملكية المشتركة للعقارات المبنية ، بمقتضى ظهير 3 أكتوبر 2002 ([4])

ولا شك في القول بأن أي نص كيفما كانت ايجابياته فإنه لابد من أن تطبعه بعض النواقص والسلبيات وهذا ما تم ملاحظته في المادة الرابعة والمثيرة للجدل والتي تنص على وجوب تحرير جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية وبإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها وتعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي ، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لن ينص قانون خاص على خلاف ذلك ، وذلك تحت طائلة بطلان العقود المحررة في هذا الباب .

وهو ما يشمل حتى العقود المبرمة في هذا المجال من الدولة الملك العام في اقتناء العقارات من أجل المنفعة العامة الشيء الذي سيزيد من تكاليف المشاريع وسيثقل كاهل الدولة بمصاريف وأداء واجبات التوثيق هي في غنى عنها، وعليه ولإلقاء نظرة حول الإشكاليات العملية لهذه المادة تأسيسا على ما سبق سنقوم بداية بإلقاء نظرة حول طريقة تحرير التصرفات العقارية قبل دخول مدونة الحقوق العينية حيز التنفيذ ( المطلب الأول ) على أساس الانتقال في المطلب الثاني لإشكالية الاستمرار في تطبيق هذه المادة على الملك العام واقتراح البدائل.

المطلب الأول :

مسطرة الاقتناء بالتراضي لفائدة الملك العام للدولة قبل دخول مدونة لحقوق العينية حيز التنفيذ

تقتضي مباشرة مسطرة الاقتناء بالتراضي من طرف الدولة أن تتنازل عن امتيازات الشخص العام والخضوع لقواعد القانون الخاص كأي شخص عادي مع الإشارة إلى أن عملية الاقتناء المباشر من طرف الدولة يخضع لقواعد المحاسبة العمومية ([5]) دون أن يكون لهذا أي تأثير على جوهر عملية الاقتناء.

الفقرة الأولى:

الإجراءات التمهيدية لإبرام عقد البيع في إطار مسطرة الاقتناء بالتراضي

لتطبيق مسطرة الاقتناء بالتراضي ([6])، وأبرام تعاقد مباشر بين الإدارة ومالك موضوع عملية الاقتناء لابد من توافر الشروط التالية:

أن يكتسي المشروع الذي يتم الاقتناء بهدف إنجازه صبغة المنفعة العامة دون أن يتطلب ذلك صدور مقرر المنفعة العامة،

وجود محضر اللجنة الإدارية لتقييم العقارات المزمع اقتناؤها : تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن الإدارة تعمل على توجيه استدعاء عن طريق السلطة المحلية إلى أعضاء اللجنة الإدارية لتقييم العقارات المزمع اقتناؤها ، وتتألف هذه اللجنة من نفس العناصر الذين تتكون منهم لجنة التقييم المنصوص عليها في منشور السيد الوزير الأول رقم 209 رغم أن الأمر لا يتعلق باقتناء عقارات لفائدة الملك الخاص للدولة.

ويتعين على اللجنة تحديد القيمة الحقيقية للعقار اعتمادا على خصوصياته وكذا البيوعات التي تمت في المنطقة وان اقتضى الحال تخرج اللجنة لمعاينة العقارات موضوع عملية الاقتناء.

وتحرر اللجنة محضرا يوقع عليه كافة الأعضاء وتضمنه المعلومات التي اعتمدت عليها في تحديد مبلغ التعويض المتفق عليه إجماليا إذا كان الثمن موحدا وحسب المجموعات والأنواع إذا كانت هناك أثمنة مختلفة.

توفر المالك على وثائق إثبات الملكية وهنا ينبغي التمييز بين حالتين:
إذا كان العقار موضوع الاقتناء محفظا أو في طور التحفيظ ينبغي أن يدلى المالك بشهادة عقارية حديثة العهد تثبت عدد الرسم العقاري أو مطلب التحفيظ ومساحته الإجمالية واسم المالك أو الملاك مع تبيان نصيب كل واحد منهم ، وفي حالة وجود رهن عقاري تبيان مقداره والمستفيد منه،

إذا كان العقار موضوع الاقتناء غير محفظ ينبغي أن يدلى المالك بإحدى الوثائق التالية:
عقد الملكية – عقد شراء عدلي – عقد بيع إداري مسجل لدى مصلحة التسجيل والتنبر- عقد الاستمرار – حكم قضائي نهائي.

القبول المبدئي للمالك بتفويت عقاره للإدارة مقابل الثمن الذي تعرضه عليه.
بعد توصل الإدارة بمحضر اللجنة الإدارية للتقييم تعمل على استدعاء ذوي الحقوق للتأكد من كونهم مالكين فعليين للعقار من خلال الاطلاع على الوثائق التي تثبت ذلك، واطلاعهم على المشروع الذي تزمع إنجازه وكذا ترغيبهم في تفويت عقاراتهم إليها لتمكينها من إنجاز هذا المشروع عن طريق الاقتناء بالتراضي عوض اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية وذلك مقابل الثمن الذي تم تحديده من طرف اللجنة الإدارية للتقييم.

وتجب الإشارة في هذا الصدد إلى أن الإدارة ملزمة بتطبيق مسطرة نزع الملكية في الحالات التالية:

عدم توفر المالك على سند إثبات الملكية،
وجود نزاع حول الملك المراد اقتناؤه ،
عدم قبول المالك عروض الإدارة ،
عدم استجابته لاستدعاءاتها.

الفقرة الثانية: إعداد عقد البيع والمصادق عليه

ما دامت مسطرة الاقتناء بالتراضي كما أسلفنا تحكمها قواعد القانون الخاص من جهة وقواعد المحاسبة العامة من جهة ثانية ، فإن إبرام عقد البيع الذي يكرس عملية الاقتناء يتم إبرامه طبقا لمقتضيات ق ل ع ، في حين أن المصادقة عليه والإذن بإجراء عملية البيع يتم في شكل قرار صادر عن الوزارة المكلفة بالمالية كيفما كان مبلغ الثمن الذي تم الاتفاق عليه.

وانطلاقا من اعتبار قانون الالتزامات والعقود عقد البيع عقدا شكليا ورضائيا ، فإنه ينبغي إعداده طبقا للشكل المحدد من طرف القانون ، بمجرد اتفاق أو توافق إرادة الطرفين إحداهما بالبيع والأخر بالشراء واتفاقهما على البيع والثمن الأخرى للشروط ، حيث يتم تحرير عقد البيع كتابة طبقا لمنطوق الفصل 489 من ظهير الالتزامات والعقود ،([7]) غير أن هذا العقد يوقع عليه مالك العقار فقط ولا يوقع عليه ممثل الإدارة لأنه يعتبر مجرد وعد بالبيع ولا يكتسب صفة الرسمية إلا بعد صدور إذن أو ترخيص عن وزير المالية يؤذن للإدارة المعنية بمباشرة اقتناء العقار الوارد في عقد البيع ، وبعد ذلك المصادقة عليه من طرف هذه الأخيرة .

يجب أن يتضمن عقد البيع ويتم تعبئة عقود التنازل بدون شطب أو مسح المعلومات التالية:
أسماء وعناوين الملاكين،
اسم والمركز الاجتماعي في حالة الشخص الاعتباري ،
كافة المعلومات عن العقار (مساحته ووضعيته القانونية وموقعه الخ)
الثمن الفردي والإجمالي الذي تم التفويت،

الالتزامات التي تقع على البائع من قبيل التخلي عن المطالبة بتعويضات أخرى غير الثمن حالا ومستقبلا والتعهد بضمان أية مطالبة من أي شخص آخر سواء كان مكتري أو مستغل،

الالتزامات التي تقع على الإدارة وخاصة أداء الثمن إلى ذوي الحقوق .

هذا وتجدر الإشارة إلى أنه عندما تكون مساحة القطعة موضوع الاقتناء غير معروفة بالضبط يجب التنصيص في عقد البيع على المقتضيات التالية ” إن المساحة المبينة في هذا العقد تقريبية ، وسوف لا تحدد بالضبط إلا عند إجراء عملية التحفيظ ، ويتعين على الطرفين أن يعوض أحدهما الأخر عن الفرق المحتمل ظهوره في المساحة على أساس … للمتر المربع ” .

الفقرة الثالثة:

آثار عقد الاقتناء بالتراضي

بمجرد المصادقة على عقد البيع من طرف الإدارة المقتنية فإنه ينتج أثاره كاملة ويقع على البائع والمشتري الوفاء بالتزاماتهما طبقا لمقتضيات الفصلين 498 و 576 من قانون الالتزامات والعقود . ([8])

فالبائع ملزما بتسليم الشيء المبيع وبضمانه ، والمقصود بتسليم الشيء هو إخلاء العقار موضوع الاقتناء لفائدة الدولة ووضعه تحت تصرفها للانتفاع به طبقا للغرض الذي اقتني من أجله.
– بالنسبة للعقار المحفظ : لا يتم إلا من خلال تسجيل عقد البيع في السجل العقاري طبقا لمقتضيات الفصل 65 من قانون التحفيظ العقاري ، ([9])
– بالنسبة للعقار الذي يوجد في طور التحفيظ : فإنه حسب 84 من قانون التحفيظ العقاري ([10]) إذا شملت عملية البيع العقار كله فيجب على الإدارة التقدم بمطلب تصحيحي لتحل الدولة بموجبه محل طالب التحفيظ البائع في جميع حقوقه ، أما إذا شمل البيع جزءا من العقار تدخل الدولة في مسطرة التحفيظ،
– وبالنسبة للعقارات غير المحفظة فعلى البائع تسليم الإدارة وثائق إثبات الملكية لتمكينها من مباشرة مسطرة التحفيظ.

أما المشتري فليلتزم بدفع الثمن ، لكن الثمن لا يؤدى في هذه الحالة بالطرق العادية المتمثلة في تسليم المبلغ النقدي مباشرة من المشتري إلى البائع ، وإنما لابد للإدارة من تكوين ملف الأداء الشيء الذي يجعل من العملية العقارية تصرف إداريا على الرغم من كون الإدارة لا تكون شخصا عاما حين مباشرتها الاقتناء بالتراضي.

ويتكون ملف الأداء المنصوص عليه في قرار وزير المالية رقم 1673.01 بتاريخ 28 شتنبر 2001 بتحديد الوثائق والمستندات المثبتة لمد اخيل ونفقات الدولة من:
وثائق إثبات الملكية،
عقد البيع،
قرار وزير المالية الذي يأذن بالترخيص،
رقم الحساب البنكي للمعني بالأمر أو تصريح بعدم توفره على حساب بنكي.

عقد بيع إداري

بين السيد……………………. بطاقة التعريف الوطنية رقم …………………..
. . . . . . . . . . . . . . . . . القاطن ب . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حصل الاتفاق وتقرر ما يلي:
الفصل الأول:

يبيع بمقتضى هذا العقد، مع كل الضمانات المادية والقانونية والفعلية للدولة الملك العمومي للدولة ممثلا من طرف وزير التجهيز.
الفصل الثاني:
وقع هذا البيع وتم قبوله بثمن إجمالي قدره :

حيث يصبح المبلغ الإجمالي للقطعة الأرضية قدره : وقد وقع هذا البيع وتم قبوله بثمن إجمالي قدره : . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفصل الثالث:

تحوز للدولة الملك العمومي للدولة وتنتفع بالعقار موضوع هذا العقد، ابتداء من تاريخ إمضائه وعندئذ يجب أن يكون هذا العقار شاغرا من كل احتلال .
الفصل الرابع:

يصرح البائع أن العقار المذكور خال من كل تكليف أو رهن أو أي حق عيني لفائدة الغير.

الفصل الخامس:

يصرح البائع بتخليه عن المطالبة حالا ومستقبلا وبأية طريقة كانت ومهما كانت الأسباب بتعويضات كيفما كان نوعها بعد توقيع هذه الوثيقة.
الفصل السادس:
يتعهد البائع بتحمل كل ما يترتب عن المطالبة بأي تعويض من أي شخص سبق له أن اكترى أو استغل الملك المذكور.
الفصل السابع:
يمنح للدولة الملك العمومي للدولة ممثلة من طرف وزير التجهيز ، الصلاحية المطلقة لتسجيل هذا العقد لدى المصالح المختصة.

يتضح من خلال ما سبق أن الكيفية التي كانت تباشر بشأنها الإدارة مسطرة الاقتناءات العقارية تكاد تكون خالية من الشوائب والثغرات التي قد تجعل من تلك العقود عرضة للتزوير أو الطعن مما يشكل ضمانة مهمة لطرفي العقد ( الإدارة والمواطن ) كما توفر من جهة أخرى مبالغ مالية مهمة لصالح خزينة الدولة خاصة في ظل الأزمة الحالية وكذا السياسة الجديدة التي تروم التقشف في النفقات خاصة إذا علمنا بأن تكلفة العقود ستصل إلى إنفاق ملايين الدراهم في الوقت الذي لم تكن فيها تكلف أي شيء لا من حيث المجهود ولا من حيث المصاريف

المطلب الثاني:

إشكالية الاستمرار في تطبيق المادة الرابعة على الملك العام للدولة

إن تعزيز رسمية التصرفات العقارية ، هو النظام نفسه الجاري به العمل في قوانين الدول الأخرى . وهي الأدلة الكتابية التي تتضمن اتفاقات والتزامات المتعاقدين ، يتم إنجازها من طرف من لهم صلاحية التوثيق ، وفق إجراءات قانونية ، وتكتسي الحجية القوية في الإثبات لا يمكن استبعادها أو الطعن فيها ، إلا بسلوك مسطرة الزور. ([11])

فتحرير العقود العقارية لم يكن منظما من قبل تنظيما محكما ينتفي معه كل غموض وكان الفصل 489 من ق ل ع م هو الذي ينظم كيفية تحرير العقود العقارية والجهة المخول لها تحرير هذه العقود ينص الفصل 489 من قانون العقود والالتزامات والعقود على ما يلي:” إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ ، ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون” هذا الفصل الذي كان مثار جدل بين رجال الفقه والقانون حول العبارة الواردة فيه وهي “وجب أن يجري البيع كتابة ” والتي كانت توجب إن يحرر البيع العقاري وجوبا في محرر كتابي وهو ما يعرف بالشكلية في القانون . لكن الإشكال الكبير هو سكوت المشرع عند عبارة ” كتابة ” ولم يحدد ما المقصود بالكتابة في هذا الفصل مما ترك المجال واسعا لكل الجهات والفئات المختصة وغير المختصة المهنية والغير مهنية وكانت النتيجة كثرة الإشكالات والمشاكل التي تثيرها العقود المحررة من طرف غير المهنيين أو ما يسمى بالعقود العرفية لا على حقوق الناس ولا على مستوى الاقتصاد الوطني ككل وبالتالي ارتفع صوت المتدخلين في هذا القطاع من موثقين وعدول وبعض الفئات الأخرى ذات الصلة من قبيل الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ومصلحة التسجيل والتنبر ومصلحة الضرائب والأساتذة الباحثين المهتمين بالتوثيق والعقار ونادوا بإلغاء الفصل 489 من ظهير الالتزامات والعقود تحقيقا للعدالة وحفظا لحقوق المتعاقدين وتكريسا لمبدأ الأمن القانوني وبالفعل بدا المشرع نهج سياسة التغير في تحرير العقود بدأ من العشرية الأخيرة من القرن الماضي إذ صدرت عدة قوانين توجب إن تنصب بعض المعاملات العقارية في قالب رسمي من هذه القوانين القانون 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز حيث نص في الفصل 3 – 618 على وجوب أن يحرر هذا العقد في محرر رسمي والقانون 18.00 و 51.00 كل هذه القوانين ضيق فيها المشرع من سلطة محرري العقود في مؤسسة التوثيق الرسمي أو للمحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض .إلى أن حسم المشرع في هذا الجدل بصدور القانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية وأقر نظرية رسمية العقود. جاء في الفصل 4 من القانون 39.04 ” يجب أن تحرر – تحت طائلة البطلان – جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي أو بمحرر ثابت التاريخ …..” وعليه لم يعد من الآن إشكال حول النقاش القائم فأصبح التوثيق الرسمي هو الوحيد المؤهل لتحرير العقود العقارية أو إنشاء الحقوق العينية العقارية أو نقلها أو تعديلها وهو اتجاه لا شك أن له مجموعة من الإيجابيات منها طبعا اقتصار تحرير هذه العقود على مجموعة وفئة معينة مؤهلة ومكونة تكوينا فقهيا وقانونيا ولها دراية وعلم بتقنيات تحرير العقود ومن جهة أخرى هذه الخطوة ستساهم تعزيز الاقتصاد الوطني والمساهمة في خزينة الدولة . ([12])

بالإضافة للإيجابيات المذكورة فان لهذه المادة أثرا سلبيا على الملك العام للدولة الذي شملته بدوره دون مراعاة خصوصية هذه النوع من الأملاك وكذا بما يتمتع بها القائمون على تحرير هذه العقود في الإدارة ، ولعل المشرع المغربي كان ذكيا عندما أستثنى الإدارة من إلزامية تنصيب محام أمام القضاء للأسباب المشار إليها ولم ينهج نفس الفلسفة في هذا الإطار بالرغم من أن هذا المجال لا يتطلب من المؤهلات ما تتطلبه مسألة الدفاع أمام القضاء.

هكذا جاء التنصيص في المادة الرابعة كما سبقت الإشارة إلى ذلك على وجوب تحرير جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية وبإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها وتعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي ، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لن ينص قانون خاص على خلاف ذلك ، وذلك تحت طائلة بطلان العقود المحررة في هذا الباب .

وقد أسند المشرع للمحامين صلاحية توقيع العقود إلى جانب الأطراف المحررة لها والتأشير على جميع صفحاتها على أن يتم تصحيح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة والتعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها.

وقد أبان تطبيق هذه المادة على أرض الواقع تعقيدات كبيرة في المساطر خصوصا فيما يتعلق بمسطرة الاقتناء بالتراضي إذ أصبحت الدولة حاليا ملزمة بالاستعانة بموثق لتحرير عقود الاقتناء في هذا الباب ، أو البحث عن محامي للتوقيع والتأشير على هذا العقد وهو ما يؤثر، من جهة ، على تعقد المساطر الإدارية ، ومن جهة ثانية ، اللجوء إلى أشكال تعاقدية كثيرا ما تضر بمصالح الدولة ، على مستوى مصاريف وأتعاب المحامين والموثقين ، في الوقت الذي يتطلب نهج سياسة التقشف حماية للمال العام .

على سبيل الختم:

انطلاقا مما سبق ولتفادي هذه السلبية في هذا القانون الواعد نتمنى أن يتد المشرع من أجل وضع حد لشمول المادة 4 للاقتنائات العقارية لصالح الملك العام للدولة أما عن طريق تعديل هذه المادة أو إدخال تعديل على القانون المنظم للأملاك العمومية وقانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة لما في ذلك من ربح لميزانية الدولة والتي ستكلفها اعتماد موثقين في تحرير هكذا عقود مالية ضخمة نظرا للاقتناءات العديدة التي تجريها الدولة والتي تتطلبها إنجاز المشاريع الاستثمارية هذا بالإضافة إلى عدم طرح أي إشكال بالنسبة للعقود التي كانت تبرمها الدولة في السابق مما يستدعي إلغاءها.


[1] الظهير الشريف رقم 1.11.178 صادر في 25من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) بتنفيذ القانون رقم  39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية

[2] لقد استغرق إعداد هذا المشروع حوالي عشر سنوات أو يزيد تم خلالها تعديل بعض مواده وتنقيحها لتتلاءم وتنسجم مع مختلف الحقوق وكافة المصالح.

[3] تصريح محمد ساسيوي ، رئيس المجلس الجهوي لعدول مكناس ، النائب الأول لرئيس الهيأة الوطنية ، جريدة الصباح ،العدد الصادر بتاريخ 25 / 5 / 2012.

[4] حيث ورد في الفصل 12 منه على ما يلي:

“يجب أن تحرر جميع التصرفات المتملقة بنقل الملكية المشتركة ، أو إنشاء حقوق عينية عليها أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة يخول إليها قانونها تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان .”.

[5] المنصوص عليها في المرسوم الملكي رقم 66 – 330 بتاريخ 21 أبريل 1967 كما تم تتميمه أو تعديله.

[6] من النصوص المطبقة في هذا الصدد نجد:
– ظهير 12 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود كما تغييره أو تتميمه،
– مرسوم رقم 185 – 02 – 2 بتاريخ 5 مارس 2002 بتغيير وتتميم المرسوم الملكي رقم 66 – 330 بتاريخ 21 أبريل 1967 بسن نظام عام للمحاسبة العمومية،
– منشور السيد الوزير الأول رقم 209 بتاريخ 26 ماي 1976 بشأن الاقتناءات العقارية التي تهم الملك الخاص للدولة.

[7] ينص الفصل 489 من ظهير الالتزامات والعقود على أنه ” إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا، وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ . ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون .”.

[8] ينص الفصل 498 من ظهير الالتزامات والعقود على ما يلي:
“يتحمل البائع بالتزامين أساسيين:
1 – الالتزام بتسليم الشيء المبيع؛
2 – الالتزام بضمانه .”.
أما الفصل 576 من نفس القانون فإنه ينص على الآتي : “يتحمل المشتري بالتزامين أساسيين:
الالتزام بدفع الثمن؛
والالتزام بتسلم الشيء.”

[9] ينص الفصل 65على أنه ” يجب أن تشهر بواسطة تقييد في الرسم العقاري ، جميع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض ، وجميع المحاضر والأوامر المتملقة بالحجز العقاري ، وجميع الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به ، متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسيس حق عيني عقاري أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه ، وكذا جميع عقود أكرية العقارات لمدة تفوق ثلاث سنوات ، وكل حوالة لقدر مالي يساوي كراء عقار لمدة تزيد على السنة غير مستحقة الأداء أو الإبراء منه .”

[10] أما الفصل 84 فينص على أنه “إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه ، من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة لذلك . ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات.

يقيد الحق المذكور عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا سمحت إجراءات المسطرة بذلك “.

[11] تصريح محمد ساسيوي رئيس المجلس الجهوي لعدول مكناس ، النائب الأول لرئيس الهيأة الوطنية ، جريدة الصباح ، العدد الصادر بتاريخ 25 ماي 2012.

[12] ذ :ينظر محمد حداوي : ” تكريس مبدأ الأمن القانوني من خلال القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية ” ، جريدة التجديد بتاريخ 8 أبريل 2012.

الأكثر رواجًا