وفقا لقانون المسطرة المدنية المغربي

د. مصطفي بونجة

محام مقبول لدى محكمة النقض، باحث جامعي

د. نهال اللواح

باحثة جامعية

شكل القانون رقم 08-05([1]) تطورا مهما للتحكيم في المادة الإدارية، فبعد أن كان الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 يحظر التحكيم حتى في العقود الإدارية معتبرا ذلك خرقا لقواعد النظام العام([2])، جاء الفصل 310 من القانون رقم 08-05 بمقتضيات جديدة قلصت مفهوم نطاق النظام العام في القانون المغربي ووسعت نطاق التحكيم في المادة الإدارية لتصل به إلى حدود قضاء المشروعية([3]).

ولملامسة التطور الحاصل في التحكيم في المادة الإدارية، فإننا سوف نتطرق للتحكيم في المادة الإدارية (المبحث الأول) على أن نخصص (المبحث الثاني) للحديث عن التحكيم في العقود الإدارية.

المبحث الأول

التحكيم في المنازعات الغير عقدية

المطلب الاول: استثناء القرارات الادارية والمنازعات الجبائية

نص الفصل 310 من قانون 08-05 على أنه “لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية” وكذلك النزاعات المتعلقة بتطبيق قانون جبائى.

الفقرة الأولى: استثناء المنازعات المتعلقة بالقرارات الإدارية

فالقرار الاداري هو ذلك “العمل الانفرادي الصادر عن الادارة معبرا عن إرادتها والمحدث لأثر قانوني في المركز أو الوضعية القانونية للأفراد بالتعديل أو الزيادة أو الإلغاء استنادا على سلطتها التقديرية والتقريرية وحقها في توجيه الأوامر والنواهي تحقيقا للمصلحة العامة”([4]).

فالقرارات التى تعد مجرد اقتراح متوقف على موافقة ومصادقة السلطة المختصة التى خولها القانون ذلك لا ترقى إلى درجة القرار القابل للإلغاء([5]).

فدعوى الإلغاء لا تتعلق بحقوق مالية يجوز فيها الصلح، بل هى دعوى عينية تهدف الى حماية مبدأ المشروعية المتمثل في تحقق سيادة القانون، كما أن الخصومة فيها لا توجه إلى الإدارة بل إلى القرار الإداري محل الطعن وبالتالى لا يمكن تصور قيام صلح بشأنها([6]).

كما أن دور القاضي الإداري ينحصر في إلغاء القرار المتسم بعدم المشروعية دون أن تمتد سلطته إلى التعويض.

وانطلاقا مما سبق، فإن الطبيعة القانونية لدعوى الإلغاء والتى تقوم على اختصام القرار الإداري في ذاته تتنافي مع الطبيعة الاتفاقية للتحكيم([7]).

والملاحظ من خلال الفصل 310 من ق . م .م . فإن المشرع قد مزج بين المعيارين العضوي والمادي لتقرير منع اللجوء إلى التحكيم في القرارات الإدارية والإقرار بإمكانية التحكيم عن النزاعات المالية المترتبة عن هذه القرارات، فالفصل المشار إليه أعلاه اعتمد المعيار العضوي حين نصه على النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية وأخذ بالمعيار المادي حين نصه على الهيئات الأخرى المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية.

ولعل ما ذهب إليه المشرع يمثل إقرارا بعدم كفاية المعيار العضوي للقول بوجود قرار إداري ومنسجما مع توجهات القضاء الإداري في عدم اختزال إمكانية إصدار القرارات الإدارية من طرف أشخاص القانون العام فقط وهذا ما كان قد قرره المجلس الأعلى في أحد قراراته حين اعتبر بأن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم جمعية خاصة والقرارات الصادرة عنها في المادة التأديبية تقبل الطعن عن طريق دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، فهده القرارات تدخل في نطاق المقررات المتخذة في إطار ممارسة امتياز من امتيازات السلطة العامة([8]).

كما أن مفهوم القرار الإداري لا يمكن اختزاله في الدعاوى المنصوص عليها في المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، ذلك أنه ولئن كانت المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية قد أسندت الاختصاص لهذه المحاكم بالنظر في دعاوى الإلغاء الموجهة ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية، فإن هناك نصوصا قانونية خاصة قد حددت جهة معينة للطعن في القرارات الإدارية الصادرة عن بعض الجهات، فقد جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بأنه “ولئن كانت المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية قد أسندت الاختصاص لهذه المحاكم بالنظر في دعاوى الإلغاء الموجهة ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وهو نص عام ، فإن الفصل 12من الظهير الصادر بتاريخ 1962/6/30 بشأن ضم الأراضي هو نص خاص وبالتالي فهو الواجب التطبيق مادام لم يطله أي تعديل([9]).

الفقرة الثانية: استثناءات النزاعات المتعلقة بتطبيق قانون جبائي من التحكيم

ولقد جاء قانون 08-05 منسجما مع مقتضيات المدونة العامة الجديدة للضرائب والمحدثة بموجب قانون المالية لسنة 2007، ذلك أن المادة 224 نصت في فقرتها الأخيرة على أنه لا يمكن للنزاعات المتعلقة بتطبيق القانون الجبائي أن تكون موضوع تحكيم.

وفي اعتقادنا، فإن المشرع المغربي وبحظره للتحكيم في المنازعات الجبائية يكون قد تأثر ببعض الاتجاهات الفقهية بفرنسا والتي تعتبر بأن الإقرار بالتحكيم في المنازعات الضريبية هو مساس بالنظام العام([10]) واعتداء على الاختصاص الحصري للقاضي الإداري([11])، غير أن هاته الأسباب لم تعد قائمة مادام أن المشرع قد أقر بإمكانية التحكيم في العقود الإدارية والمنازعات المالية المترتبة عن القرارات الإدارية.

فسواء تعلق الأمر بالعقود الإدارية والمنازعات المالية المترتبة عن القرارات الإدارية أو المنازعات الضريبية، فإن الأمر يتعلق دائما وأبدا بالمال العام.

المطلب الثاني: إمكانية التحكيم في النزاعات المالية المترتبة عن القرارات الإدارية

ولقد استثنى الفصل 310 من حالات المنع النزاعات المالية الناتجة عن التصرفات الأحادية للدولة، وأجاز أن تكون محل عقد التحكيم.

والملاحظ بأن المشرع أجاز إمكانية عرض النزاعات المالية الناتجة عن القرارات الإدارية في شكل عقد التحكيم فقط مستبعدا بذلك إمكانية شكل شرط التحكيم.

فإذا كان شرط التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف العقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التى قد تنشأ عن العقد المذكور([12]) فإن عقد التحكيم كما عرفه المشرع المغربي في الفصل 314 من القانون رقم 08-05 هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف العقد بعرض هذا النزاع الذي نشأ بينهم على هيئة تحكيمية.

واستبعاد إمكانية شرط التحكيم والاكتفاء بعقد التحكيم جاء منسجما مع طبيعة النزاعات المالية المترتبة عن القرارات الإدارية، ذلك أن الإقرار بإمكانية إخضاع النزاعات المالية المترتبة عن القرارات الإدارية لشرط التحكيم لمن شأنه الغل المسبق ليد الإدارة والاستبعاد القبلى لأي تدخل للقاضي الإداري.

وإذا كان المشرع المغربى قد سن التحكيم في النزاعات المالية المترتبة عن القرارات الإدارية دون أي قيد أو شرط، فإنه وفي اعتقادنا، فإن إمكانية التحكيم هاته لا يمكن أن تكون بمعزل عن مآل القرارات الإدارية وإمكانية الطعن فيها وذلك حتى لا يتحول التحكيم في النزاعات المالية المترتبة عن القرارات الإدارية جهة للتقاضى بسوء نية ووسيلة للأضرار بالمال العام.

فإذا كان القرار الإداري السلبى هو ذلك القرار الذي لا يتضمن القيام بأي إجراء تنفيذي فهو ينفذ بنفسه وينتج آثاره عند صدوره في الحال وهو بذلك لا يتقيد بأجل الستين يوما للطعن بالإلغاء على اعتبار أنه قرار مستمر في آثاره وأن الطعن فيه يظل مفتوحا طالما تستمر حالة الامتناع من جانب الادارة المصدرة له سواء كان قرارا صريحا أو قرارا ضمنيا بالرفض([13])، فالقرارات الإدارية الإيجابية هي تلك القرارات التي تفرض التزاما وتحمل أعباء للمعنى به وتكون بذلك قرارات إدارية إيجابية وتنفيذية وبالتالي فإن أجل الطعن فيها مقيد بالأجل المنصوص عليه في المادة 23 من القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية([14]) .

كما أن القرار الإداري المشروع والمحصن بمرور أجل 60 يوما على تاريخ إصداره لا يمكن للادارة سحبه ولا التراجع عنه لأنه يكون قد ولد مركزا قانونيا قارا وحقا مكتسبا لصاحبه تحت طائلة اعتبار قرار السحب خارجا عن إطار المشروعية ومتسما بالتالى بتجاوز السلطة لعيب مخالفة القانون وموجبا للإلغاء ([15]).

فإذا كانت تسوية الوضعية الفردية للموظفين في جانبها المالي قد تأخذ صورة النزاعات المالية المترتبة عن القرارات الإدارية وتكون بذلك نطاقا مشروعا للتحكيم، فإن ذلك رهين بمآل وآجال دعوى الإلغاء وهذا ما كان قد قرره المجلس الأعلى في أحد قراراته إذ جاء فيه “إذا كان المدعى حرا بين اختيار سلوك دعوى الإلغاء أو سلوك دعوى القضاء الشامل في مجال الوضعية الفردية، فإن ذلك لا يعنى أن يتجاوز الطاعن دعوى الإلغاء التى لها شروط ومواصفات محدودة ويلجأ إلى دعوى القضاء الشامل متى كانت الوضعية الفردية المطلوب تسويتها رهينة بالفصل في دعوى الإلغاء ذلك أن مراقبة مشروعية القرار الوزيري المذكور لم تعد ممكنة نظرا لتحصنه بفوات الأجل بعدما علم به المدعى علما يقينيا يتجلى في امتثاله إليه وسكوته هذا الوقت الطويل والحال أن أجل الطعن هو 60 يوما … ” ([16]).

فطلبات تسوية الوضعية تخضع بدورها لأجل الطعن متى كان من شأنها إلغاء قرارات تحصنت بفوات أجل الطعن فيها حسبما سار على ذلك عمل المجلس الأعلى وعملا بمبدأ استقرار الأوضاع والمراكز القانونية ([17]).

المبحث الثاني

التحكيم في العقود الإدارية

نظم الفصل 310 من القانون الجديد في فقرته الثالثة التحكيم في العقود الإدارية التي تكون الدولة والجماعات المحلية طرفا فيها فأجاز بذلك لجوء هاته الأشخاص إلى اتفاق التحكيم، اي إمكانية لجوء الدولة والجماعات المحلية إلى إبرام عقد التحكيم وكذلك إمكانية تضمين العقود الصادرة عنها لشرط التحكيم.

أما فيما يتعلق بعقود المقاولات العامة الخاضعة لقانون الشركات وكذلك عقود المؤسسات العامة فقد تم تنظيمها بموجب الفصل 311 من القانون الجديد.

المطلب الأول: التحكيم في العقود الإدارية للدولة والجماعات المحلية

نظم الفصل 310 من القانون الجديد في فقرته الثالثة التحكيم الداخلي في العقود الإدارية التي تكون الدولة والجماعات المحلية طرفا فيها، فأجاز بذلك لجوء هاته الأشخاص إلى اتفاق التحكيم ([18]) أي إمكانية لجوء الدولة والجماعات المحلية إلى إبرام عقد التحكيم، وكذلك إمكانية تضمين العقود الصادرة عنها لشرط التحكيم، غير أن المشرع المغربى لم يضع أي قيد أو شرط معين بهذا الخصوص إلا قيد وشرط ضرورة التقيد بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة أو الوصاية المنصوص عليهما في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.

المطلب الثاني: التحكيم في عقود المؤسسات والمقاولات العامة

تعتبر المؤسسات العامة([19]) شخص من أشخاص القانون العام، كما أن المؤسسة العامة هى أسلوب من أساليب إدارة المرافق العامة من قبل الأشخاص العامة والتى تتمتع بالشخصية المعنوية، ويكون لها قدر من الاستقلال اتجاه الشخص العام الذي ترتبط به برابطة الخضوع لرقابته الوصائية ([20])، مما يترتب عن ذلك بأنها تتقاضى وتتعاقد، وترفع الدعاوى، وترفع عليها ([21]).

انطلاقا من مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 311 ، فإنه من الملاحظ بأن المشرع المغربي قد ميز بين حالتين من حالات اتفاق التحكيم الخاص بالمؤسسات العامة، فالحالة الأولى هي حالة عقد التحكيم ([22]) ولقد ربطها المشرع بضرورة التقيد بالإجراءات والشروط المحددة من قبل مجالس إدارة المؤسسات العامة، في حين أن الحالة الثانية وهى حالة شرط التحكيم ([23])حيث اشترط المشرع المغربى أن يكون خضوع المؤسسة العامة للشرط التحكيمى متوقفا على ضرورة اللجوء إلى مداولة خاصة يجريها مجلس إدارة المؤسسة العامة المعنية.

وزيادة على ما ورد بالفصل 311 من شروط لإبرام المؤسسات العامة للتحكيم، فإن هذه الأخيرة ومادام أنها شخص من أشخاص القانون العام تخضع لرقابة مالية محددة قانونا.

أما فيما يتعلق بالتحكيم في عقود المقاولة العامة، فإن التطرق هنا للتحكيم في العقود الادارية التي يكون أحد طرفيها مقاولة عامة لا يعنى التسليم بأن جميع عقود المقاولات العامة هى عقود إدارية بطبيعتها، بل على العكس من ذلك، فإن هاته العقود، هى عقود خاضعة للقانون الخاص مبدئيا غير أنه وفي نفس الوقت، فإن عقود المقاولات العامة يمكن أن تندرج في بعض الأحيان تحت طائلة العقود الإدارية والسبب في ذلك هو عدم كفاية المعيار العضوي لتحديد طبيعة العقود الإدارية، هذا المعيار الذي أصبح يعيش أزمة حادة للعب دوره في تحديد طبيعة العقود الإدارية ([24]).

ولقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 311 ق. م. م. على أنه يجوز للمقاولات العامة الخاضعة لقانون الشركات التجارية أن تبرم اتفاقات تحكيم وفق الإجراءات والشروط المحددة من لدن مجالس إداراتها أو رقابتها أو أجهزة تسييرها.

وبقراءة الفقرة الأولى من الفصل 311 ق. م. م.، فإنه من الثابت أن المشرع المغربى قد أجاز للمقاولات العامة الخاضعة لقانون الشركات اللجوء إلى شرط التحكيم، كما أنه يمكنها إبرام عقد تحكيم وذلك وفقا لنفس الشروط وهي ضرورة التقيد باحترام الإجراءات والشروط المحددة من قبل مجالس إدارتها أو رقابتها أو أجهزة تسييرها ([25]).

فإن الفصل 310 قد استثنى اتفاق التحكيم الذي تبرمه الدولة والجماعات المحلية من البطلان المنصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل 317، في حالة عدم النص في شرط التحكيم إما على تعيين المحكم أو المحكمين وإما على طريقة تعيينهم.

ولقد نصت الفقرة الأخيرة من الفصل 310 على أن اختصاص النظر في طلب تذييل الحكم التحكيمي الصادر عقب اتفاق تحكيم أبرمته الدولة أو الجماعات المحلية يرجع إلى المحكمة الإدارية التى سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها، أو الى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمى يشمل مجموع التراب الوطني.

وبقرائتنا للمقتضيات المتعلقة بالتحكيم في العقود الادارية كما جائت بالقانون 08-05 يمكن الخروج بمجموعة من الملاحظات والافكار والتي نجملها فيما يلى:

استبعاد المعيار المادي وتعويضه بالمعيار العضوي

انطلاقا من مقتضيات الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية الملغى، فإن الأساس التشريعى للمنع من اللجوء إلى التحكيم فيما يتعلق بالعقود الإدارية كان هو المساس بالنظام العام، وذلك حينما اعتبر المشرع بأن التحكيم في العقود الخاضعة لأحكام القانون العام تندرج تحت طائلة المسائل التي تمس النظام العام.

وإذا كان المشرع المغربى لم يحدد مفهوم النظام العام، هذا المفهوم الذي آثار العديد من الإشكالات القانونية والقضائية على مستوى التطبيق في المواد الأخرى، فإنه لم يطرح أي إشكال فيما يتعلق بالعقود الإدارية مادام أن المشرع المغربى قد اعتبر أن النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية كأحد أوصاف المساس بالنظام العام.

وانطلاقا من أحكام الفصل 306 الملغى، فإن الملاحظ أن المشرع المغربي قد أخذ بالمعيار المادي كأساس لحظر التحكيم في العقود الإدارية دون الأخذ بالمعيار العضوي، وذلك على خلاف المشرع الفرنسي، مما يكون معه المشرع المغربي قد حافظ على نفس النهج الذي كان قد تبناه بموجب ظهير 1913/08/12.

عدم مسايرة ضرورة التمييز بين اختصاص القضاء الإداري والقضاء العادي

نصت الفقرة الأخيرة من الفصل 310على أن اختصاص النظر في طلب تذييل الحكم التحكيمى الصادر عقب اتفاق تحكيم أبرمته الدولة أو الجماعات المحلية يرجع إلى المحكمة الإدارية التى سيتم تنفيذ الحكم التحكيمى في دائرتها، أوالى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمى يشمل مجموع التراب الوطني.

وتقتضي الفقرة الأخيرة من الفصل 310 من القانون الجديد إبداء ملاحظتين:

  • الملاحظة الأولي: أن المشرع أخد بالمعيار العضوي واستبعد المعيار المادي في إسناد الاختصاص للقضاء الإداري لتذييل الحكم التحكيمى بالصيغة التنفيذية، ذلك أن الفصل 310 يتحدث عن عقود الدولة والجماعات المحلية، أي أن اختصاص القضاء الإداري يشمل العقود الإدارية وعقود الإدارة التى لها طابع القانون الخاص والمبرمة من قبل الدولة والجماعات المحلية.
  • الملاحظة الثانية: إن مقتضيات الفصل 310 تتعلق بالتحكيم الداخلي في العقود الإدارية، أما فيما يتعلق بالتحكيم الدولي في العقود الإدارية، فالملاحظ أن المشرع المغربي لم يميز العقد الإداري عن باقي العقود التجارية ولم يحدد أي قيد من القيود التي حددها بخصوص التحكيم الداخلي في العقود الإدارية، كما أنه أقصى القضاء الإداري من مجال تذييل الأحكام التحكيمية بالصيغة التنفيذية متى تعلق الأمر بالتحكيم الدولي، وأسند الأمر إلى القضاء التجاري وهذا ما هو واضح من مراجعة الفصل 327-39 وما بعده من القانون الجديد ([26]).

الإقرار بإمكانية اللجوء إلى شرط التحكيم لا يتلائم وطبيعة العقود الإدارية بالمغرب

كما سلف الذكر، فإنه وطبقا لمقتضيات الفصلين 310 و311 من القانون رقم 08-05، فإن المشرع المغربى قد ميز بين حالتين من حالات اتفاق التحكيم الخاص بالعقود الادارية، فالحالة الأولى هى حالة عقد التحكيم ([27]) في حين أن الحالة الثانية هى حالة شرط التحكيم ([28]).

وإذا كان عقد التحكيم يتماشى والطبيعة الخاصة للعقد الاداري مادام أن عقد التحكيم هو ذاك الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمي، فإن شرط التحكيم والذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التى قد تنشأ عن العقد المذكور لا ينسجم مع طبيعة العقد الاداري ويشكل خطورة على معظم أشخاص القانون العام، مادام أن هاته الأخيرة لا يمكنها معرفة حجم ونوع النزاع الذي ستكون مجبرة لعرضه على التحكيم ما دام أنها التزمت بشرط التحكيم.


[1] القانون رقم08-05 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-07-169 بتاريخ 19 ذى القعدة 1428 ( 30 نوفمبر 2007): ج .ر . عدد 5584 بتاريخ 25 ذو القعدة 1428 (6 ديسمبر2007).

[2] كان الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية ينص على ما يلي: “يمكن للأشخاص الذين يتمتعون بالأهلية أن يوافقوا على التحكيم في الحقوق التي يملكون التصرف فيها.  غير أنه لا يمكن الاتفاق عليه:

  • في الهبات والوصايا المتعلقة بالأطعمة الملابس والمساكن.
  • في المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم.
  • في المسائل التي تمس النظام العام وخاصة النزاعات المتعلقة:
  • بعقود وأموال خاضعة لنظام يحكمه القانون العام.
  • النزاعات المتصلة بتطبيق قانون جبائي.
  • النزاعات المتعلقة بقوانين تتعلق بتحديد الأثمان والتداول الجبري والصرف والتجارة الخارجية …”.

[3] ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1-74-447 بتاريخ 11 رمضان 1394 بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية (ج. ر. بتاريخ 13 رمضان 1394 – 30 شتنبر 1974.

[4] محمد يحيا، المغرب الاداري، مطبعة سبار طيل، الطبعة الثالثة،2006 ، ص. 366

[5] قرار الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى عدد 92 بتاريخ 1991/3/21 ، ملف إداري عدد 85/7083 .

[6] عبد العزيز عبد المنعم خليفة، التحكيم في المنازعات الادارية العقدية وغير العقدية: دراسة تحليلية تطبيقية، منشأة المعارف، الطبعة الأولى، 2011، ص. 195.

[7] أشرف محمد خليل حماد، التحكيم في المنازعات الإدارية وآثاره القانونية: دراسة مقارنة، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، الطبعة الاولى، 2010، ص.128.

[8] قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 430 بتاريخ 1991/10/31، ملف إداري عدد 90/10178.

[9] قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 39 بتاريخ 2007/1/31 ، ملف إداري عدد.5/06/18

[10] P. ANCEL, «Arbitrage et ordre public fiscal», Rev. arb. 2001, n° 2, p. 277 ; les «limites à 1’arbitrabilité s’expliquent parce qu’on est ici en présence de règles qui ne statuent pas sur des droits subjectifs, dont on pourrait ou non disposer, mais qui ont pour objet d’organiser les rapports de l’individu et de la collectivité».

[11] P. ANCEL, ibid., p. 273, «il existe, au sein de l’immense nébuleuse des règles d’ordre public, un noyau dur, un petit nombre de questions qui doivent être soustraites aux arbitres et réservées aux juridictions étatiques».

[12] الفصل 316 من القانون رقم 08-05الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-07-169 بتاريخ 19 ذي القعدة 1428 ( 30نوفمبر2007)، ج . ر.، عدد 5584 بتاريخ 25 ذو القعدة 1428 (6 ديسمبر 2007).

[13] قرار محكمة الاستئناف الادارية بالرباط عدد 703 بتاريخ 2008/5/28 ملف ادارى عدد5/07/171.

[14] قرار محكمة الاستئناف الادارية بالرباط عدد 610 بتاريخ 2008/5/7 ملف ادارى عدد 5/07/241.

[15] قرار محكمة الاستئناف الادارية بالرباط عدد 39 بتاريخ 2008/1/9 ملف ادارى عدد .5/07/135

[16] قرار الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى عدد 828 بتاريخ 2005/11/23 ملف ادارى عدد 2004/1/4/497.

[17] قرار الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى عدد 33 بتاريخ 2006/1/25 ملف ادارى عدد 2003/1/4/3240.

[18] عرف الفصل307 اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة، تعاقدية أو غير تعاقدية، يكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم أو شرط تحكيم.

[19] Michel Rousset, Jean Garagnon, Droit administratif, éd. La Porte, Rabat, 2003, p. 255 et 256.

[20] محمد الأعرج، طرق تدبير المرافق العامة بالمغرب، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة “مؤلفات وأعمال جامعية”، عدد52، الطبعة الأولى، 2004، ص . 49.

[21] أحمد بوعشيق، المرافق العامة الكبرى علي ضوء التحولات المعاصرة، دار النشر المغربية، الطبعة الثامنة،2004 ، ص. 164.

[22] عرف الفصل 314 من القانون رقم 08-05 عقد التحكيم بانه هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية، كما أنه يمكن إبرام العقد المذكور ولو خلال دعوى جارية أمام المحكمة.

[23] الفصل 316 من القانون رقم 08-05 عرف شرط التحكيم بأنه هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور.

[24] TC, 23 septembre 2002, Sociétés Sotrame et Metallorm c/GIE SESAM-Vitale : «Considérant que si le GIE Sesam-Vitale à le caractère d’une personne morale de droit privé, la décision à l’origine du litige qui l’oppose à la société Sotrame a été prise par lui dans le cadre de la mission qu’il assume au nom et pour le compte des caisses qui l’ont constitué (…), pour l’exécution même du service public administratif de mise en œuvre du système de saisie électronique des données de l’assurance maladie en vue duquel lui ont été conférés des droits exclusifs; que le litige né de cette décision relève par suite des juridictions administratives».

[25] طبقا للمادة 4 من القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى، فإن شركات الدولة التي تملك فيها الدولة أو جماعة محلية مساهمة مباشرة تخضع لمراقبة مواكبة يقوم بها الوزير المكلف بالمالية ومراقب الدولة وفقا لأحكام الباب الرابع من هذا القانون في حين أن شركات الدولة ذات المساهمة غير المباشرة والشركات التابعة العامة، يمكن أن تخضع شركات الدولة التي لا تملك فيها الدولة أو جماعة محلية مساهمة مباشرة وكذا الشركات التابعة العامة لمراقبة، بمقتضى اتفاقية يقوم بها مندوب للحكومة وفقا لأحكام الباب الخامس من هذا القانون وطبقا لما نصت عليه المادة 5 من القانون رقم 69.00.

[26] نظم القانون الجديد التحكيم الدولي من الفصل 327-39 إلى الفصل 327-54 وأفرد له أحكاما تختلف عن الإحكام المتعلقة بالتحكيم الداخلي سواء فيما يتعلق بالإجراءات أو المسطرة أو طرق الطعن.

[27] يراجع الفصل 314 من القانون رقم 08-05.

[28] يراجع الفصل 316 من القانون رقم 08-05.

الأكثر رواجًا