ميمون خراط

مدير مجلة العلوم القانونية والسياسية

مقدمة

تعد حرية التجمع والاجتماع من الحريات الأساسية التي ضمنتها القوانين الدولية، وكذا نص عليها ظهير الحريات العامة المغربي ([1]) والتي تعني بالأساس تشكيل تجمعات خاصة تمنح الإمكانية لمجموعة ما حق تبادل الآراء، والتعبير عن مواقف سياسية معينة، وإذا تم ذلك في مكان عام، فإن الأمر يتطلب رخصة من السلطات المختصة، وقد أكدت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان على ذلك حيث اعتبرت انه من واجب الدولة ضمان السير العادي لتظاهرة ما في الشارع وفي هذه الحالة فان تدخل الدولة مطلوب لمنع عرقلة ممارسة هذا الحق من طرف أشخاص قد يكونون مناوئين لهذه المظاهرة ([2]) في نفس السياق، فإن الدولة تملك سلطة تقديرية في عدم السماح لبعض المظاهرات التي يمكن أن تعرقل الممارسة الديمقراطية.

إن حرية التجمع والاجتماع لا يمكن حصرها في التجمعات بالشارع العمومي أو التجمهر فيه فقط، أوفي التنظيمات السياسية في حق الانتماء إلى أحزاب بل تعني أيضا حرية تشكيل جمعيات مدنية بالأساس.

ونظرا لما يشكله هذا الحق من أهمية في حياة الأفراد والمجتمعات فقد عرف عدة أوجه من الحماية منها هو قانوني (المطلب الأول) ومنها ما هو قضائي (المطلب الثاني).

المطلب الأول:

الإطار القانوني لحماية حرية التجمع والاجتماع

نظرا لأهمية حماية حرية التجمع والاجتماع فقد كانت محل تقنين على مستوى القانون الدولي (الفقرة الأولى )، وكذا النصوص القانونية الوطنية (الفقرة الثانية ) إذ لا مجال للحديث على حماية حرية التجمع والاجتماع دون ضمان قانوني لهذه الحماية. ودون ضمان تطبيق قاعدة سمو الاتفاقيات الدولية وخاصة تلك المصادق عليها في القانون الداخلي.

الفقرة الأولى : حرية التجمع والاجتماع في القانون الدولي

سنتناول في هذه الفقرة العديد من المواثيق الدولية:

أولا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

نصت المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات السلمية ولا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما”

ولقد تأكد ضمان هذه الحرية في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة 21 حيث نصت بدورها أنه “يعترف بالحق في التجمع السلمي ولا يجوز وضع القيود على ممارسة هذا الحق غير ما يفرض منها تماشيا مع القانون والتي تستوجبها في مجتمع ديمقراطي، مصلحة الأمن الوطني، أو السلامة العامة أو النظام العام، أو حماية الصحة العامة أو الأخلاق أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم”

بدورها الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق السياسية للمرأة ([3])، أكدت على تمتع المرأة إلى جانب الرجل وبتساوي في الحقوق السياسية وفي ممارستها ومن بينها حرية التجمع والاجتماع كما نصت على ذلك المواثيق الدولية.

ثانيا: الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان

لكل إنسان الحق في حرية الاجتماعات السلمية، وحرية تكوين الجمعيات مع آخرين بما في ذلك حق الاشتراك في الاتحادات التجارية لحماية مصالحه، لا تخضع ممارسة هذه الحقوق لقيود أخرى غير تلك المحددة في القانون حسبما تقتضي الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصالح الأمن القومي، وسلامة الجماهير، وحفظ النظام ومنع الجريمة وحماية الصحة والآداب، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تمنع هذه المادة من فرض قيود قانونية على ممارسة رجال القوات المسلحة أو الشرطة أو الإدارة في الدولة لهذه الحقوق ([4]).

ثالثا: الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان

حق الاجتماع السلمي بدون سلاح هو حق معترف به ولا يجوز فرض قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك المفروضة طبقا للقانون والتي تشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي لمصلحة الآمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو لحماية الصحة العامة أو الأخلاق العامة أو حقوق الآخرين أو حرياتهم([5]).

  1. لكل شخص حق التجمع وتكوين جمعيات مع آخرين بحرية لغايات إيديولوجية أو دينية أو سياسية أو اقتصادية أو عمالية أو اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو سواها،
  2. لا تخضع ممارسة هذا الحق إلا لتلك القيود المفروضة قانونا والتي تشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي لمصلحة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو لحماية الصحة العامة أو الأخلاق العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم،
  3. لا تحول أحكام هذه المادة دون فرض قيود قانونية بما فيها حتى الحرمان من ممارسة حق التجمع على أفراد القوات المسلحة والشرطة ([6]).

رابعا: الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب

المادة 10:

  1. يحق لكل إنسان أن يكون بحرية جمعيات مع آخرين شريطة أن يلتزم بالأحكام التي حددها القانون.
  2. لا يجوز إرغام أي شخص على الانضمام إلى أي جمعية على ألا يتعارض ذلك مع الالتزام بمبدأ التضامن المنصوص عليه في هذا الميثاق.

المادة 11:

يحق لكل إنسان أن يجتمع بحرية مع آخرين ولا يحدد ممارسة هذا الحق إلا شرط واحد ألا وهو القيود الضرورية التي تحددها القوانين واللوائح خاصة ما تعلق منها بمصلحة الأمن القومي وسلامة وصحة وأخلاق الآخرين أو حقوق الأشخاص وحرياتهم.

خامسا: الميثاق العربي لحقوق الإنسان ([7])

لكل مواطن الحق في…5 -حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين والانضمام إليها 6 -حرية الاجتماع وحرية التجمع بصورة سلمية 7 -لا يجوز تقييد ممارسة هذه الحقوق بأي قيود غير القيود المفروضة طبقا للقانون والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان لصيانة الأمن الوطني أو النظام العام أو السلامة العامة أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم ([8]).

سادسا: الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين ([9])

تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها بصدد الجمعيات غير السياسية وغير المستهدفة للربح والنقابات المهنية أفضل معاملة ممكنة تمنح في نفس الظروف لمواطني بلد أجنبي ([10]).

تعترف الدول الأطراف بحقوق الطفل في حرية تكوين الجمعيات وفى حرية الاجتماع السلمي.

الفقرة الثانية : حرية التجمع والاجتماع ، في القانون المغربي

ينص الدستور المغربي في فصله الثاني عشر على أنه: “تؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون.

لا يمكن حل هذه الجمعيات والمنظمات أو توقيفها من لدن السلطات العمومية إلا بمقتضى مقرر قضائي.

تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية في اطار الديموقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة طبق شروط وكيفيات يحددها القانون

يجب أن يكون تنظيم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وتسيرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية “.

كما نص الفصل 29 من الدستور على أن “حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي مضمونة ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات “

يضمن الدستور لجميع المواطنين، حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم، ولا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون “.

أولا: تأسيس الجمعيات بصفة عامة

يعرف الفصل الأول من الظهير المنظم للجمعيات “أن الجمعية هي اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم “.

وتجري عليها فيما يرجع لصحتها القواعد القانونية العامة المطبقة على العقود والالتزامات ويجوز تأسيس جمعيات الأشخاص بكل حرية ودون سابق إذن بشرط أن تراعى في ذلك مقتضيات الفصل الخامس.

وينص الفصل الخامس يجب أن تقدم كل جمعية سابق تصريح إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الذي يوجد فيها مقرها ويسلم وصل مؤقت لكل جمعية تقدمت سابق تصريح ثم وصل نهائي داخل أجل أقصاه 60 يوما.

وفي حالة تجاوز هذا الأجل يمكن للجمعية أن تزاول نشاطها طبقا لأهدافها المسطرة في قانونها الأساسي.

ويتضمن التصريح الذي تقدمه الجمعية إلى السلطة المحلية:

-اسم الجمعية وهدفها،

-الأسماء العائلية والأسماء الشخصية الجنسية والسن وتاريخ ومحل الازدياد، والمهنة ومحل السكنى لأعضاء المكتب المسير،

-الصفة التي يتمتع بها أعضاء المكتب المسير لتمثيل الجمعية،

-نسخة من بطاقة التعريف الوطنية وبالنسبة للأجانب نسخة من بطاقة الإقامة ونسخة من السجل العدلي،

-مقر الجمعية،

-عدد ومقار ما أحدثته الجمعية من فروع ومؤسسات تابعة لها أو منفصلة عنها تعمل تحت إداراتها أو تربطها علائق مستمرة وترمي إلى القيام بعمل مشترك.

وتضاف إلى التصريح القوانين الأساسية وتقدم نظائر عن هذه الوثائق إلى مقر السلطة الإدارية المحلية التي توجه واحدة منها إلى الأمانة العامة للحكومة.

وطبقا للفصل السابق من قانون الحريات الجديدة ” تختص المحكمة الابتدائية بالنظر في طلب تمريح ببطلان الجمعية المنصوص عليه في الفصل الثالث، كما تختص في طلب حل الجمعية إذا كانت في وضعية مخالفة للقانون وذلك سواء بطلب من كل من يعنيه الأمر أو بمبادرة من النيابة العامة “.

ويعاقب بغرامة تتراوح بين 1200 و5000 درهم الأشخاص الذين يقومون بعد تأسيس الجمعية دون مراعاة الإجراءات المقررة في القانون كما يعاقب بحبس تتراوح مدته بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة تتراوح بين 1000و 2000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تمادى في ممارسة أعمال الجمعية أو أعاد تأسيسها بصفة غير قانونية بعد صدور حكم بحلها.

فيما يخص الاعتراف للجمعيات بصفة المنفعة العامة يفترض الفصل 9 أن يعترف للجمعية بصفة المنفعة العامة بمقتضى مرسوم بعد أن تقدم طلبا في الموضوع وتجري السلطة الإدارية بحثا في شأن غاياتها ووسائل عملها. ويجب أن يتم الرد عليه بالإيجاب أو الرفض معللا في مدة لا تتعدى 6 أشهر.

ويجب على الجمعيات المتمتعة بصفة المنفعة العامة أن تمسك محاسبة تعكس صورة صادقة عن ذمتها ووضعيتها المالية ونتائجها إلخ.

ويتعين عليها أن ترفع تقريرا سنويا إلى الأمانة العامة للحكومة يتضمن أوجه استعمال الموارد التي حصلت عليها خلال سنة مدنية ويجب أن يكون هذا التقرير مصادقا عليه من لدن خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين.

وفي حالة مخالفة الجمعية لالتزاماتها القانونية أو الواردة في قانونها الأساسي، يمكن أن يسحب منها الاعتراف بصفة المنفعة العامة بعد إنذارها لتسوية وضعيتها المحاسبية داخل أجل ثلاثة أشهر.

يمكن أن ينص في المرسوم المعترف بصفة المنفعة العامة أنه يجوز للجمعية أن تقوم مرة كل سنة دون إذن مسبق بالتماس الإحسان العمومي أو أية وسيلة أخرى مرخص بها تدر المداخل غير أنه يجب عليها التصريح بذلك لدى الأمين العام للحكومة 15 عشر يوما على الأقل قبل تاريخ التظاهرة المزمع القيام بها، الخ..

طبقا للفصل 36 كل جمعية تقوم بالنشاط المقرر في قوانينها الأساسية يمكن حلها طبق الإجراءات المنصوص عليها في قانون الحريات العامة ويعاقب مسيروا الجمعية بغرامة تتراوح بين 1200 و5000 درهم وذلك بصرف النظر عن العقوبات المقررة في التشريع الجنائي.

كل جمعية تؤسس لغاية أو لهدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة أو قد تهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي أو تدعو إلى كافة أشكال التمييز تكون باطلة.

يجب أن تقدم كل جمعية تصريحا إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي يسلم عنه وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال وتوجه السلطة المحلية المذكورة إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور وكذا نسخا من الوثائق المرفقة به.

وعند استيفاء التصريح للإجراءات المنصوص عليها يسلم الوصل النهائي وجوبا داخل آجال أقصاه 60 يوما وفي حالة عدم تسليمه داخل هذا الآجال جاز للجمعية أن تمارس نشاطها وفق الأهداف المسطرة في قوانينها.

وطبقا للفصل20 يعاقب بغرامة تتراوح بين 1200 و10000 درهم للأشخاص الذين ينخرطون في حزب سياسي أو جمعية ذات صبغة سياسية أو يقبلون عن قصد انخراط أشخاص لم تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في قانون الحريات العامة.

وتطبيق نفس العقوبات على الأشخاص الذين يدفعون أو يقبلون إعانات مالية دون مراعاة مقتضيات قانون الحريات العامة.

ويعاقب بحبس لمدة تتراوح بين سنة و5 سنوات وبغرامة تتراوح بين 10000 و50000 درهم كل من يتلقى أموال من بلد أجنبي قصد تأسيس أو تسيير حزب سياسي أو جمعية ذات صبغة سياسية.

يباشر عند الحل التلقائي للجمعية نقل أموالها وفق ما تقرره قوانينها الأساسية أو طبق ما يتقرر في الجمع العام في حالة عدم وجود قواعد في القوانين الأساسية، وإذا وقع حل الجمعية بمقتضى حكم قضائي، حدد هذا الحكم كيفية التصفية وفقا أو خلافا للمقتضيات الواردة في القوانين الأساسية.

ثانيا: التجمعات العمومية

كان المغرب قبل سنة 1994 يتوفر على نصين ينظمان التجمعات العمومية، فهناك من جهة ظهير 1958 المجمع في المدونة والذي يحدد مجموع القواعد المنظمة لهذه المادة ويعين عقوبتها، ومن جهة أخرى الظهير الصادر سنة 1935 الذي يكمل ظهير 1958 حول الحريات العامة في ميدان “المظاهرات العامة المخالفة للنظام العام “.

إن ظهير 1935 حول ” المظاهرات العامة المخالفة للنظام العام ” كان موضوع انتقادات عنيفة من طرف المعارضة آنذاك التي طالبت منذ الاستقلال بإلغائه، وقدمت المعارضة في شأن هذا الظهير مقترح قانون يرمي إلى إلغائه ([11]) وفي سنة 1994 وبعد أخذ ورد وبأمر من الملك الراحل تم إلغاء الظهير المدون والمنافي للحريات العامة وحقوق الإنسان ويتوفر المغرب على قانون جديد ينظم ممارسة الحريات العامة ويتعلق الأمر بظهير 2002 حول الحريات العامة ([12]).

وفيما يخص الاجتماع العمومي يجب أن يكون مسبوقا بتصريح يبين اليوم والساعة والمكان الذي سيعقد فيه الاجتماع ويوضح في التصريح موضوع الاجتماع ويوقع عليه ثلاثة أشخاص يقطنون في العمالة أو الإقليم الذي ينعقد فيه ويتضمن أسماء الموقعين وصفاتهم وعناوينهم ونسخة مصادق عليها لكل بطاقة من بطائق تعريفهم الوطنية.

وينص الفصل الأول من ظهير التجمعات العمومية على أن: “الاجتماعات العمومية حرة، ويعتبر اجتماعا عموميا كل جمع مؤقت مدبر مباح للعموم وتدرج خلاله مسائل مدرجة في جدول أعمال محددة من قبل “.

يعاقب عن كل مخالفة لمقتضيات هذا الكتاب بغرامة تتراوح بين 2000 و 5000 درهم وفي حالة العود يعاقب المخالف بحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وشهرين وبغرامة تتراوح بين 2000 و 10000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ويعاقب بغرامة تتراوح بين 1200 و5000 درهم وبحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وثلاثة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من يحمل أسلحة ظاهرة أو خفية أو أدوات خطيرة على الأمن العمومي وذلك بصرف النظر عن العقوبات المقررة في القانون الجنائي أوفي المقتضيات المتعلقة بالزجر عن المخالفات للتشريع الخاص بالأسلحة والعتاد والأدوات المنفجرة.

ثالثا: المظاهرات بالطرق العمومية

حسب الفصل11 تخضع لوجوب تصريح سابق جميع المواكب والاستعراضات وبصفة عامة جميع المظاهرات بالطرق العمومية بيد أنه يعفى من هذا التصريح الخروج إلى الشوارع العمومية طبقا للعوائد المحلية.

يسلم التصريح إلى السلطة الإدارية المحلية في ظرف ثلاث أيام كاملة على الأقل وخمسة عشر يوما كاملة على الأكثر قبل تاريخ المظاهرة وتسلم هذه السلطة في الحال وصلا مختوما بإيداع التصريح.

إذا ارتأت السلطة الإدارية المحلية أن من شأن المظاهرة المزمع القيام بها الإخلال بالأمن العام فإنها تمنعها بقرار مكتوب يبلغ إلى الموقعين على التصريح بمحل سكناهم.

رابعا: في التجمهر

يمنع كل تجمهر مسلح في الطريق العمومية ويمنع كذلك في هذه الطريق كل تجمهر غير مسلح قد يخل بالأمن العمومي.

يعتبر التجمهر تجمهرا مسلحا في الأحوال التالية:

-اذا كان عدد من الأشخاص المكون منهم هذا التجمهر حاملا لأسلحة ظاهرة أو خفية كأداة أو أشياء خطيرة على الأمن العمومي،

-اذا كان أحد هؤلاء الأشخاص يحمل أسلحة أو أداة خطيرة ولم يقع إقصاءه حالا من طرف المتجمهرين أنفسهم،

-اذا وقع تجمهر مسلح في الطريق العمومية يمكن تفريقه بواسطة مكبر للصوت ثم بتوجيه الأمر للمتجمهرين بفض التجمهر والانصراف، ويتلو العقوبات المنصوص عليها في الفصل 20 من هذا القانون اذا لم تقع الاستجابة للإنذار الأول وجب على العون المذكور أن يوجه إنذارا ثانيا وثالثا بنفس الكيفية، ويختمه بعبارة ” إننا سنعمل على تفريق التجمهر بالقوة ” وفي حالة إبداء امتناع يقع تفريق المتجمهرين بالقوة.

يعاقب كل من شارك في تجمهر مسلح كما يلي:

أولا: اذا انفض التجمهر بعد توجيه إنذار له ودون استعمال أسلحة تكون العقوبة بالحبس لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنة،

ثانيا: اذا وقع التجمهر ليلا تكون العقوبة بالحبس لمدة تتراوح بين سنة وسنتين،

ثالثا: اذا لم يتم تفريق التجمهر إلا بالقوة أو بعد استعمال الأسلحة من قبل المتجمهرين تكون العقوبة بالسجن لمدة أقصاها خمس سنوات.

المطلب الثاني :

حماية التجمع والاجتماع من خلال أحكام القضاء الإداري

إن ضمان سلامة ممارسة حرية التجمع أو الاجتماع تقع على عاتق عدة جهات سواء من طرف المواطنين أو السلطات وإذا ما وقع نزاع من اختصاص القضاء الإداري فإن دوره يصبح جسيما إذ يقوم بدور الحكم الذي يجب أن يتمتع بكامل الاستقلالية في إصدار أحكامه أو قراراته التي غالبا ما تترك أثرها على الرأي العام وعلى المعنيين بها بوجه خاص.

تعد دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة ضمانة أساسية لممارسة حق التجمع أو الاجتماع، ذلك أنه كلما تم منع ممارستها إلا ويصبح من حق المتضرر اللجوء إلى القضاء الإداري حالة اختصاصه للطعن بإلغاء القرارات الإدارية غير المشروعة.

الفقرة الأولى : حول حرية التجمع

“إن حرية التجمع حق أصيل للأفراد محفوظ بقوة القانون، ولا يستوجب الحصول على ترخيص من الإدارة أو إذن مسبق “([13]). لكن وكما سبق القول فإن الأمر يستوجب توجيه تصريح إلى السلطة المحلية تسلم عنه هذه الأخيرة وصلا، لكن المشكل الذي يقع هو أن السلطة المحلية في حالات معينة إما أنها تمنع التجمع بإصدار قرار شفوي أو كتابي، أو أنها تمتنع عن تسليم الوصل.

وفي الحالتين معا فإن من حق المتضرر أو المتضررين اللجوء إلى القضاء الإداري للطعن بالإلغاء بسبب تجاوز السلطة، اذ جاء في حكم المحكمة الإدارية بالرباط أنه: “…. لئن كان الطاعنان لم يتوصلا بالوصل الذي يثبت تاريخ التصريح وساعته، فإن القرار المطعون فيه ما دام قد أشار إلى وجود هذا التصريح فإنه يتعين اعتبار القرار المذكور بمثابة وصل، وبالتالي يكون من حق الطاعنين عقد مؤتمرهم طبقا لمقتضيات الفصل الثاني من ظهير 1958/11/15 بشأن التجمعات العمومية الذي لا يشترط أي إذن سابق لعقد مثل هذا التجمع ” ([14]).

ومن المهم الإشارة إلى أن منع عقد تجمع عمومي دون تعليل يستوجب مسؤولية السلطة المصدرة لقرار المنع وهذا ما جاء في حكم المحكمة الإدارية بالرباط حيث جاء فيه “… إن عدم تبرير منع الترخيص بعقد التجمع الذي هو حق مضمون بمقتضى الدستور يعد خطأ يخول المتضرر منه حق مطالبة المسؤول عن الخطأ بالتعويض عن الضرر المعنوي الناتج عنه “.

وإذا كانت بعض المحاكم قد قبلت الطعن في قرار رفض تسليم التصريح فإن المحكمة الإدارية بوجدة اعتبرت أن: “… توجيه تصريح إلى السلطة المحلية وتعذر الحصول على الوصل دون صدور قرار صريح يمنع عقد الاجتماع، لا يعتبر قرارا إداريا مؤثرا في المركز القانوني للطاعنين مادام بإمكانهما استدراك ذلك طبقا لمقتضيات الفصل 3 من ظهير 1958/ 11/ 15 المتعلق بقانون التجمعات بتوجيه تصريح بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل إلى السلطة المحلية وعقد الاجتماع بعد ذلك طبقا للقانون “.([15])

“حيث يستفاد من المقال أن المدعية تقدمت… بطلب في نطاق قوانين الحريات العامة إلى الخليفة الأول لعامل عمالة…. يرمي إلى الترخيص لها بتنظيم نشاط حزبي جماهيري بإلقاء عرض موضوع ” المسألة الديمقراطية بالمغرب “… علما أن المدعية المذكورة سبق لها أن تقدمت بطلب مؤرخ… إلى السيد رئيس المجلس البلدي للمدينة قصد الترخيص لها… وأن السيد رئيس المجلس البلدي استجاب لطلبها إلا أنه بالتاريخ المحدد لإلقاء العرض لم يستجب السيد الخليفة الأول لطلب الترخيص مما سبب للمدعية ضررا معنويا يتجلى في حرمانها من ممارسة حقها في نشاط حزبي مشروع يضمنه الدستور وخاصة في مادته التاسعة ومن جهة أخرى فإن ما فعله المدعى عليه المذكور يمس بمبادئ حقوق الإنسان التي نص عليها الدستور في ديباجته كما انه يخالف المقتضيات المنصوص عليها في المادتين 19 و20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على ” أن لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الاجتماعات ” كما يخالف أيضا مقتضيات المادتين 19 و21 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي صادقت عليها المملكة المغربية.

وحيث أجاب المدعى عليه الخليفة الأول لعامل العمالة… ملاحظا بأنه لا يوجد بالملف ما يفيد منع المدعية أو حرمانها من ممارسة حقها وبالتالي ليس هناك إثبات لأي ضرر كيفما كان أو حرمانها من أي فرصة يمكن القول معها بأن هناك ضرر ومن جهة أخرى فإن واضع الطلب استدعى للحضور فتبين أنه غير موجود بمدينة….، وإنما كان يتواجد خارج الوطن، لذا فإنه نظرا لعدم وجوده ونظرا للظروف السياسية التي تحتم تحديد المسؤولية ونظرا لأن الوقت كان وقت الحملة الانتخابية وأن الأمر يتطلب توفير الأمن الشيء الذي يعطي السيد عامل الإقليم عدة صلاحيات للسهر على الأمن العام وبالتالي المنع أو الترخيص والتأكد من السهر على سلامة المنظمين للتجمع والجمهور، لذا فهو يؤكد أن الكاتب الإقليمي للمدعية لم يقم بالإجراءات الضرورية وليس هناك أي منع لأي تجمع حزبي ولأجل كل ما ذكر فهو يلتمس الحكم برفض الطلب.

وحيث إنه بعد دراسة المحكمة لكافة معطيات القضية تبين أن الطلب أسس على وسيلة واحدة وهي عدم ارتكاز رفض الترخيص المشار إليه أعلاه على أسس قانونية أو واقعية.

وحيث إنه فيما يخص باقي التبريرات فإنها قد جاءت مقتصرة على مجرد عموميات إذ لم يبين المدعى عليه المذكور السبب الرئيسي في منع الترخيص بالتجمع وما هو الخطر الذي يشكله وما دام الأمر كذلك فإن الخطأ الناتج عن هذا التقصير هو خطأ مصلحي وليس شخصي، لذا تبقى الدولة المغربية في شخص السيد الوزير الأول هي المسؤولة عنه.

وحيث إن هذا الخطأ قد ترتب عنه ضرر معنوي للمدعية يتجلى في حرمانها من ممارسة حقها في عقد التجمع والتعبير عن رأيها وهو حق مضمون بمقتضى الدستور.

وحيث إنه أمام هذه المعطيات يكون طلب التعويض له ما يبرره ويتعين الاستجابة إليه…. وحكمت المحكمة الإدارية بأداء الدولة في شخص السيد الوزير الأول تعويضا معنويا قدره درهم رمزي لفائدة المدعية ([16]).

وحيث إن حرية الاجتماع تتفرع عن حرية الأفراد في الرأي والتنقل ولا يتسنى للأفراد بدون هذه الحرية تبادل أفكارهم فيما بينهم من مسائل تهمهم أو تهم الجماعة وهي تعني (حرية الاجتماع ) حق الأفراد من أن يجتمعوا في مكان ما فترة من الوقت ليعبروا عن آرائهم سواء في صورة خطب أو ندوات أو محاضرات أو مناقشات وتثبيتا لحقوق الإنسان وتعميما مبادئ الممارسة الديمقراطية، فإن المواثيق والدساتير تعترف بهذا الحق.

وحيث لئن كان حق الاجتماع ليس منحة من الإدارة تمنعها أو تمنحها، كما تشاء بل هو حق أصيل للمواطنين ولهذا فهو لا يقتضي طلبا من قبل المعنيين به ولا يلزم لنشوئه صدور قرار للإدارة بالترخيص به، وإنما هو مستمد من القانون وهذا ما نص عليه ظهير 1958/11/ 15 المتعلق بالتجمعات العمومية… لذلك فهي لا تحتاج إلى ترخيص.

وإذا لم يتمكن المصرحون من الحصول على الوصل المذكور فيرسل التصريح إلى السلطة المختصة برسالة مضمونة ويجب ألا ينعقد الاجتماع إلا بعد مرور أجل لا يقل عن أربع وعشرين ساعة من تاريخ تسليم الوصل أو 48 ساعة من تاريخ توجيه الرسالة المضمونة. ([17])

وهكذا يتضح أن القضاء الإداري المغربي يساهم في حماية ممارسة حرية التجمع بالرغم من أن دوره يأتي أحيانا بعد فوات مواعد مهمة أو لقاءات يكون للزمن أهميته فيها لكن مع ذلك تبقى القيمة الأساسية لتكريس حماية الحريات، وللمطالبة برفع دعوى تعويض عن الأضرار الحاصلة نتيجة قرارات المنع غير المحترمة لمبدأ المشروعية الإدارية.

الفقرة الثانية : حول حرية الاجتماع

لقد عمل القضاء الإداري المغربي على تكريس حماية حرية الاجتماع، ويتضح ذلك جليا من خلال دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بتأسيس الجمعيات وذلك إيمانا منه بأن “العدالة لا تكمن فقط في القانون وإنما أيضا في مدى ملائمة هذا القانون لتحقيق العدالة ” وفي هذا الصدد قضت المحكمة الإدارية بأكادير بأن: “تأسيس الجمعيات في القانون المغربي يقوم على نظام تصريح غير خاضع لأي ترخيص مسبق، والإدارة ملزمة بحكم القانون بتسليم وصل الإيداع ويختص القضاء وحده بمراقبة المشروعية أو الملائمة لنشاط الجمعية “.

إن مراقبة ملائمة ومشروعية نشاط جمعية ما لا يمكن أن يتخذ من طرف السلطة المحلية كذريعة لرفض تسلم الوصل وهذا ما أكدته أيضا المحكمة الإدارية بمراكش عندما صرحت بأنه: “لا يحق للسلطة المحلية رفض تسليم وصل الإيداع المتعلق بتأسيس الجمعيات، القضاء وحده هو المختص بمراقبة المشروعية ومدى احترام الجمعيات للقانون والتزامها به “([18]).

ولقد أكدت المحكمة الإدارية بالرباط هذا المقتضى فيما يخص رفض السلطة المحلية تسليم الوصل المتعلق بإيداع تغييرات متعلقة بجمعية حيث أكدت بدورها أن: “رفض السلطة الإدارية تسليم وصل بإيداع تغييرات متعلقة بجمعية مؤسسة في إطار ظهير 1958/11/15 بعلة وجود نزاع بين أعضائها حول تأسيس المكتب الجديد يعتبر قرار مخالفا لمقتضيات الفصل 5 من الظهير المذكور ويتعين إلغاؤه لعدم مشروعيته “([19]).

إن مختلف الأحكام السابقة والتي تم الاستدلال بها على سبيل المثال منسجمة مع قرار مهم للمجلس الأعلى غير أنها لم تصل درجته من حيث القوة حيث اعتبر بأن حل جمعية يعتبر اعتداء على الاختصاص الأصيل للقضاء، مؤكدا منذ السنوات الأولى لإنشائه أنه: “… ليس هناك أي نص تشريعي يمنح لوزير الفلاحة ولا لأية سلطة إدارية صلاحية الأمر بحل شركة فروسية باعتبارها جمعية خاضعة لنظام نفس الظهير.

يكون وزير الفلاحة قد تعدى على الصلاحيات المحفوظة للمحاكم لما أمر بحل جمعية للفروسية وبالنظر إلى خطورة مثل هذا المساس باختصاص السلطة القضائية فإنه يجعل اعتبار القرار المطعون فيه كأنه عمل باطل وكأنه لم يكن ” ([20]).

إن تصريح المجلس الأعلى يكون القرار المطعون فيه عمل باطل وكأنه لم يكن يجعل دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة غير مقيدة بأي أجل، وبالتالي يمكن تعرضه للإلغاء في أي وقت غير أن ما يمكن ملاحظته هو أن التصريح ببطلان القرارات الإدارية أو إعدامها لم يرسخ بعد في القضاء الإداري المغربي، وإن كانت النتيجة واحدة إذا ما تم احترام أجل رفع دعوى الإلغاء.

كما أن الطاعن أو المواطن بصفة عامة لا يدقق في مثل هذه الأمور إذ أن كل ما يهمه هو إلغاء القرار المطعون فيه، خاصة وأن تصوره لحرية الاجتماع ودور القضاء الإداري في حمايتها لم يواز مجهودات هذا الأخير.

جاء في احدى القرارات المؤسسة الصادرة عن القضاء الإداري المغربي في هذا الموضوع “حيث يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء قرار السلطة المحلية برفض تسلم ملف تجديد مكتب جمعية…

وحيث إن مثل هذا القرار يعتبر قرارا سلبيا مستمرا ما دام أن الفصل 5 من ظهير 1958/11/15 الخاص بتأسيس الجمعيات يجعل من تقديم التصريح إلى السلطة المحلية إجراء إلزاميا، قبل ممارسة أي نشاط لهذه الجمعية تحت طائلة العقاب المنصوص عليه في الفصل 8 من الظهير المذكور.

وحيث إن القرارات السلبية المستمرة لا تتقيد بمواعيد الطعن، إذ أن مثل هذه القرارات لا ينتهي أثرها بانتهاء يوم معين وإنما يظل ساري المفعول إلى أن ينتهي القرار نفسه وتزول عنه قوته القانونية بعمل إداري أو تشريعي أو قضائي سيما ما استقر عليه الفقه والقضاء المقارن.

… وحتى على فرض أن المطالبين بعقد جمع عام استثنائي لتجديد مكتب الجمعية تقدموا بطلبين في هذا الموضوع، فإنه كان يتعين على الإدارة أن تتسلم منهم الطلبين وتقرر فيهما ما تراه مناسبا، وذلك بأن تفصح عن إرادتها بشكل صريح وأن موقفها السلبي تجاه الطلبين المذكورين يعتبر قرارا إداريا سلبيا بالرفض”([21]).

وفي قرار آخر ذهب القاضي الإداري فيه بالقول “وحيث إن دور السلطة المحلية بشأن تأسيس الجمعيات يقتصر على تسليم وصل الإيداع الوارد في الفصل الخامس المذكور أعلاه، ولا يحق لها أن ترفض تسليم هذا الوصل بدعوى خرق أي مقتضى قانوني ذلك لأن القضاء طبقا للفصل السابع من ظهير تأسيس الجمعيات المشار إليه أعلاه هو الذي يقرر حل الجمعية وإعلان حالة البطلان والأمر بإغلاق الأماكن ومنع كل اجتماع لأعضاء الجمعية كما يمكن كذلك بمرسوم وقف الجمعية لمدة معينة أوحلها، وحيث أن القرار المطعون فيه برفضه إيداع الملف التأسيسي للجمعية يكون متسما بالتجاوز في استعمال السلطة لمخالفته القانون (ظهير تأسيس الجمعيات ) من جهة ولكونه مشوبا بعيب عدم الاختصاص من جهة أخرى مما يعرضه بالتالي للإلغاء” ([22]).

وفي احدى القرارات الجريئة نحى القاضي الإداري فيه “حيث أن الطعن يهدف إلى إلغاء قرار السلطة المحلية برفض تسليم وصل التصريح بإحداث مقر لجمعية ثقافية مؤسسة طبقا للقانون.

وحيث أن مقتضى نظام التصريح هذا، أن تأسيس الجمعيات كما هو الشأن فيما يرجع لنشاطها عموما، غير مشروط بأية موافقة أو إذن من السلطة التي لا تملك إلا مراقبة بعدية عن طريق عرض أي تغيير تراه مخالفا للقانون يرجع للقضاء المختص وحده بمراقبة مشروعية هذا التغيير.

وحيث إن السلطة الإدارية حين تتضرع بعدم ملائمة المحل من الناحية الأمنية لحجز وصل التصريح تكون قد أخضعت التصريح لمراقبة قبلية تتنافى مع نظام التصريح كمبدأ عام يكرسه ظهير الحريات العامة فضلا عن تجاوزها لاختصاصها وتصرفها في مجال اختصاص القضاء الذي يملك وحده صلاحية إغلاق مقر الجمعية لهذا السبب أو ذاك.

حيث إنه على أي حال فإن تسليم الوصل هو إجراء ملزم للإدارة مقابل التصريح الموضع لديها ما دام أنها لا تنفي واقع التصريح بموجب الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة نفسها وتسليم وصلين عن كل تصريح أو إبداع والتزام الإدارة هنا التزام مقيد لا تملك إزائه أية صلاحيات تقديرية كما تدل على ذلك صيغة المضارع المبني للمجهول (يسلم) إذ أن تسليم الوصل لا يعدو أن يكون إشهادا بحصول التصريح أو الإبداع هذا الإشهاد الذي لا تملك الإدارة أن تحجزه دون أن تخل بهذا الالتزام القانوني.

وحيث إن الامتناع عن تسليم الوصل والحالة هذه لا يستند إلى أي مبرر واقعي أو قانوني مما يجعل قرار المنع مشوبا بالشطط في استعمال السلطة الذي يقتضي إلغاءه مع ما يترتب عنه قانونا”. ([23])

“إن تأسيس الجمعية تحت الرئاسة الشرفية لوزير الفلاحة ورئاسة الشرفية للدورة العادية السنوية للمجلس الوطني وما تتوصل به الجمعية من الإدارة من مساعدات لا يبرر التدخل في انتخاباتها ولا الحلول محل أعضاء أو هيئة تلك الجمعية في اتخاذ ما تختص باتخاذه في حدود قطاعها الخاص وأن ما أقدمت به الإدارة هو شكل من أشكال الاعتداء المادي على حق ممارسة النشاط الجمعوي” ([24]).

“القضاء هو المرجع الوحيد لإعلان حالة البطلان وتقرير حل الجمعيات المخالفة للقانون وكذا الأمر بإغلاق الأماكن ومنع اجتماعات أعضاء الجمعيات كإجراءات تحفظية أي أنه هو المختص وحده بشأن مراقبة المشروعية ومدى احترام الجمعيات للقانون والتزامها به ” ([25]).

خاتمة عامة :

عملت جل الأنظمة الديمقراطية على منح الأفراد حقوق وامتيازات عديدة في هذا المجال وربطت ذلك بضمانات قانونية وقضائية جعلت الفرد في منأى عن أي انتهاك لهذا الحق وهو ما عمل المغرب على انتهاجه منذ فجر الاستقلال إلى الآن اذ كانت البداية بإصدار ظهير 1958 المنظم للحريات العامة مرورا بتضمين العديد من الحقوق في الدساتير المتعاقبة مع توفير ضمانات موازية على المستوى القضائي ولو أنه لم يرقى للمستوى المنتظر وهو ما نأمل الى إعطائه الأهمية اللازمة لحماية الحقوق بصفة عامة والحق في التجمع والاجتماع بصفة خاصة لما يكتسيه هذا الحق من أهمية للفرد والجماعة.


[1] المنظم بالظهير الشريف عدد 377 / 1 الصادر في 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات العمومية كما وقع تغييره وتتميمه.

[2] للمزيد من التفصيل ينظر:

Sudre, Fédéric : droit international et européen des droit de l’homme; PVF; 1989

مشار إليه في مرجع وزارة حقوق الإنسان ، دليل مرجعي في مجال حقوق الإنسان ، مطبعة المعارف الجديدة الرباط.

[3] المادة 11 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان الصادرة في روما بتاريخ 4 نونبر 1951.

[4] المادة 15 (حق الاجتماع ) في الاتفاقية.

[5] المادة 16 (حق التجمع) من الاتفاقية.

[6] اعتمد من قبل القمة العربية السادسة عشر بتونس بتاريخ 13 ماي 2004.

[7] المادة 24.

[8] اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة للمفوضين بشأن اللاجئين وعديمي الجنسية بتاريخ 28 يوليوز 1951.

[9] المادة 15.

[10] ظهير شريف رقم 1-02-20 في 23 يوليوز 2002 يتنفيذ القانون رقم 00.76 المغير والمتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 1-58 -377 الصادر في 15 نوفمبر 1958 بشأن التجمعات العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5046 المؤرخة في 10 أكتوبر 2002، ص. 2828.

[11] حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد 01-202 صادر بتاريخ 2001/09/26 غير منشور.

[12] حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 800 ملف عدد 99/379، غير منشور.

[13] حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد 01/ 202 صادر بتاريخ 2001/09/26، غير منشور.

[14] المحكمة الإدارية بالرباط حكم عدد 912 وتاريخ 1998/10/15، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 26، ص.227.

[15] المحكمة الإدارية بوجدة حكم رقم 202/21 وتاريخ 2001/9/26 المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 43 ص. 163.

[16] ينظر التراب مصطفى في تقديمه لكتاب محجوبي محمد: دعوى نقل الملكية إجراءاتها أمام المحكمة الإدارية:

دراسة عملية، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع بالرباط، 2004، ص. 3.

[17] حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد97 /42 بتاريخ 1997/10/09 غير منشور.

[18] حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 64 بتاريخ 1999/05/19 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 30، ص.135.

[19] حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 856 صادر بتاريخ 2000/10/19 منشور بمجلة رسالة المحاماة، العدد 17، ص. 263.

[20] قرار المجلس الأعلى عدد 255 بتاريخ 1963/ 01/ 14، غير منشور.

[21] المحكمة الإدارية بوجدة حكم رقم 96 /88 وتاريخ 1966/05/29 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 26، ص.157.

[22] حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 64 صادر بتاريخ 19 ماي 1999، غير منشور.

[23] المحكمة الإدارية بأكادير عدد497/42 بتاريخ ملف عدد 96 /12 صادر بتاريخ 1997/10/09، منشور بمجلة المحامي، العدد 33-32 ص.265

[24] قرار عدد 412 صادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 2005 /05/18 في الملف عدد 2004/ 1/ 4/ 1443 منشور بمجلة الحقوق المغربية، سلسلة دلائل الأعمال القضائية، العدد الثاني / الجزء الأول، ص.327.

[25] قرار عدد 159 صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش بتاريخ 2007/ 7/ 10، سلسلة ” دلائل الأعمال القضائية “، مرجع سابق.

الأكثر رواجًا