مسطرة إشعار الغير الحائز نموذجا

ذ. رضوان أعميمي

باحث

من المعلوم أن الاختصاص فى النظر فى المنازعات المتعلقة بتحصيل الديون العمومية ينعقد للقضاء الإداري طبقا لمقتضيات المادة الثامنة من القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية، وينظر القضاء المستعجل لهذه المحاكم فى طلبات إيقاف مسطرة الإشعار للغير الحائز، حيث عرف هذا الاختصاص تطورا على مستوى مواقف المحاكم الإدارية، لذلك يحق لنا التساؤل حول مدى مواكبة هذا التطور لمتطلبات الحماية القضائية للمتابعين عن طريق مسطرة الإشعار للغير الحائز.

إذا كانت مدونة تحصيل الديون العمومية تمنع بموجب مقتضيات المادة 124 على أية سلطة عمومية أو إدارية أن توقف أو تؤجل تحصيل الضرائب والديون العمومية الأخرى ، أو تعرقل سيره العادي ، تحت طائلة إثارة مسؤوليتها الشخصية المالية ، فإن العمل القضائى الإداري ذهب عكس ذلك بقبوله إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية بما فيها مسطرة الإشعار للغير الحائز ذات الطابع الفوري ، على اعتبار أن المادة المذكورة لا تخاطب السلطة القضائية ، وأن لهذه الأخيرة كامل الصلاحية فى الاستجابة لطلبات التأجيل أو الإيقاف متى كانت الأسباب مبررة لذلك ([1]) .

وتظهر أهمية قياس تطور قاضى المستعجلات فى المادة الإدارية من خلال مجال تحصيل الديون العمومية عموما، ومسطرة الإشعار للغير الحائز على وجه الخصوص، لمجموعة من الاعتبارت أهمها تلك المكانة التى تحتلها الديون العمومية لما أصبحت تلعبه من أدوار أساسية لبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ذلك أن تحصيل الموارد المالية بذلك ونقلها من التملك الخاص إلى الملكية العامة يشكل تحديا حقيقيا يرتبط به استمرار كيان الدولة.

لأجل ذلك، خول المشرع المغربى على غرار باقى التشريعات المقارنة للإدارة المكلفة باستخلاص الديون العمومية مجموعة من الآليات القانونية التى تضمن الوصول إلى هذه الديون، مدعمة بسلطات واسعة تمنحها إمكانية الجبر والإلزام.

وإذا كان الأصل فى الديون العمومية، استيفاءها مباشرة من أموال المدين فإنه استثناءا من ذلك، منح المشرع المغربى الجهة المكلفة بالتحصيل سلطة سلوك مسطرة الإشعار للغير الحائز من أجل الوصول إلى الدين العمومى بين يدي الغير.

تعتبر مسطرة الإشعار للغير الحائز امتدادا تاريخيا لمسطرة الإنذار للغير الحائز التى عرفها التشريع المغربى منذ ظهير 21 غشت 1935، وقد تميزت على غرار باقى مكونات التشريع المتعلق بسن نظام المتابعات لتحصيل الضرائب المباشرة والرسوم التى فى حكمها ([2]) ، بطابعها الجامد واللإنسانى، والذي لم يعد يتلاءم ومختلف التطورات والإصلاحات التى عرفتها المنظومة القانونية العامة خاصة تلك المتعلقة بمجال الأعمال ابتداءا من إصدار المدونة الجديدة للتجارة، وقوانين جديدة للشركات وإصلاح المنظومة الضريبية وكذا إحداث المحاكم الإدارية والتجارية ([3]).

فى محاولة لمواكبة هذه التطورات وغيرها، جاءت مدونة تحصيل الديون العمومية بمقتضيات جديدة، كان الهدف من وراءها الرفع من المردودية المالية للخزينة العامة ومحاولة أنسنة مساطر تحصيل الديون العمومية ([4])، خاصة مسطرة الإشعار للغير الحائز.

والإشعار للغير الحائز هو وسيلة قانونية تمكن المحاسب المكلف بالتحصيل بصفة مباشرة من استخلاص الديون العمومية المتمتعة بامتياز الخزينة بين يدي الأغيار الحائزين لها، واللجوء إليها لا يكون إلا بعد استنفاد مرحلة التحصيل الرضائى التى منحها المشرع للمدين من أجل تسوية وضعيته بشكل حبى، فهى إذن مسطرة جبرية تنطوي على وسيلة الإكراه المباشر التى تتمتع بها مختلف السلطات المالية المحددة قانونا ([5]).

هكذا إذن، فإن اختصاص وقف تنفيذ الإشعار للغير الحائز ينعقد إلى القضاء الاستعجالي الإداري لما له من آليات تتلاءم والطبيعة المستعجلة لهذه المسطرة (المحور الأول)، حيث عرف هذا القضاء تطورا كبيرا وصل إلى الاتجاه نحو إقرار شروط وحدود فاصلة للأمر برفع الإشعار للغير الحائز (المحور الثاني).

المحور الأول

وقف مسطرة الإشعار للغير الحائز بين القواعد العامة والقواعد الخاصة

يدخل إيقاف الإشعار للغير الحائز فى إطار الاختصاص الاستعجالى للقضاء الشامل على اعتبار أن إجراءات التحصيل لا تشكل قرارات إدارية بالمفهوم الدقيق للكلمة، كونها تأتى لتنفيذ أوامر التحصيل الصادرة عن الجهات المختصة ([6]).

وما دامت المنازعات الضريبية عموما تدخل ضمن ولاية القضاء الشامل، فإن رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات بموجب المادة 19 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية وكذا، طبقا للمقتضيات العامة للاستعجال المنصوص عليها

   بموجب قانون المسطرة المدنية هو الجهة المختصة (الفقرة الأولى)، إلى جانب هذه القواعد، فإن مدونة تحصيل الديون العمومية قد أخضعت إيقاف إجراءات التحصيل الجبرية عموما، إلى مجموعة من القواعد الخاصة التى تعامل معها قاضى المستعجلات من منطق التوفيق بين سلطة إدارة التحصيل، من جهة وحماية حقوق المخاطبين بالإشعار للغير الحائز (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إيقاف الإشعار للغير الحائز على ضوء القواعد العامة

إن الحديث عن إيقاف مسطرة الإشعار للغير الحائز يقودنا بالضرورة إلى رصد الخلاف الذي ساد بين المحاكم الإدارية حول تكييف طلبات إيقاف إجراءات التحصيل (أولا)، قبل أن يستقر الوضع نسبيا على مجموعة من الشروط العامة الملائمة لطبيعة هذه الإجراءات (ثانيا).

أولا: اعتماد المادة 24 من قانون 9041

إن الخلاف الذي ساد خلال الفترات السابقة بين المحاكم الإدارية حول مسطرة إيقاف إجراءات التحصيل عموما، كان أساسه تفسير بعض المحاكم للمسطرة لمذكورة على ضوء المادة 24 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ([7]).

إن إسناد اختصاص وقف إجراءات تحصيل الديون العمومية إلى المادة المذكورة، قاد العمل القضائى إلى القول باختصاص قضاء الموضوع، وهكذا ورد فى حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط أنه “إذا كانت دعوى المنازعة الضريبية معروضة على المحكمة، فإن الاختصاص للبت في طلب إيقاف التنفيذ (…) المرتبط بموضوع المنازعة يرجع إلى محكمة الموضوع وليس إلى قاضى المستعجلات حسب مفهوم المادة 24 من القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية. وحيث إن المدعى تقدم للمنازعة في الضرائب أمام القضاء حسب ما هو ثابت في نسخة المقال المرفقة بالمقال الاستعجالي، فإن الاختصاص للبث في طلبات إيقاف تنفيذ المقررات الإدارية وكذا الأوامر ينعقد لمحكمة الموضوع وليس لقاضى المستعجلات وذلك حسب مفهوم المادة 24 من قانون 90- 41([8]) .  

ونلاحظ أن إقرار القضاء الإداري لاختصاص قضاء الموضوع فى إيقاف إجراءات التحصيل راجع إلى مجموعة من العوامل ، أولها الخلط الذي وقع فيه القضاء الإداري بين القرارات الإدارية الضريبية وبين إجراءات تحصيل الديون العمومية.

فإذا كانت المادة24 من القانون المحدث لمحاكم الإدارية تنص على أنه : “للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بإيقاف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغاءه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة”، فإن الأمر يتعلق بالقرارات الإدارية دون غيرها من الإجراءات .

قياسا على ذلك، فإن المحكمة الإدارية بمكناس قد أضفت على الإنذار الضريبي صفة المقرر الإداري فمنحت الاختصاص إلى محكمة الموضوع فاعتبرت بأنه “لا وجود لمانع يحول دون تقديم طلب إيقاف تنفيذه فى نفس عريضة دعوى الإلغاء ” ([9]).

إلا أن المحكمة الإدارية بفاس كانت أكثر دقة حينما سلبت وصف القرار الإداري على الإنذار الضريبي، الذي يعتبر مجرد حلقة من الحلقات المنصهرة فى عملية الإخضاع التى لا تبدأ بالظهور إلا عقب تعذر تحصيل الضريبة الملتزم بدفعها وتنشر على النزاع السمة الشخصية وتدرجه ضمن مواضيع القضاء الشامل للنوع الآخر العائد إلى ولايتها”([10]) .

علاوة على ذلك يظهر أن توجه المحاكم الإدارية نحو تمكين المحكمة كهيئة جماعية من الوقوف عند مدى جدية طلب إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل، شكل عاملا ثانيا لإخضاعها لمقتضيات المادة 24 من قانون90 -41.

أما الاجتهاد القضائى الفرنسى، ففى الوقت الذي كانت فيه الإدارة الضريبية تثير نفس الوسيلة لاستبعاد تطبيق مقتضيات النص R96 من مدونة العدالة الإدارية، وكذا الفصل 84 من المرسوم المؤرخ في 1963/07/30 المتعلق بمجلس الدولة، وهما النصوص المقابلة للمادة 24 من قانون 90-41، فأنه فى غياب مقتضيات خاصة متعلقة بإيقاف تنفيذ الضريبة لا شىء يحول دون تطبيق القاعدة العامة لإيقاف التنفيذ كما هو منصوص عليها فى المقتضيات التى تهم المنازعات الإدارية العامة، أي الفصل 16 من مدونة العدالة الإدارية والفصل 54من المرسوم المنظم لمجلس الدولة الفرنسى ([11]) .

وسرعان ما تراجع مجلس الدولة عن إسناد اختصاص النظر فى طلبات إيقاف التنفيذ إلى هيئة قضائية جماعية بمقتضى القانون رقم 517.2000 المؤرخ في 30/06/2000 المتعلق بالاستعجال أمام المحاكم الإدارية، الذي يخول البث فى طلبات إيقاف التنفيذ إلى القضاء الفردي ([12]) .

وقد انتبهت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى إلى هذه المسألة حينما ميزت بين إيقاف التنفيذ المشار إليه فى المادة 24 من قانون رقم 41-90 والمتعلق بإيقاف تنفيذ مقررات إدارية تابعة للدعوى المقامة في الموضوع، وبين إيقاف التنفيذ المنصب على إجراءات المتابعة التى تنتمى بحكم طبيعتها إلى دعوى القضاء الشامل.

هكذا، قضى المجلس الأعلى بما يلى: “وحيث إنه من الواضح أن الأمر يتعلق بنزاع فى الضرائب وإن هذه النزاعات تنظر فيها المحكمة الإدارية كمحكمة قضاء شامل لا كقضاء إلغاء، وتبعا لذلك، فإن المعنى بأمر الضريبة المذكورة يمكنه أن يطعن فى بيان التصفية ويمكنه فى نفس الوقت أن يطلب من رئيس المحكمة بصفته قاضى المستعجلات إيقاف إجراءات المتابعة إلى حين البث فى النزاع موضوعيا.

حيث إن مؤدى ذلك أن المحكمة الإدارية المطعون فى حكمها قد أخطأت عندما بثت فى الطلب فى نطاق الفصل 24 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية مما يتعين معه إلغاء حكمها”([13]) .

هكذا، يمكن القول بأن القضاء الإداري المغربى على غرار نظيره الفرنسى قد استقر على استبعاد إعمال المادة 24 من قانون 90-41كلما تعلق الأمر بإيقاف إجراء تحصيل الديون العمومية التى تندرج ضمن نطاق القضاء الشامل.

ثانيا: إعمال القواعد العامة لوقف الإشعار للغير الحائز

من المعلوم أن المشرع المغربى لم يحدد شروط انعقاد الاختصاص لقاضى المستعجلات، حيث اكتفى الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية بالنص على أن رئيس المحكمة الابتدائية يختص بصفته قاضيا للمستعجلات كلما توفر عنصر الاستعجال، وبما أن المادة 7 من قانون41-90 تحيل على تطبيق مقتضيات قانون المسطرة المدنية، فإن القاضي الإداري لم يتوانى عن تطبيق هذه المقتضيات العامة لإيقاف مسطرة الإشعار للغير الحائز.

  1. الاستعجال كأساس لإيقاف مسطرة الإشعار للغير الحائز

يمثل شرط الاستعجال إحدى أبرز الشروط الموضوعية لقيام اختصاص قاضى المستعجلات في وقف الإشعار للغير الحائز فى القضاء المغربى والمقارن فى إطار القواعد العامة ([14]) .

وقد جرى الفقه والقضاء على تعريف الاستعجال بكونه ذلك الخطر الحقيقى المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم درؤه عنه بسرعة لا تكون عادة فى التقاضى العادي ولو قصرت مواعيده ([15]) .

وقد أضفى مجلس الدولة الفرنسى على شرط الاستعجال وصف الضرر الذي يخشى وقوعه إذا تم تنفيذ الإجراتnotion de conséquences difficilement réparables La، فاعتمد بذلك مجلس الدولة الفرنسى على معيار موضوعي لتحديد هذا الشرط، فما أساس قيام حالة الاستعجال إلا مداهمة خطر حصول أضرار يصعب تفاديها إذا تعرض القضاء الإداري للدعوى بشكل عادي([16]) .

يعتبر شرط الاستعجال إذن، العنصر الأساسى الذي يبرز اختصاص قاضى المستعجلات فى إيقاف الإشعار للغير الحائز، هذا الأخير الذي يعتبر بحكم طبيعته مبررا من مبررات قيام حالة الاستعجال .

ويعمل القاضى الإداري على استظهار حالة الاستعجال وتبيان تجلياتها، بناءا على السلطة التقديرية المخولة له في ظل غياب تعريف تشريعي لها.

هكذا قضت المحكمة الإدارية بمكناس على أنه : “وحيث إن الطلب يروم إيقاف إجراءات تحصيل الضريبة على الأرباح العقارية المفروضة على الطالب برسم سنة 1996 موضوع جدول الملفين 83100620 البالغة قيمتها 56969,10 درهم أصلا وزيادات إلى حين الفصل في الجوهر . . . حيث إن الاستمرار في مباشرة التحصيل الجبري قد يؤدي إلى إلحاق خسارة مادية بالطالب يصعب تداركها كتطبيق الاكراه البدنى فى حقه، مما يدل على قيام عنصر الاستعجال ” ([17]) .

ولعل حالة الاستعجال بمفهوم الخسارة المادية التى لا يمكن استدراكها، لا تعترف بها الإدارة الضريبية فى دفوعاتها، على اعتبار أن التنفيذ على أموال المدين لا يؤدي فى جميع الحالات إلى نتائج يصعب تداركها، لأن المدين بإمكانه استرداد ما أداه إذا ثبت فيما بعد صحة ما يدعيه وفقا لقواعد الاسترداد المعمول بها فى هذا الصدد([18]) .

لعل هذا التوجه هو الذي تبناه مجلس الدولة إلى حدود سنة 1976حيث كان ينظر إلى الضرر المالى على أنه لا يكتسى طابع صعوبة الإصلاح إلا فى الحالات القصوى التى تؤدي إلى بيع المقاولة أو توقفها عن الأداء أو الأصل التجاري..

إلا أن القضاء الإداري المغربى يقر حالة الاستعجال كلما تعلق الأمر بمسطرة الإشعار للغير الحائز، حيث قضت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش على أن “حالة الاستعجال إنما تنشأ من طبيعة الحق المطلوب صيانته ومن الظروف المحيطة به ويستنتجها قاضى المستعجلات من ظروف وملابسات الدعوى المعروضة عليه . . . وحيث أن قاضى المستعجلات فى نازلة الحال قد استخلص عن صواب قيام حالة الاستعجال من كون إجراءات الاستخلاص الجبري جارية فى حق الطالبة من طرف القابض عن طريق الإشعار للغير الحائز” ([19]) .

وقد سارت المحكمة الإدارية بفاس في نفس الاتجاه حينما اعتبرت أنه “وحيث أستقر العمل القضائي بهاته المحكمة على قبول المطالبة بإيقاف تنفيذ الدين العمومي المنصوص عليه بالفصل 2 من القانون   15-97بما فيه الدين الضريبي في إطار القواعد العامة للاستعجال المنصوص عليها في المادة 149 من قانون المسطرة المدنية المحال عليه، بموجب الفصل 7 من قانون 90-41 ([20])”.

هذا، وتعزز مقتضيات المادة 19 من قانون 90-41 توجه القاضي الإداري نحو إعمال الشروط العامة للاستعجال، حيث تنص على أنه “يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه عنه بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية “.

ونلاحظ أنه قليلة هي تلك الأحكام التي أشارت إلى مقتضيات المادة 19 من قانون 90-41، ([21]) فأغلب الأوامر الاستعجالية تعتمد على مقتضيات المادة 149 من قانون المسطرة المدنية، ذلك أن هذه الأخيرة هى التى أشارت صراحة إلى عنصر الاستعجال كأساس لقيام اختصاص قاضى المستعجلات.

كما أن المادة 19 المذكورة اقتصرت على الحديث عن الطلبات الوقتية والتحفظية، كأساس اختصاص قاضى المستعجلات.

هذا، وإن بعض الفقه يشكك في انتماء طلبات إيقاف إجراءات التحصيل عموما إلى مجال الطلبات الوقتية أو التحفظية، وبالتالي لا مجال لإعمال المادة 19 من قانون 41-90، وقد اعتمد في ذلك على أسباب أبرزها ([22]):

– أن من شأن تضخم عدد الطلبات الرامية إلى إيقاف الدين الضريبى وسهولة الاستجابة لها التأثير السلبى على برامج الميزانية العمومية وبالتالى فإنها تندرج ضمن قضاء الموضوع.

– أن القاضى يتجاوز فى تقدير شروط وقف التنفيذ تحسسه للوثائق فيقوم بالبحث فى صلب الموضوع.

إلا أننا لا نتفق مع هذا التوجه ومع الأسباب التى أوردها لانتزاع الاختصاص فى وقف إجراءات تحصيل الديون العمومية واستبعادها من دائرة الطلبات الوقتية أو التحفيظية.

فالسبب الأول المتمثل فى التأثير على المالية العمومية لا يمكن التسليم به، ذلك أن تمويل الخزينة العامة لا يمكنه أن يأتى على حساب الحقوق المالية للأفراد، فيؤدي إلى خرق المبدأ الدستوري المتعلق بالمساواة أمام تحمل التكاليف العامة ([23]).

فتدخل قاضى المستعجلات لا يعطل الأهداف المالية للدولة بقدر ما يضبط قواعد استعمال المال العام وتحصيله وفق ما يقتضيه القانون، فهو لا يعدوا أن يكون تدبيرا وقتيا، كونه يوقف عملية التحصيل إلى حين النظر فى مدى مشروعية تدخل الآلة العمومية .

فهو بذلك يساهم في تحقيق التوازن المنشود بين السلطة والحق فى إطار مبدأ المشروعية.

لذلك، لا يمكن القول على أن الاختصاص الاستعجالى يعطل برامج الميزانية العمومية بقدر ما يمكن القول أن خرق مساطر التحصيل، هو الذي يؤدي إلى هذه النتيجة.

أما السبب الثانى الذي صاغه هذا الجانب من الفقه، والمتعلق بملامسة قاضى المستعجلات لموضوع الدعوى، لا يمكن التسليم به على إطلاقيته ذلك أن منهجية قاضى المستعجلات فى محاكمة هذا الشرط تبقى حبيسة ظاهر الوثائق التى تبين حالة الخطر الذي يواجه المدين، إما بتوجيه الإشعار للغير الحائز ذو الطابع التنفيذي إلى الحائزين لأمواله، أو الاستمرار فى عملية حجز المنقولات …، مع العلم أن قاضى المستعجلات ملزم بعدم المساس بجوهر الدعوى وإلا تعرض قضاءه للإلغاء على مستوى محاكم الاستئناف الإدارية، أو النقض على مستوى محكمة النقض. 

  1. عدم المساس بجوهر الدعوى في إيقاف الإشعار للغير الحائز

إذا كان الاستعجال أساس انعقاد الاختصاص إلى قاضى المستعجلات، فإن ذلك مقيد بعد البث في أصل الحق، أي في جوهر الدعوى.

تنص المادة 152 من قانون المسطرة المدنية على أنه “لا تبث الأوامر الاستعجالية إلا فى الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقضى به في الجوهر”.

ومعني جوهر الدعوى أو أصل الحق هو كل ما يتعلق بموضوع الدعوى ويرتبط بها وجودا وعدما، ويندرج فيه كل ما يمس صحته أو يؤثر فيه سلبا أو إيجابا أو يغير من معالمه وكذا من آثاره القانونية .

كلما رأى قاضى المستعجلات ملامسته لجوهر الحق أمرا ضروريا إلا وقضى بعدم اختصاصه، فلا يحق له بمفهوم المادة 152 المذكورة إثبات الحق أو نفيه بل يقتصر على ترجيح الاحتمالات دون أن يقطع برأي فى أصل الحق وإلا بنى حكمه على أساس غير قانونى([24]) .

هكذا، قضت المحكمة الإدارية بمكناس على أنه “حيث إن مباشرة إجراءات التحصيل للإشعار للغير الحائز فى مواجهة الطالبة قد يؤدي إلى إلحاقها أضرارا يصعب تداركها فيها بعد كإعلان إعسارها، او تطبيق الإكراه البدني في مواجهتها، إلخ. مما يفيد قيام عنصر الاستعجال .

حيث إن طلب رفع الإشعار للغير الحائز عن الحساب البنكى المذكور له مساس بمناقشة جوهر النزاع ويقتضى البحث فى حقيقة الدين الضريبى واستحقاقه والملزم به وعلاقة الطالبة بهذا الدين والوسائل المثارة فى دعوى الموضوع المشار إليها وعلاقة الطالبة بهذا الدين وقاضى المستعجلات الإداري غير مختص بالبث في الطلب”([25]).

وقد سبق للمجلس الأعلى أن أكد نفس المبدأ حينما ألغى الأمر المستأنف متصديا لعدم اختصاص قاضى المستعجلات للبث في الطلب، حيث اعتبر أنه “بناءا على الفصلين 149 و 152من قانون المسطرة المدنية والمادتين 19 و 47 من قانون 41-90المحدث للمحاكم الإدارية، حيث إن مناط انعقاد اختصاص قاضى المستعجلات هو توفر عنصر الاستعجال فى النازلة وعدم المساس بما يمكن أن يقضى به في الجوهر.

وحيث إن الطلب يهدف إلى رفع الإشعار للغير الحائز وهو طلب يشكل منازعة جوهرية تقتضى النظر فى مشروعية إجراء التحصيل المتخذ وهو يخرج عن اختصاص قاضى المستعجلات ويكون الأمر لما قضى بخلاف ذلك واجب الإلغاء” ([26]).

هذا، وتجدر الإشارة أن السلطة التقديرية التى يتمتع بها قاضى المستعجلات تساعده على ملامسة الدعوى دون الدخول فى جوهرها، وتدل على ذلك مجموعة من العبارات التى يستعملها فى صلب الأوامر الصادرة عنه من قبيل “حيث يؤخذ من ظاهر أوراق الملف ومستنداته”([27]) ، وحيث باستظهار الطالب للوثائق([28])، وبحيث يستشف من وثائق الملف…([29])، وهى عبارات تدخل فى صلب تعليل لقاضى المستعجلات للدليل الذي استند عليه فى قضاءه دون أن يمس بجوهر الدعوى .

الفقرة الثانية: إيقاف الإشعار للغير الحائز على ضوء القواعد الخاصة

لقد حاول المشرع المغربى وضع مجموعة من الشروط الخاصة لتقنين عملية إيقاف مسطرة الإشعار للغير الحائز من خلال مقتضيات المادتين 118-117 من مدونة تحصيل الديون العمومية المتعلقتين بضرورة تكوين ضمانات تؤمن حقوق الخزينة (أولا)، أما المادة 120من مدونة التحصيل، فإنها تحدد إجراءات التعرض على إجراءات التحصيل الجبري، والتى تعامل معها قاضى المستعجلات من منطلق الحماية الوقتية كأساس لانعقاد اختصاصه (ثانيا).

أولا: مدى اشتراط الضمانات لإيقاف الإشعار للغير الحائز

إن إيقاف الإشعار للغير الحائز يؤدي إلى إيقاف الاستخلاص الفوري للدين الضريبي وهو ما اعتبرته مدونة تحصيل الديون العمومية تهديدا، واشترطت لكل من ينازع فيه تقديم ضمانات تؤمن استخلاصه.

ولقد عزز المشرع هذا التوجه حينما منع عن أية سلطة عمومية أو إدارية لإيقاف استخلاص الضرائب، إلا أن هذا المنع لا يعتبر قاعده ملزمة في مواجهة المحكمة إنما يقتصر الأمر على الجهات المكلفة بالاستخلاص وبالمسؤولية الملقاة على عاتقها ([30]).

والحديث عن ضرورة تقديم الضمانة للاستجابة لطلب إيقاف الإشعار للغير الحائز، قد قابله القاضي الإداري بمفهوم جدية الطلب، فكلما توفر الطلب على الجدية الكافية كلما أعفى القاضى الاستعجالى من تقديم الضمانات، فما هو إذن مفهوم الجدية ؟ وما هى العلاقة الرابطة بينه وبين وجود الضمانات؟

من المعلوم ان شرط المنازعة الجدية يخضع إلى السلطة التقديرية لقاضى المستعجلات الإداري ([31])، حيث يهدف من خلاله هذا الأخير إلى التصدي للطلبات الكيدية الرامية إلى عرقلة نشاط الإدارة معتمدا في ذلك على الوسائل المثارة في المقال الافتتاحي للدعوى ودونما أن يخل بباقي الشروط المشار إليها سابقا.

وهكذا أكدت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء سلطة قاضى المستعجلات فى الوقوف عند شرط الجدية من خلال ظاهر الوثائق ومن دون المس بجوهر الحق، حيث جاء فى أمر لها على أنه: “وحيث إن لقاضى المستعجلات فحص ظاهر المستندات المدلى بها فى الملف ومن غير المساس بما يمكن أن يدلى به فى الجوهر لتلمس عنصر الجدية، وحيث إنه يتضح من ظاهر الوثائق المدلى بها وخاصة مقال المنازعة فى الموضوع ورسالة التظلم للجهة الإدارية والوثائق المرفقة بالطلب أن النزاع فى الموضوع على جانب من الجدية يبرر الإيقاف([32]).

هذا، وقد حاول القاضى الإداري حصر مفهوم الجدية كأساس لإيقاف إجراءات التحصيل عموما والإشعار للغير الحائز على وجه الخصوص، حيث تجمع المحاكم الإدارية على أن منازعة المدين أو الغير الحائز فى صفته كملزم بأداء الدين العمومي، أو منازعته في مبدأ الخضوع للضريبة، أو مبدأ فرضها وتحصيلها، يضفى على المنازعة الوقتية طابع الجدية الموجب لإيقاف التنفيذ ([33]).

هكذا، اعتبرت المحكمة الإدارية بأكادير وهى تؤكد ما سبق، على أنه : “وحيث يشترط لقبول طلبات إيقاف وتأجيل إجراءات التحصيل الجبري للديون الضريبة والرسوم التى فى حكمها قيام حالة الاستعجال، جدية المنازعة فى الموضوع، وتقديم ضمانة تؤمن الأداء عند اللزوم ما لم يثبت أن الطالب ينازع بجدية كملزم بالدين، أو فى قانونيته أو فى مسطرة استخلاصه … وحيث يتبين بعد دراسة الطلب وتفحص ظاهرة الوثائق المدلى بها ودون المساس بما يمكن أن يقضى به فى الجوهر أن الطالب ينازع بجدية فى قانونية الدين موضوع مسطرة الاستخلاص الجبري . . . مما يتعين معه إيقاف وتأجيل إجراءات الاستخلاص الجبري المباشرة فى حق المدين بصفة شخصية ([34]).

في نفس السياق، يعتبر القاضي الإداري أن تقادم الدين الضريبى أو احتمال وجود هذا التقادم من موجبات وجود الجدية فى الطلب وبالتالى الإعفاء من الضمانات المنصوص عليها فى المادتين117 و 118 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

وقد أكدت المحكمة الإدارية بمكناس على هذا الاتجاه معتبرة أنه ” باستقراء ظاهر الوثائق والمستندات المدلى بها يتضح أن الطلب يكتسى طابع الجدية خاصة فيما يتعلق بالوسيلة الرامية إلى القول بتوافر شروط التقادم الرباعى فى تحصيل الضريبة المذكورة عملا بالمادة 123 من مدونة تحصيل الديون العمومية، بالنظر إلى كون الضريبة المطلوبة أداؤها ترجع إلى سنة 1996 حسب وضعية الملزم المدلى بها والصادرة فى12/1/2009″([35]) .

نفس التوجه أكدته محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش حينما أعفت المدين من تقديم الضمانة المنصوص عليها فى مدونة تحصيل الديون العمومية، معتبرة أن ” تحقق سريان أجل التقادم فى النازلة من شأنه أن يجعل الملزم فى حل من سلوك مقتضيات الفصلين 117 و 118 من مدونة التحصيل قبل اللجوء إلى رفع الدعوى حسبما استقر على ذلك العمل القضائي([36]) .

هكذا، يمكن القول أن التعرض على مسطرة الإشعار للغير الحائز أمام القاضي الاستعجالي لا يضفى في حد ذاته على الدعوى طابع الجدية، ذلك أن هذه الأخيرة تستنبط من كل ما يحيط بالمسطرة من إجراءات وإثباتات، وتبعا لذلك اعتبر القاضى الإداري أن صدور حكم ابتدائى بإلغاء مسطرة سابقة على إجراء الإشعار للغير الحائز يشكل عنصر ا لإثبات جدية الطلب.

جاء فى تبرير المحكمة الإدارية بمكناس، أنه: “وحيث إن الحكم المذكور وإن كان ابتدائيا فإنه يضفى طابع الجدية على الطلب” وهو ما أكدته محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش حينما قضت أنه (بالنسبة لعنصر جدية المنازعة ففضلا عن الفحص الظاهري لوثائق الملف التي تهم المنازعة الذي سبق أن قام به قاضى المستعجلات فإن الطالبة قد أدلت فى هذه المرحلة بنسخة من الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير تحت عدد 109-2008 بتاريخ 20/2/2008 فى الملف رقم 437/2007 من القاضى بإبطال الضريبة موضوع إجراءات التحصيل فى النازلة مما يؤكد فعلا جدية منازعتها والأسباب التى اعتمدتها فيها”([37]).

ثانيا: موقع التظلم الإداري في إيقاف مسطرة الإشعار للغير الحائز

إذا كانت المادة 119 من مدونة تحصيل الديون العمومية قد منحت لأي مدين يكون محل إجراءات التحصيل الجبري إمكانية التعرض عليها كلما تعلقت مطالبته بقانونية الإجراء المتخذ من حيث الشكل، وكذا عدم اعتبار أداءات يكون قد قام بها، فإن المادة 120 من نفس المدونة تحدد شروط رفع هذه المطالبة حينما قضت بأنه : “ترفع المطالبات المتعلقة بإجراءات التحصيل الجبري تحت طائلة عدم القبول ، إلى رئيس الإدارة التي ينتمى إليها المحاسب المكلف بالتحصيل المعنى، أو إلى من يمثله، داخل أجل ستين يوما(60) الموالي لتاريخ تبليغ الإجراء، مدعمة بالمستندات التي تثبت تكوين الضمانات طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 118 أعلاه.

عند عدم رد الإدارة داخل أجل ستين (60) يوما الموالى لتاريخ توصلها بالمطالبة، كما فى الحالة التي يكون فيها القرار فى غير صالح المدين، يمكن لهذا الأخير رفع دعوى أمام المحكمة المختصة “.

من خلال استقراء المقتضيات السابقة، يتضح بأن المشرع المغربى حاول إعطاء السلطة الإدارية التابع لها المحاسب المكلف بالتحصيل، فرصة الاطلاع على النزاع خلال المرحلة الإدارية كلما انصب طعن المدين على مدى قانونية إجراءات التحصيل الجبري من حيث الشكل، إلى جانب عدم اعتبار المحاسب أداءات أداها المدين.

نلاحظ أن المشرع المغربي أعطى للطعن الإداري صفة الإلزامية تحت طائلة عدم قبول الدعوى أمام القضاء، وهو عكس ما سار عليه خلال ظهير 21 غشت 1935، حيث كانت كل المنازعات ترفع مباشرة أمام القضاء المختص.

ويمكن القول أن إخضاع المطالبات المذكورة إلى التظلم الإداري ينطوي على أهمية كبيرة تمكن الإدارة المسؤولة من إصلاح الأخطاء والإغفالات التى ارتكبتها، وبالتالى تسوية نسبة مهمة من منازعات التحصيل على المستوى الإداري .

لكن البعض يرى بأن المادة 120 لا تعتبر تكريساً لقاعدة الطعن الإداري الأولى بقدر ما هو وضع جزاء قانونى على مخالفة هذه القاعدة من طرف المدين، ويتمثل هذا الجزاء فى عدم قبول المطالبة أو المنازعة المثارة من طرفه، ذلك أن المشرع المغربى لم يكن يجرؤ فى كثير من الميادين أن يلزم فيها سلوك مسطرة الطعن الإداري المسبق وعلى وضع جزاء قانونى على مخالفة ذلك ([38]).

لكن السؤال المطروح فى هذا الصدد هو مدى إلزامية المطالبة الإدارية طبقاً للمادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية كلما تعلق الأمر باختصاص القضاء الاستعجالى فى وقف مسطرة الإشعار للغير الحائز.

قبل الإجابة على هذا التساؤل تجدر الملاحظة بأن مقتضيات المادة120 من المدونة جاءت صياغتها مبنية للمجهول، ليكون بذلك توجه المشرع نحو مخاطبة الجميع بمقتضياتها، بما فيهم القضاء الاستعجالى الإداري من حيث المبدأ.

علاوة على ذلك، فإن المشرع المغربى أخضع هذا التظلم إلى مقتضيات المادتين 117 و 118 المتعلقتين بتكوين الضمانة من أجل الاستفادة من الطعن الإداري .

ونلاحظ فى هذا الصدد أن المشرع كان متشدداً تجاه شروط صحة هذا التظلم، فطالما المدين لم ينازع فى صحة الدين وخضوعه له فإن تقديم الضمانة يبقى غير مبرر.

لذلك يرى البعض – عن حق – أنه كان على المشرع أن يهتم أكثر بمضمون الشكاية أو الطعن، كأن ينص على احتوائها على التعليل القانونى والواقعى وجميع البيانات الدالة على موضوع النزاع إضافة إلى تحديد الطلب تحديداً دقيقا([39]).

أما عن مدى إلزامية التظلم الإداري قبل اللجوء إلى القضاء الاستعجالى، فإن بعض الفقه ([40])يرى بأنه إذا كان القضاء الاستعجالى يعد جزءاً من قضاء الموضوع وفرعاً منه ويأخذ أحكامه فيما يخص مسطرة الطعن الإداري، فكيف يمكن قبول طلب إيقاف تنفيذ دين عمومي للإخلال بمسطرة تحصيله، والحال أن المنازعة المتعلقة بالموضوع حول بطلان إجراءات المتابعة بالدين العمومى غير مقبولة لعدم التقيد بمقتضيات المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

وباطلاعنا على العمل القضائى الإداري فى مجال تطبيق المقتضيات السابقة أمام القضاء الاستعجالى، نلاحظ أن هذا الأخير لا يجعل من المطالبة الإدارية شرطاً أساسيا لقبول الطعن أمامه ولو تعلق بمسطرة الإشعار للغير الحائز.

وقد قضت المحكمة الإدارية بفاس على أنه “وحيث لما كانت الديون العمومية تتقادم بمرور أربع سنوات على تاريخ الشروع فى تحصيلها طبقا للفصل 123 من القانون 15-97 ما لم يقم دليل على قطع التقادم المذكور بالتبليغ بالإشعار بدون صائر أو الإشعار القانونى ويكون الملزم بها غير مقيد بسلوك مسطرة الطعن الإداري المنصوص عليه بالفصل 120 من نفس القانون الذي لا يكون له محل إلا بالتبليغ القانونى لإجراءات التحصيل الجبري، ولما هو ظاهر من أوراق الملف أن الدين العمومى المطالب به لم يتوصل به إلا فى غضون سنة2008، أي بعد مرور أكثر من أربع سنوات على تاريخ استحقاقها من غير تبليغ قانونى سابق بالإنذار بالأداء حوله، أو بأي إجراء من إجراءات التحصيل التى من شانها قطع التقادم مما تبدوا معه المطالبة بالدين الضريبى موضوعها قد طالها التقادم الرباعى المنصوص عليه بالفصل 123 المشار إليه أعلاه .

وحيث تكون بذلك منازعة الطالب حولها جدية ويترتب عنها عدم إلزامية سلوك مسطرة الطعن الإداري، وسواء المتعلقة بتقديم التظلم المنصوص عليه بالفصل 120 من القانون 97-15 أو تقديم الضمانة الكفيلة بإيقاف الأداء لدى القابض المالى طبقا للفصلين117 و 118من نفس القانون أو أمام القضاء الاستعجالى بمناسبة تقديم طلب إيقاف التنفيذ”([41]).

هذا، وقد أكدت المحكمة الإدارية بالرباط على أن تشبث الإدارة بمقتضيات المادة 120من مدونة تحصيل الديون العمومية يتنافى مع ما سار عليه الاجتهاد القضائى فى مجال إيقاف الإشعار للغير الحائز ولو تعلق الأمر بتطبيق مقتضيات المادة 119من نفس المدونة.

هكذا جاء فى تعليل المحكمة الإدارية بالرباط ما يلى: “وحيث دفع القابض بعدم اختصاص قاضى المستعجلات أسس انطلاق من أن الطلب ينصب حول إلغاء الإشعار للغير الحائز، والحال أنه ليس من بين ملتمسات الطالب ما يشير إلى ذلك الإجراء، وإنما جل طلباته تدور حول إيقاف إجراءات التحصيل الجارية فى مواجهة، مما يجعل الدفع المثار لهذا الصدد غير جدي ويتعين عدم الالتفات إليه.

وحيث من جهة ثانية، فإن عمل القضاء المستعجل متواتر بمختلف درجاته على أن المساطر الأولية وآجالاتها (التظلمات) لا تنسجم مع الطبيعة المستعجلة للطلبات الوقتية التى لا تنصب على أصل الحق، وإنما تهدف إلى توفير حماية مؤقتة إلى حين بث قضاء الموضوع فى النزاع، مما يتعين معه استبعاد الدفع بمخالفة مقتضيات المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية”([42]) .

وقد سبق للمحكمة الإدارية بمكناس أن تبنت نفس التوجه حينما أمرت بإيقاف مسطرة الإشعار للغير الحائز معتبرة أن العمل القضائى قد درج على ” الاستغناء عن مسطرة المطالبة الإدارية المنصوص عليها في المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية وذلك فى المادة الاستعجالية نظراً للخطر المحدق بالملزم والذي يداهمه التحصيل الجبري”([43]).

ويرى بعض الباحثين أن التوجه الذي صاغه القضاء الإداري والمتعلق بعدم تطبيق قاعدة جوهرية متعلقة بالتظلم الإداري يعتبر خرقاً لقاعدة آمرة تعتبر من النظام العام ([44]) .

إلا أن هذا الرأي لا يمكن التسليم به، ذلك أن قاعدة التظلم الإدارة – وعلى الرغم من كون المادة 120 جاءت على سبيل العموم – تخاطب من جهة الجهة الإدارية المكلفة بالتحصيل، ومن جهة ثانية الجهة القضائية المختصة بالنظر فى الموضوع ، وهو ما تؤكده مقتضيات المادة 119 من نفس المدونة والتي حصرت حالات تقديم التظلم، فى منازعة المدين أو الغير الحائز فى قانونية إجراءات التحصيل من حيث الشكل، علاوة على عدم اعتبار أداءات قام بها.

وعموماً، لا يمكن القول أن قاضى المستعجلات قد استبعد مقتضيات المادة 120 المدونة نهائيا، بل حصر تطبيقاتها على قاضى الموضوع ، وهو ما يفهم من مجموعة من الأحكام القضائية، حيث اعتبرت المحكمة الإدارية بمكناس أن: “الطلب تبعاً لذلك مؤسس يتعين الاستجابة له، وعلى الطالب تقديم دعوى فى الموضوع بمجرد انتهاء أجل التظلم المدلى به، والذي توصلت به الإدارة فى 15/1/2009 استناداً إلى المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية”([45]) .

هكذا، يمكن القول أن المنهج الذي سار عليه القضاء الاستعجالى من خلال وقف مسطرة الإشعار الغير الحائز على ضوء القواعد العامة خاصة مقتضيات المادتين 149و 152 من قانون المسطرة المدنية، وكذلك المادتين 7 و19  من قانون 90-41، والذي يوازي النهج الذي سار عليه نظيره الفرنسى، مع وجود اختلاف اعتبره البعض جوهريا ([46])، هو أن المشرع الفرنسى قد حدد شروط الاستجابة لطلبات إيقاف إجراءات التحصيل، فى حين أن القاضى الاستعجالى المغربى أخذ بالمقتضيات العامة على حساب المقتضيات الخاصة.

ويمكن القول أن هذا التوجه ينسجم مع الفلسفة من وجود المحاكم الإدارية خاصة القضاء الاستعجالى، حفاظاً على الحقوق والمراكز القانونية بشكل وقتى يمكن المدين من الاطمئنان إلى فعالية الحكم الصادر عن قضاء الموضوع، والذي يكون – فى حالة الاستجابة للطلب – قابلا للتنفيذ بشكل فعال خاصة إذا صدر لصالح المدين ما دام مركزه القانونى مستقر نتيجة الأمر القاضى بوقف تنفيذ مسطرة  الإشعار للغير الحائز ذات الطابع التنفيذي الفوري على الحقوق المالية للمدينين ([47])

المحور الثاني

تكريس الطابع الحمائي للقاضي الاستعجالي من خلال رفع الإشعار للغير الحائز

لم يتوقف قاضى المستعجلات في حمايته للمدينين والأغيار الحائزين عند الاستجابة لطلبات إيقاف الإشعار للغير الحائز وفق القواعد العامة، بل تعدى ذلك إلى الاستجابة إلى طلبات رفع الإشعار دون المساس بهذه القواعد العامة وذلك وفق تقنيتين، إما عن طريق تحوير طلب رفع الإشعار للغير الحائز إلى وقف هذا الأخير كلما توفرت شروط ذلك (الفقرة الأولي)، أما إذا كانت مراكز الأطراف واضحة، فإن قاضى المستعجلات لا يتوانى على الأمر برفع الإشعار للغير الحائز (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تقنية تحوير طلب رفع الإشعار للغير الحائز

إذا كان طلب رفع الإشعار للغير الحائز يكون عادة أمام محكمة الموضوع الإدارية المكونة من ثلاثة قضاة ومفوض ملكى طبقا لمقتضيات المادتين 3 و 5 من قانون 90- 41 فإن التكييف القضائى الذي أعطى لمسطرة الإشعار للغير الحائز لطبيعة الحجز التنفيذي الذي يمارسه المحاسب المكلف بالتحصيل ([48])، سمح لقاضى المستعجلات الإداري التعامل مع هذه المسطرة وفق خصوصيات تتعلق بطبيعتها من جهة، وبمجال اختصاصه من جهة ثانية.

فطبيعة المسطرة الاستعجالية جعلت من قاضى المستعجلات ينظر للطلبات المرتبطة برفع الإشعار للغير الحائز داخل مجال اختصاصه.

فإذا نازع المدين فى مسطرة الإشعار للغير الحائز، باعتباره إجراءا باطلا من الناحية القانونية وطالب برفعه، فإن البث فى النزاع يقتضى ضرورة فحص وتقييم هذا الإجراء للقول بمدى صحته أو بطلانه، وهو ما يضفى على المنازعة الطابع الموضوعى بالنظر لمساسها بجوهر الحق فتكون محكمة الموضوع هى المختصة بالنظر فيها طبقاً لمقتضيات المادتين 119 و 120من مدونة تحصيل الديون العمومية، وليس قاضى المستعجلات ([49]) .

لكن مع ذلك، فإن قاضى المستعجلات، قد تمكن من إيجاد مخرج قضائى فى إطار القضاء الاستعجالى للاستجابة لطلبات رفع الإشعار للغير الحائز وتحوير طلبات الأطراف إلى إيقاف الإشعار للغير الحائز على ضوء القواعد العامة، وهو تكريس حقيقى للطابع الحمائى للقاضى الاستعجالى.

فى هذا الإطار، تطفو على السطح مقتضيات الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه : “يتعين على القاضى أن يبث فى حدود طلبات الأطراف ولا يسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات ويبث دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة “.

قد يبدو منذ الوهلة الأولى أن تحوير القاضى الاستعجالى للطلب من رفع الإشعار للغير الحائز إلى إيقافه، مخالفا لمقتضيات المادة الثالثة المذكورة، إلا أنه بالوقوف عند روح التشريع يظهر أن تحوير الطلب بالشكل المذكور يأتى فى صميم منطوق المادة 3 من قانون المسطرة المدنية وذلك لعدة اعتبارات:

فإذا كانت المادة المذكورة تخاطب جميع قضاة المحاكم بمن فيهم قضاة المحاكم الإدارية سواء قضاة الموضوع أو قضاة المستعجلات، فإن إسقاط مفهوم حدود طلبات الأطراف على الحالة المشار إليها، يجعلنا نؤكد على أن قاضى المستعجلات باستجابته لطلب وقف الإشعار على حساب طلب رفعه، فإنه قد أعطى لصاحب المصلحة الحد الأدنى من الحماية القضائية التى يستحقها كلما توفر عنصر الاستعجال والجدية ودونما المساس بجوهر الحق، أي أن طبيعة الإشعار للغير الحائز تقتضى التصدي إليه ولو بتحوير الطلب.

هذا، ويمكن إدراج تحوير الطلب المذكور ضمن الشق الثانى لمقتضيات الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية والتى تقضى بأنه: “ويبث دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة “، فاستقراء هذا المقتضى يعزز الطرح المذكور ذلك أن تكييف قاضى المستعجلات جاء فى إطار تطبيق المقتضيات القانونية الملائمة للنازلة ، أي المقتضيات العامة المتعلقة باختصاص قاضى المستعجلات .

ومع ذلك، ومن خلال اطلاعنا على مجموعة من الأوامر الاستعجالية القاضية بتحوير الطلب فإن قاضى المستعجلات لا ينطلق من مقتضيات المادة الثالثة، وقد يرجع ذلك إلى عدم إثارة هذا المقتضى القانونى من طرف الخصوم .

هكذا قضت المحكمة الإدارية فى نفس الاتجاه بتحوير طلب رفع الإشعار للغير الحائز إلى وقف تنفيذه، معتبرة أن ” طلب رفع الحجز يقتضى فحص حقيقة المديونية وما إذا كانت مستحقة وما إذا كان الطالب ملزم بأدائها أمام الشركة وأن ذلك له مساس بجوهر النزاع مما يحظر معه على قاضى المستعجلات الخوض فيه.

لكن حيث جرى العمل القضائى أنه إذا كانت المنازعة جدية، فليس هناك ما يمنع المحكمة من تحوير طلب المدعى واعتباره طلب يرمى إلى إيقاف إجراءات الاستخلاص وذلك كلما توافر عنصر الجدية والاستعجال (. . .)، حيث يتعين تبعاً لذلك الحكم بإيقاف مسطرة الإشعار للغير الحائز لتوافر عنصر الجدية والاستعجال([50]).

وقد سبق لمحكمة الاستئناف الإدارية أن سايرت نفس التوجه حينما اعتبرت أنه “وبغض النظر عن تلك المنازعة الموضوعية ، فإن قضاء الاستعجال دأب على تحوير الطلبات المقدمة إليه بشأن رفع الحجر الموقع بمقتضى الإشعار للغير الحائز على الحساب البنكى وإعادة تكييفها إلى طلبات إيقاف إجراءات التحصيل باعتبار أن ذلك هو الجوهر الحقيقى لتلك الطلبات مادام تم تقديمها إلى قضاء الاستعجال “([51]).

وفى أمر قضائى آخر أكدت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط ([52])نفس المنحى نحو تحوير الطلبات كلما تعلق الأمر برفع الإشعار للغير الحائز الذي يحتاج تقييم صحته إلى المساس بأصل الحق، حينما قضت بأن: “إجراءات التحصيل المباشرة على حساب الطالب لدى كل من البنك الشعبى والتجاري وفابنك إنما تباشر من أجل استخلاص الضريبة المذكورة على الرغم من إلغاء السند الضريبي الذي على أساسه يتم هذا الاستخلاص بمقتضى الحكم المذكور، فإن طلب الإيقاف يكون على درجة من الجدية التى تبرر له علاوة على توفر حال الاستعجال بالنظر لما سيترتب عن إجراءات الحجز وتنفيذه وتحويل المبلغ المحجوز لحساب الخزينة من أضرار يصعب تداركها مستقبلا.

وحيث إنه بخصوص الشق المتعلق برفع الحجز المضروب على الحساب البنكى للطالب عن طريق مسطرة الإشعار للغير الحائز، فإنه لا يمكن لقاضى المستعجلات النظر فى مدى تطابقه مع القانون باعتباره إجراءاً موضوعيا كما هو الشأن بالنسبة للمنازعة فى باقى إجراءات التحصيل نظرا لمساسه بجوهر النزاع .

وحيث إنه أمام هذه المعطيات ، فإنه يتعين التصريح بإيقاف جميع إجراءات التحصيل موضوع النزاع بما فيها الحجز على حساب المدعى المذكور”([53]) .

الفقرة الثانية: سلطات قاضي المستعجلات فى رفع الإشعار للغير الحائز

لقد شكلت مسألة رفع الإشعار للغير الحائز كاختصاص استعجالى مدا وجزرا بين المجلس الأعلى سابق – محكمة النقض حاليا – والمحاكم الإدارية، حيث سبق للأول أن قضى بأنه “يعتبر الحجز لدى الغير (الإشعار للغير الحائز) الذي أوقعه القابض إجراءا من إجراءات التحصيل وأن القول بعدم تطابقه مع القانون، يشكل منازعة موضوعية تمس جوهر الحق الذي يخرج عن نطاق قاضى المستعجلات، وأن الأمر المستأنف حينما اعتبر بأن الحجز المذكور مخالفا للمادة 653 من مدونة التجارة وقضى برفعه على هذا الأساس، يكون قد تجاوز حدود اختصاص قاضى المستعجلات نظراً لمساسه بجوهر الحق، فيكون بذلك غير مصادف للصواب ويتعين إلغاؤه والتصريح من جديد بعدم اختصاص قاضى المستعجلات

للبت فى الطلب”([54]).

إلا أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سبق لها أن سارت فى اتجاه مخالف حينما قضت بأن: “قاضي الأمور المستعجلة يختص فى طلب رفع حجز ما للمدين لدى الغير (الإشعار للغير الحائز) باعتباره طلبا يكتسى طابع الاستعجال ولا يتعلق بالمنازعة فى الموضوع”([55])، وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام اجتهادات المحاكم الإدارية التى كرست هذا التوجه، مؤكدة اختصاص قاضى الأمور المستعجلة فى رفع الإشعار للغير الحائز كلما كانت المراكز القانونية للأطراف واضحة ([56]).

وقد قضت المحكمة الإدارية بالرباط على أنه: ((حيث يهدف الطلب إلى استصدار أمر برفع الحجز الواقع على حساب الطالب موضوع مسطرة الإشعار للغير الحائز تأسيسا على كون الحجز انصب على حساب الودائع، وكون الطالب بصفته محامى معفى قانونا مني أداء ضريبة اللوحة.

ويختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينوب عنه قانوناً بوصفه قاضيا للأمور الوقتية برفع الحجز المضروب على أموال المدين متي كانت المراكز الواقعية والقانونية للأطراف واضحة إزاء الدين الضريبى أو متى اكتسى هذا الحجز طابعا تعسفيا أو انصب على أموال غير قابلة للحجز وفى غير هاته الحالات يبقى أن البث فى المطالبة برفع الحجز من شأنه المساس بما يمكن أن يقضى به الجوهر، وبالتالى تبقى الدفوعات المثارة حول ذلك غير مؤسسة.

وحيث يؤخذ من ظاهر أوراق الملف ومستنداته أن الطالب غير خاضع للرسوم الجماعية موضوع الحجز مما يبقى مركزه القانونى واضحاً إزاء تلك الرسوم وبالتالى يبقى الحجز الواقع على حسابه عن طريق مسطرة الإشعار للغير الحائز غير مبرر والطلب حول رفعه مؤسس سيما وأن حالة الاستعجال قائمة بالنظر لما يترتب عن مواصلة التنفيذ من تعذر تدارك نتائجه”([57]).

وقد أكدت المحكمة الإدارية بمراكش نفس التوجه حينما اعتبرت أن إدلاء المدعى بما يثبت إشعار الوكالة المودع لديها الحساب المشار إليها، كما أدلى أيضا بما يثبت أن الحساب مفتوح لدى وكالة القرض العقاري والسياحى وكالة جليز المركزية مراكش لحساب الزبناء ولفائدة صندوق الإيداع والتدبير بصفته مؤسسة عمومية مودع لديها ومكلفة بتدبير وإدارة هذه الأموال طبقا للاتفاقية المبرمة مع هذه المؤسسة من طرف هيآت المحامين بالمغرب .

وحيث يتضح لذلك أن الحجزٍ واقع على أموال لا علاقة لها بذمة المدعى المطالب شخصياً بما تعتبره جهة التحصيل دينا ضريبياً متخلداً بذمته مما يجعله عديم الأساس قانونا وواقعا”([58]).

هكذا يمكن القول، أن القضاء الاستعجالى قد استقر على اختصاصه فى رفع مسطرة الإشعار للغير الحائز بما يشكله من تهديد حقيقى للذمة المالية للمدين ([59])، وعلى ضوء ذلك يمكن إبداء مجموعة من الملاحظات:

– أن القاضي الإداري الاستعجالي، انتزع اختصاص رفع الإشعار للغير الحائز في إطار القواعد العامة للاستعجال دون حاجة لتقديم الضمانات المنصوص عليه في المادتين 117 و 118 وكذا المطالبة الإدارية طبقا لمقتضيات المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية([60]).

– أن قاضى المستعجلات الإداري احتفظ بشرط الاستعجال إلى جانب شرط عدم المساس بالجوهر، وعوض شرط جدية الطلب، بالمقتضى المتعلق بوضوح الأوضاع القانونية والواقعية للأطراف.

إلا أن هذا الجانب لا يحيل على تعويض شرط الجدية بقدر ماهو نابع من الشرط المتعلق بعدم المساس بجوهر الدعوى، فوضوح الأوضاع القانونية والواقعية للمدين يستشفها قاضى المستعجلات من ظاهر وثائق الملف، فتغنيه بذلك عن المساس بجوهر النزاع .

– أن قاضى المستعجلات حاول وضع قاعدة ثابتة تخوله رفع الإشعار للغير الحائز اختصاصاً أصليا له، حيث حاول حصر مفهوم وضوح الأوضاع القانونية للأطراف من خلال وضعه مجموعة من الحالات المتعلقة بوضوح وضعية المدين تجاه الدين، أو اكتساب الحجز طابعاً تعسفياً، أو وقوع الإشعار للغير الحائز على أموال غير قابلة للحجز.

إلا أن الملاحظة الأساسية التى يمكن إبداءها أن الحالات التى استعرضها القضاء الاستعجالى والتي حاول من خلالها حصر مفهوم وضوح الأوضاع القانونية والواقعية للأطراف، لم تكن بالدقة التى يمكن معها القول أن قاضى الأمور الوقتية قد استطاع تحديد معيار فاصل بين اختصاصه واختصاص قاضى الموضوع فى رفع الإشعار للغير الحائز.

ولعل ذلك ما دفع ببعض الفقه إلى القول بأنه لا يمكن أخذ هذه المقتضيات وتعميمها على جميع الحالات، وإلا سيفضى الأمر إلى تحميل مؤسسة قاضى المستعجلات أكثر مما تحملته بمقتضى القانون، على اعتبار أن تغليب عنصر الاستعجال لا يمكن أن يكون على حساب العنصر الآخر الذي ينعقد به اختصاص قاضى المستعجلات وهو عدم المساس بما يمكن أن يقضى به في الجوهر([61]).

على الرغم من أهمية هذا الاتجاه إلا أنه يبدو متحفظاً فى منح الاختصاص لقاضى المستعجلات على حساب شرط عدم المساس بالجوهر، ونحن نرى بأن رفع الإشعار للغير الحائز ينبغى أن يقترن بحالات الاستعجال القصوى، مراعاة للتوازن بين حقوق الخزينة المالية وحقوق الأفراد، أما حالات الاستعجال العادية يمكن خلالها لقاضى المستعجلات تحوير الطلب نحو وقف الإشعار للغير الحائز دون رفعه.

أما مسألة عدم المساس بالجوهر، فإننا نرى بأنها لازالت تحتاج إلى اجتهاد قضائى مؤسس يضبط المجالات التى يمكن فيها لقاضى المستعجلات الأمر برفع الإشعار للغير الحائز بالنظر لخطورة هذا الإجراء فى إمكانية ضياع حقوق الخزينة فى تحصيل الديون العمومية.

وفى انتظار ذلك، فإننا نساير الرأي الفقهى الذي يعتبر بأن التعامل مع الإشعار للغير الحائز يتم حسب الحالات المعروضة على المحكمة ([62])، أي أنه يخضع إلى السلطة التقديرية لقاضى الأمور المستعجلة، إلا أن هذه السلطة التقديرية لا يمكن أخذها على إطلاقيتها، مادام قاضى المستعجلات محكوم بالمقتضيات العامة للاستعجال، إلى جانب الرقابة العليا لمحكمة النقض على الأوامر الصادرة عن المحاكم الإدارية الأقل درجة.


[1] محمد النجارى، “طلبات إيقاف مسطرة استخلاص الديون العمومية على ضوء مدونة التحصيل الجديدة”، منشورات

المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج، 45-44 ماي- غشت، 2002، ص . 45 .

[2] ظهير 21غشت1935، ج .ر. عدد 9511، منشور بمجله المحاكم المغربية، عدد54،ص.149 .

[3] عبد اللطيف العمرانى، مراد الخروبى، الإصلاح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب والديون العمومية، المجله المغريبة للإدارة المحلية والتنمية،”مواضيع الساعة”، عدد22، الطبعة الاولي،2000، ص.8.

[4] Stéphane Rezek, La pratique du contentieux de l’avis à tiers détenteur, LITEC, 2001, p. 3.

[5] المادة 1 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

[6] محمد قصرى، “المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء الإدارى “، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسله” مؤلفات وأعمال جامعية”، عدد 62 سنة 2005، ص. 166.

[7] مريم الجوهرى، المنازعات الضريبية في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، وحدة قانون العمال والمقاولات، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال الرباط، السنة الجامعية 2003-2004، ص. 67.

[8] المحكمة الإدارية بالرباط، حكم رقم 40، ملف رقم 33/95 بتاريخ 1995/6/21 ، أورده عبد الرحيم بشكار، مرجع سابق، ص.75.

[9] المحكمة الإدارية بمكناس، ملف عدد 25-95 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 14-15، مرجع سابق ،ص .89

[10] عبد الرحيم بشكار، إيقاف الدين الضريبي في المنازعة الجبائي، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية

الحقوق السويسى الرباط، ص. 76.

[11] محمد بيصة، “المنازعات فى قانونية قرارات الإدارة المكلفة بربط الضريبة بين دعوى الإلغاء وطعون القضاء الشامل”، أطروحة الدكتوراه فى الحقوق، جامعة الحسن الثانى، كلية الحقوق، الدارالبيضاء، السنة الجامعية 2003-2004 ص. 407.

[12] محمد شكيرى، آليات تأجيل الوفاء بالدين الضرينى بالمغرب بين إرادة المشروع واجتهاد القضاء، مرجع سابق، ص. 105.

[13] قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، عدد193، الملف الإدارى عدد 98/5/913 بتاريخ 99/2/18

[14]Franck Delacroix, Guide pratique du contentieux fiscal, Les éditions d’organisation, 2003, p. 148.

[15] هداية الله، القضاء المستعجل في القانون المغربي، دون ذكر دار النشر، الطبعة الأولى،1998، ص. 79.

[16] عبد الغنى بسيونى عبد لله، وقف تنفيذ القرار الإداري في أحكام القضاء الإداري، منشورات الحلبى الحقوقية، الطبعة

الثانية، بيروت، لبنان، سنة 2008.

[17] المحكمة الإدارية بمكناس، امر رقم 6/2009/1س، ملف رقم 1/209/1س، بتاريخ 27/1/2009 (غير منشور).

[18] محمد شكير، “آليات تأجيل الوفاء بالدين الضريبي بالمغرب بين إدارة المشروع واجتهاد القضاء الاداري “، المجله المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة دراسات، ص.109.

[19] قرار رقم207 ، ملف رقم6.2.08 ، بتاريخ 2008/5/7 (غير منشور).

[20] أمر رقم 80/2009، ملف رقم 76/1/2009، بتاريخ 20/05/2009(غير منشور).

[21] المحكمة الإدارية بفاس، أمر رقم2008/177، ملف رقم 2008/1/187 بتاريخ 2008/12/23 (غير منشور).

[22] عبد الرحمان أبليلا، الأوامر القضائية المتعلقة بوقف تنفيذ التحصيل الجبري للديون الضريبة، (المنازعات الانتخابية والجبائية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، خمسون سنة من العمل القضائى”، الندوة الجهوية السادسة، الرباط 11-10 ماى، ص. 443.

[23] الفصلين 49 و50 من الدستور المغربى، ج ر عدد 5964 بتاريخ 30 يوليو 2011.

[24] هداية الله، القضاء المستعجل فى القانون المغربى، دون ذكر دار النشر، سنة1998 ، ص. 83.

[25] المحكمة الإدارية بمكناس، أمر رقم 1/2009/48 س، ملف رقم 46/2009أس، بتاريخ 2009/04/28 . (حكم غير منشور).

[26] القرار عدد532، الملف الإدارى عدد 2003/2/4/258 المؤرخ فى 2006/06/21 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 67، مطبعة الأمنية، الرباط، يناير2007، ص. .296

[27] المحكمة الإدارية بالرباط، أمر رقم 06، ملف رقم 08/934 س بتاريخ 14/1/2009(غير منشور).

[28] المحكمة الإدارية بالرباط، أمر رقم 508 ، ملف رقم 09/1/260 بتاريخ 2009/04/08 (غير منشور).

[29] المحكمة الإدارية بالرباط، أمر رقم521 ، ملف رقم 09/1/302 بتاريخ 2009/04/29 (غير منشور).

[30] مصطفى التراب، “المنازعات الجبائية في ظل المحاكم الإدارية”، المجلة المغربية للإدارية المحلية والتنمية، العدد الرابع، الرباط1996 ، ص .79.

[31] Franck Delacroix, Guide pratique du contentieux fiscal, Les éditions d’organisation, 2003, p. 148.

[32] المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، أمر رقم 119 ملف عدد 2008/1/26 بتاريخ 2008/04/15.

[33] محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، أمر رقم2009/80 ، ملف عدد 2009/1/76 بتاريخ 2009/05/20 (غير منشور).

[34] المحكمة الإدارية بأكادير أمر رقم2009/09 ، ملف رقم 2009/07 س، بتاريخ 2009/2/3 (غير منشور).

[35] المحكمة الإدارية بمكناس، أمر رقم 1/2009/6 س، ملف رقم 1/2009/1 س بتاريخ 2009/01/27 (غير منشور).

[36] محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، أمر رقم 249 ملف عدد 131.9.07 بتاريخ 2009/01/27 (غير منشور).

[37] محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، قرار رقم 207 ، ملف عدد 6/2/08، بتاريخ 7/05/ 2008(غير منشور).

[38] عبد الرحيم أبليل، ورحيم الطور، تحصيل الضرائب و الديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة، مطبعة الأمنية،

سنة 2000، ص . 116.

[39] عبد الرحمن أبليلا ورحيم الطور، مرجع سابق، ص. 118.

[40] محمد قصرى، مرجع سابق، ص. 162.

[41] المحكمة الإدارية بفاس، أمر رقم2008/204 ، ملف رقم 2008/1/168 بتاريخ 2008/12/31 (غير منشور).

[42] المحكمة الإدارية بالرباط، أمر رقم508 ، ملف رقم 09/1/260 بتاريخ 2008/04/08 (غير منشور)

[43] المحكمة الإدارية بمكناس، أمر رقم 001 /2008/164 ملف رقم 1 /2008/161 س، بتاريخ2008 /11 /11 ، (غير منشور).

[44] عبد الحميد الحنودى، تحصيل الديون العمومية في التشريع والقضاء المغربي، أطروحة لنيل الدكتوراه فى القانون العام، جامعة محمد الخامس كلية الحقوق أكدال الرباط، السنة الجامعية 2006، ص. 227.

[45] المحكمة الإدارية بمكناس، أمر رقم 1/2009/6 س، ملف رقم 1/2009/1س بتاريخ 2009/01/27 (غير منشور).

[46] عبد الرحمن أبليلا ورحيم الطور، مرجع سابق، ص .79.

[47] Stephan Rezek,la pratique du contentieux de l`avis a`tiers de’tenteur,litec,2001,p.35.

[48] عزيز بودالى، مدى اختصاص قاضى المستعجلات بالنظر في طلب رفع الإشعار للغير الحائز الذي يوقعة القابض أم أن الأمر بمنازعه موضعية تخرج عن نطاق اختصاصه، مرجع سابق، ص. 114.

[49] مصطفى التراب، مدى المقاربة والمفارقة بين الحجز لدى والإشعار لغير الحائز، مرجع سابق، ص. 134.

[50] المحكمة الإدارية بمكناس، أمر رقم 1/2009/43س، ملف رقم 1/2009/39 بتاريخ 2009/04/14 (غير منشور).

[51] محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، قرار رقم 142، بتاريخ 9/4/2008 ملف رقم 07.2.67 بتاريخ 9/4/2008.

[52] محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، قرار رقم 90، بتاريخ 2009/06/03 ملف رقم 1.09.04 (غير منشور)

[53] فى نفس الاتجاه، المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، أمر رقم، بتاريخ 2009/06/09 ملف رقم 2009/1/176 ( منشور).

[54] قرار عدد 409 بتاريخ 2006/05/15 فى الملف رقم 2003/2/4/1441 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 67، ص. 277.

[55] قرار عدد156 الملف الإدارى رقم 2180/4/2/2002 (أورده الأستاذ محمد القصرى، مرجع سابق، ص. 412).

[56] مصطفى التراب، مرجع سابق، ص. 136.

[57] المحكمة الإدارية بالرباط، أمر رقم529 ، ملف رقم 09/1/370 بتاريخ 2009/05/06 (غير منشور).

[58] المحكمة الإدارية بمراكش، أمر رقم 34، ملف رقم 2009/1/34 بتاريخ 2009/03/24 (غير منشور).

[59] محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، قرار رقم176، ملف رقم 2008/2/11 بتاريخ 2008/04/16 (غير منشور).

[60] محكمة الاستئناف الإدارية، قرار عدد866، بتاريخ 2007/11/19 منشور بالمجلة المغربيه للإداره المحليه والتنمية ماى-يونيو، عدد 80، 2008، ص. 260.

[61] مصطفي التراب، مرجع سابق، ص.137.

[62] عزيز بودالى، “مدى اختصاص قاضى المستعجلت بالنظر فى طلب رفع الشعار للغير الحائز الذى يوقعه القابض أم أن الأمر يتعلق بمنازعة موضوعية تخرج عن نطاق اختصاصه “، مجلة المحاكم الإدارية، عدد3، ماي، سنة 2003، ص.119.

الأكثر رواجًا