الأستاذ النقيب الطيب بن لمقدم

محام بهيئة الرباط (الخميسات)

Email : benlamkaddem1947@gmail.com

 

مقدمة:

إن الطعون ضد الأحكام والقرارات القضائية بجميع أنواعها من طعون عادية وطعون غير عادية وطعون استثنائية ([1])، لا تمارس أمام القضاء إلا مرة واحدة، سواء في ظل التشريع الذي لا يسمح بأكثر من مرة واحدة للطعن (المبحث الأول) أو في ظل الاجتهاد القضائي الذي كرس هذه القاعدة في مختلف الطعون (المبحث الثاني). وهذه القاعدة تقوم على اصل جوهري من قانون المسطرة المدنية يهدف الى استقرار الأحكام ووضع حد للتقاضي.

المبحث الأول: ممارسة الطعون مرة واحدة في ظل التشريع:

فبالرغم من أن المشرع المغربي في قانون المسطرة المدنية أورد نصا يتيما على هذا المنع بشأن ممارسة طرق الطعن وهو الفصل 133 من قانون المسطرة المدنية في ما يخص عدم قبول تعرض جديد من الشخص المتعرض الذي حكم عليه غيابيا مرة ثانية، إلا أنه يمكن الإشارة في هذا الصدد الى أن هذه القاعدة اتسعت دائرتها نوعا ما بصدور قانون المسطرة الجنائية الجديد ([2]) بحيث ورد النص على هذه القاعدة في مجال الطعن بالتعرض حيث نصت الفقرة 5 من المادة 394 منه على انه لا يقبل التعرض على الحكم بناء على تعرض سابق، وكذلك وردت القاعدة بشان الطعن بالنقض في المادة 531 من نفس القانون حيث جاء فيها أنه لا يمكن لأي سبب ولا بناء على أية وسيلة للطرف الذي سبق رفض طلبه الرامي الى النقض، أن يطلب من جديد نقض نفس القرار.

ومن آثار قاعدة عدم جواز تعرض على تعرض آخر هو انه في حالة وقوعه فانه يكون للمحكمة ان تبت فيه اذا تعذر تسليم الاستدعاء للمتعرض ويصدر حكم المحكمة بمثابة حضوري؛ فقد ذهبت محكمة النقض الى ان: “تعرض المحكوم عليه على الحكم الغيابي، وتعذر تسليمه الاستدعاء، وكذا استدعاؤه في موطنه وتعيين قيم في حقه، يوجب على المحكمة أن تناقش موضوع القضية في غيبة المتهم وتصدر حكما بمثابة حضوري، على أساس انه لا يجوز التعرض على التعرض”([3]).

وفي مجال التشريع المقارن نلاحظ أن تشريع بعض الدول العربية قد وسعت من دائرة هذه القاعدة .. فالتشريع المصري نص في المادة 247 من قانون المرافعات المدنية على أن الحكم الذي يصدر برفض الالتماس أو الحكم الذي يصدر في موضوع الدعوى بعد قبوله لا يجوز الطعن في أيهما بالالتماس ([4]). ونص في المادة 272 من نفس القانون على أنه لا يجوز الطعن في أحكام محكمة النقض بأي طريق من طرق الطعن. أما التشريع السوري فقد حذا حذو التشريع المصري بشأن توسيع هذه القاعدة، فنص في المادة من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه لا يجوز طلب إعادة المحاكمة بشأن الحكم الذي يصدر برفض طلب إعادة المحاكمة أو الحكم في موضوعه.

هذا وان كل من القضاء المصري والسوري قد طبق القواعد القانونية المنصوص عليها والمشار اليها آنفا بشان قاعدة عدم جواز الطعن بالتماس إعادة النظر مرة ثانية؛ حيث قضت محكمة النقض المصرية من أن قاعدة عدم جواز الطعن بالتماس إعادة النظر في الحكم الذي سبق الطعن فيه بهذا الطريق هي قاعدة أساسية واجبة الإتباع على إطلاقها ولو لم يجر بها نص خاص في القانون، وتقوم على أصل جوهري من قواعد المرافعات يهدف الى استقرار الأحكام ووضع حد للتقاضي ([5]). وفي قرار آخر لها جاء فيه من أن ما تقضي به المادة 247 من قانون المرافعات من أن الحكم الذي يصدر برفض الالتماس وكذلك الحكم الذي يصدر في موضوع الدعوى بعد قبول الالتماس لا يجوز الطعن فيها بطريق التماس إعادة النظر مرة ثانية حتى لو كان الطعن الثاني مبنيا على أسباب جديدة، يفيد أن ما حظره المشرع هو رفع التماس بعد التماس وفيما عدا ذلك يترك أمر الطعن في الأحكام الصادرة في الالتماس للقواعد العامة ([6]). وقضت محكمة النقض السورية من أن إعادة المحاكمة طريق استثنائية من طرق الطعن لا يسوغ سلوكها ثانية ولو ظهرت أسباب جديدة لعدم جواز تعدد طريقة الطعن عن ذات الحكم ([7]).

وكذلك فإن المادة 301 من قانون الإجراءات الجنائية القطري؛ لا تجيز للطاعن الذي رفض طعنه موضوعا أن يرفع طعنا آخر عن الحكم ذاته لأي سبب ما. وفي هذا الصدد فقد حكمت محكمة التمييز القطرية من أنه:” يترتب على رفض طعن الطاعن موضوعيا عدم جواز رفعه طعنا آخر عن الحكم ذاته لأي سبب “([8]).

أما في مجلة المرافعات المدنية والتجارية التونسية ([9])، فقد ورد النص في الفصل 164 بشأن الالتماس بإعادة النظر بحيث أن الحكم الذي يصدر برفض الالتماس والحكم الذي يصدر برفض الدعوى بعد قبوله لا يجوز الطعن فيهما بالالتماس. كما جاء الفصل 196 منها بشأن الطعن بالتعقيب على أنه من رفض طعنه في حكم ليس له أن يقوم بالطعن في نفس الحكم مرة ثانية ولو كان أجل الطعن ما زال ممكنا أو كان طعنه قد رفض شكلا.

وفي التشريع الفرنسي فقد نصت المادة 578 من القانون الجديد للمسطرة المدنية على عدم قبول أي تعرض جديد ضد الحكم. وكذلك لا يمكن الطعن من جديد بطريق تعرض الغير الخارج عن الخصومة ضد نفس القرار طبقا لما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 603 من قانون المسطرة المدنية الجديد أيضا.

المبحث الثاني: ممارسة الطعون مرة واحدة في ظل الاجتهاد القضائي:

ان القضاء المغربي كرس قاعدة ان الطعن بعد الطعن لا يجوز بالنسبة لمختلف طرق الطعن:

كالطعن بالاستئناف والطعن بالنقض والطعن بإعادة النظر والطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة والطعن بالاستئناف الفرعي.

ويمكن تطبيق هذه القاعدة على سبيل القياس بالنسبة لباقي أنواع الطعون الأخرى كالطعن بالاستئناف المقابل والطعن بالإحالة في قضاء الجماعات والمقاطعات، والطعن بالإحالة على محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) لتجاوز القضاة سلطاتهم، والإحالة لمخالفة الحكم للقانون أو لقواعد المسطرة، وذلك بالرغم من اعتبار إحدى المحاكم الاستئنافية، إن هذه القاعدة تعبر فقط عن وجهة نظر وتبقى قابلة للنقاش حول صحتها أو خطئها ([10]).

1 في الطعن بالاستئناف:

في قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) بتاريخ 23/2/1977 قررت فيه من أن طرق الطعن في الأحكام لا تمارس إلا مرة واحدة وأضاف فيما يخص الطعن بالاستئناف أن الشخص الذي خسر الطعن بالاستئناف في حكم ما بسبب عدم احترام شروط القبول – عدم بيان أسباب الاستئناف – لا يجوز له أن يعود الى استئناف نفس الحكم من جديد بمقال مستوفي للشروط، والمحكمة عندما تقبل استئناف حكم سبق التصريح بعدم قبول استئنافه تكون قد خرقت قاعدة جوهرية تتعلق بممارسة طرق الطعن في الأحكام ([11]).

كما قررت محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) من أن عدم جواز الطعن بالاستئناف مرة ثانية مشروط بما اذا كانت هناك وحلة الطعنين شكلا وموضوعا ([12]).

وتجدر الملاحظة في هذا الخصوص أن المجلس الأعلى خالف قاعدة عدم جواز الطعن مرة ثانية بخصوص الطعن بالاستئناف، وذلك عندما قرر ولاحظ عدم تبليغ الحكم المطعون فيه بالاستئناف للمرة الأولى، كما لاحظ أن الطعن بالاستئناف مرة أخرى يقدم ضد من كان خصما له مرحلة الاستئناف الأولى، حيث جاء قراره كما يلي: ” لكن حيث تبين من تنصيصات القرار أنه ليس في الملف ما يفيد تبليغ الحكم المستأنف الى المستأنف لذا فان اجل الاستئناف يبقى مفتوحا في وجهه الى أن تنصرم مدة ثلاثين يوما من تاريخ التبليغ طبقا للفصل 134 من قانون المسطرة المدنية، وما دام أن التبليغ طبقا للفصل 134 من قانون المسطرة المدنية قدم داخل أجله القانوني ويكون مقبولا أيضا حتى ولو رفعه للمرة الثانية ما دام أن استئنافه الأول لم يرفعه ضد من كان خصما له في الدعوى، لهذا تكون محكمة الاستئناف عندما قضت بقبول الاستئناف قد طبقت الفصل 134 م.م ولم تخرقه ([13]).

وتطبق أيضا قاعدة ” الطعن بالاستئناف في الأحكام لا تمارس إلا مرة واحدة ” حتى في حالة وجود مقالين استئنافيين ولو كانا داخل الأجل القانوني. فمحكمة النقض قضت بذلك مؤيدة قرار محكمة الاستئناف ومصرحة بما يلي: “لما ثبت للمحكمة ان الطاعنة تقدمت بمقالين استئنافيين داخل الأجل القانوني للطعن في نفس الحكم وصرحت عن صواب بعدم قبول الاستئناف الثاني المشفوع بطلب إدخال الغير في الدعوى المقرون به شكلا، تطبيقا لقاعدة أن: الطعن بالاستئناف في الأحكام لا يمارس إلا مرة واحدة “، فان قرارها لم يخرق حقوق الدفاع وأتى معللا تعليلا سليما وكافيا ومرتكزا على أساس ([14]).

2- في الطعن بالنقض:

وفي الطعن بالنقض فانه بالرغم من عدم وجود أي نص يمنع تقديم عدة طلبات للنقض من نفس الطرف ما دام القرار المطعون فيه لم يبلغ بعد، وما دام لم يصدر بعد أي قرار عن المحكمة بخصوصه ([15]) فان محكمة النقض قررت أن الطرف الذي رفع الى محكمة النقض طلبا بالنقض يستنفذ حقه في استعمال هذه الطريقة من طرق الطعن ولا يجوز له تقديم طلب آخر بالنقض ضد نفس الحكم ([16]). كما قرر أيضا وفي هذا الخصوص من أن الطعن بالنقض لا يسلك إلا مرة واحدة ([17]) يكون إلا مرة واحدة، ويكون الطلب من أجل النقض مرة أخرى تكرارا للطلب الأول المعرض لعدم القبول ([18]). وفي نفس هذا الاتجاه سارت محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) في القرار عدد 4525 الصادر بتاريخ 1998/7/1 ([19]). بل اكثر من ذلك فان محكمة النقض ذهبت الى ان طرق الطعن لا تمارس إلا مرة واحدة من نفس الطرف سواء وقع التبليغ أو لم يقع، وان طلب النقض المرفوع من النيابة العامة استنادا على أنها لم تبلغ بالقرار المطعون فيه يعد تكرارا للطعن الأول الذي بمقتضاه استنفذت الطاعنة حقها في استعمال طلب النقض ضد نفس القرار ([20]). وكذلك الشأن حتى اذا شطبت محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) على القضية بعلة أن مقال النقض المقدم من طرف الطاعن لا يحمل توقيع محاميه، إذ لا يخول له ان يطعن بالنقض ضد نفس القرار مرة أخرى تصحيحا منه للخلل الشكلي الذي شاب طعنه الأول ([21]).

3- في الطعن بإعادة النظر:

وفي ما يتعلق بالطعن بطريق إعادة النظر فانه لا يمكن ممارسة دعوى إعادة النظر إلا مرة واحدة ولا يجوز قبول إعادة النظر في قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) برفض طعن سابق بإعادة النظر لأن القرارات الصادرة من محكمة النقض في إعادة النظر لا تقبل الطعن لانعدام نص يجيز ذلك ([22]). بل حتى وان كان الفصل 379 من قانون المسطرة المدنية يجيز الطعن بإعادة النظر ويحصر الأسباب والحالات الواردة فيه، فإنها تعني فقط القرارات الصادرة في طلبات النقض المقدمة في نطاق الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية لا القرارات الصادرة عن محكمة النقض القاضية برفض طلب إعادة النظر التي سبق للطاعنين أن مارسوا فيها حقهم في الطعن ([23]). هذا وقد سار المجلس الأعلى في نفس هذا الاتجاه حيث قرر عدم قبول الطلب لكونه يتجلى من الملف المرتبط بهذا الملف الحامل لعدد 98/4/1/1833 ان نفس الطالب فيه هو الطالب في هذا الملف قدم مقالا بطلب إعادة النظر والتراجع عن نفس القرار الصادر عن هذا المجلس، لكون الطعن بإعادة النظر لا يمارس إلا مرة واحدة ضد قرار واحد ([24]).

4 في الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة:

أما بالنسبة للطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة فان القضاء المغربي في بداية الأمر كان اتجاهه هو السماح بالطعن عدة مرات؛ على أساس أن الفصل 203 من قانون المسطر المدنية لا يشترط أن يكون هذا الحكم الذي مس بحقوق الغير قد سبق أن تعرض عليه شخص آخر، فلكل من لم يكن طرفا في الدعوى أن يتعرض على الحكم الذي مس بحقوقه ولا يمنع من ممارسة هذا الحق أن يكون قد سبق أحد من الأغيار الى ممارسته ([25]). ولكن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) في قرار حديث لها قررت فيه:” أنه لا يجوز أن يرد طعن على طعن احتراما لاستقرار الحقوق والمراكز القانونية للطرفين .. وذلك أن محكمة الاستئناف مصدرة القرار المطعون فيه التي قضت بعدم قبول طلب تعرض الغير الخارج عن الخصومة بعدما ثبت لها أن الطاعن سبق له أن تقدم بطلب آخر ضد نفس القرار انتهى بعدم قبول الطلب لعدم إرفاقه بالوصل المثبت لإيداع مبلغ الغرامة في حده الأقصى عملا بالفصل 304 من ق.م.م، تكون قد سايرت المبدأ المذكور، اعتبارا منها على أن سبب عدم قبول طلب التعرض الأول راجع لإهمال الطاعن مما لا يجوز معه فسح المجال له لممارسة الطعن على نفس القرار المطعون فيه، فأتى قرارها معللا بما فيه الكفاية ومرتكزا على أساس قانوني سليم ” ([26]).

5- في الطعن بالاستئناف الفرعي:

وفي الطعن بالاستئناف الفرعي قررت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 1999/1/16 من أن الطعن لا يمارس إلا مرة واحدة ومن ثم فانه لا يسوغ تقديم الاستئناف الفرعي بعد تقديم الاستئناف الأصلي ([27]).

هذا وان محكمة النقض بالرباط قضت في هذا الصدد بان: “الاستئناف طريق طعن عادي مخول لكل شخص تضرر من الحكم المستأنف، وإذا مارس الطعن المذكور فلا يمكنه تقديم استئناف فرعي ضد نفس الحكم، إذ لا يحق تقديم استئناف فرعي بموازاة مع استئناف اصلي تطبيقا لقاعدة لا يجوز الطعن ضد الحكم إلا مرة واحدة سواء بمقتضى استئناف أصلي أو فرعي” ([28]).

6- في الطعن بالإحالة على المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) لتجاوز السلطة:

وفيما يخص الطعن ببالة الحكم على المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بطلب من الوكيل العام لدى المجلس الأعلى وبأمر من وزير العدل طبقا للمادة 382 من قانون المسطرة المدنية، فقد قررت محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) بجميع غرفها من أنه: ” لا يجوز لشخص ممارسة الطعن ضد نفس القرار إلا مرة واحدة، لذا يكون مآل الإحالة المرفوعة الى المجلس من طرف الوكيل العام لدى المجلس الأعلى في نطاق الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية قصد الإلغاء لتجاوز القضاة سلطاتهم عدم القبول ([29]).

7- الطعن في قرار النقيب بتحديد الأتعاب:

قرارات تحديد الأتعاب التي يصدرها نقيب هيئة المحامين تكون قابلة للطعن فيها داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغها، وذلك أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف. وهذا الطعن في قرار تحديد الأتعاب لا يمكن مباشرته إلا مرة واحدة.

وهكذا فقد صدر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط أمر قضى بعدم قبول الطعن لكون الطاعنين سبق لهم أن مارسوا إمكانية الطعن في نفس مقرر تحديد الأتعاب وانتهى طعنهم بصدور أمر بعدم قبوله ([30]).كما يكون الطعن أيضا غير مقبول اذا كان طعنا مقابلا وورد بعد صدور الأمر البات في الطعن الأصلي ([31]).

وفي هذا الصدد فإذا قام المحامي بممارسة الطعن في حكم مرتين، لا يشكل ذلك في حد ذاته مخالفة مهنية ([32]).

8- الطعن في مقرر مجلس هيئة المحامين بحفظ الشكاية:

اذا ما صدر عن مجلس هيئة المحامين مقرر ضمني بحفظ الشكاية، وتم الطعن فيه من طرف الوكيل العام أمام غرفة المشورة ثم تنازل عنه، فانه لا يجوز له الطعن في المقرر الصريح الصادر بعد المقرر الضمني والقاضي بنفس الشيء أي بحفظ الشكاية، وذلك عملا بالقاعدة القائلة بان الطعن لا يمارس ضد نفس الحكم إلا مرة واحدة ([33]).

وقرار محكمة الاستئناف هذا تم تأييده من طرف محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) باعتبار أن المقرر الصادر من طرف مجلس الهيئة بحفظ الشكاية، بعد المقرر الضمني الصادر عنه بنفس الشيء، يعتبر كالعدم، وبالتالي يعتبر الطعن المقدم ضده منعدما هو الآخر ([34]).

9- الطعن في قرار الحافظ على الأملاك العقارية:

لقد وسع الاجتهاد القضائي المغربي بشأن تطبيق قاعدة “لا يرد طعن على طعن ” فشملت حتى القرارات التي يصدرها المحافظ على الأملاك العقارية؛ إذ قررت محكمة النقض من أن: ” الطعن في قرار المحافظ العقاري كالطعن في سائر الأحكام لا تمارس من نفس الطرف إلا مرة واحدة، ولا يغير من هذا المبدأ تقديمه لطلب جديد للمحافظ العقاري بخصوص نفس السبب والموضوع لاستصدار قرار آخر منه للطعن فيه داخل الأجل القانوني ([35]).

هذا وقد سارت في هذا الاتجاه المحكمة الإدارية بالرباط إذ قضت بتاريخ 25 يوليوز 2013 من: ” إن صدور حكم نهائي يأمر المحافظ بتسجيل قسمة قضائية نهائية مانع من العودة مجددا للقضاء لإصدار ذات الحكم موضوع الطلب الأصلي، لكون الطعن لا يمارس إلا مرة واحدة ..([36])

خاتمة:

وفي الأخير فانه يمكن اعتماد هذه القاعدة أيضا، على سبيل القياس، بشأن باقي الطعون الاستثنائية؛ كالطعن بالاستئناف المثار والطعن باستئناف مستأنف عليه على مستأنف عليه آخر ([37])، والطعن بالإحالة بالنسبة لأحكام قضاء الجماعات والمقاطعات ([38]) (ف. 20 من ظ 15/7/1974 المتعلق بتنظيم محاكم الجماعات ومحاكم المقاطعات وتحديد اختصاصها) والطعن بإحالة الأحكام على محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) من طرف الوكيل العام لدى محكمة النقض طبقا للفصل 381 من ق.م.م.


[1] أنظر كتابي الطعون المدنية في التشريع المغربي ج 1 مطبعة ديديكوسلا 1996 ص 7وما بعدها.

[2] قانون رقم 22/01 الصادر بتاريخ 2002/10/03 (ج.ر عدد 5078 بتاريخ 2003/01/30 ص 315 وما بعدها).

[3] قرار ع 10/606 بتاريخ 2009/4/15 مجلة القضاء الجنائي ع 2/ 2015 ص 129.

[4] بعض الفقه في مصر اتجه الى القول بأنه من العدل إباحة الطعن بالالتماس في نفس الحكم مرة ثانية لسبب أخر جديد لا يتم اكتشافه إلا بعد صدور الحكم في الالتماس، أو لسبب جديد تكشف بعد صدور الحكم في الالتماس الأول لأن المادة 247 لا تمنع هذا الطعن (احمد أبو الوفا، المرافعات، بند 636 ص 938. احمد مليجي، قانون المرافعات ج 5 ط 8 س 2010 ص 102).

[5] نقض77/1/22 طعن 385 س 42 ق. ذ. أنور طلبة الطعن بالاستئناف والتماس إعادة النظر دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 77 ص 630.

[6] نقض 1977/12/21 طعن 13 س 46ق. أنور طلبة م.س ص 630.

[7] نقض مدني أساس 452 قرار 330 بتاريخ 1963/6/13 قاعدة رقم 1127 ذ. أديب استانبولي قانون أصول المحاكمات المدنية دار الأنوار للطباعة دمشق 1989 ص 278.

[8] حكم ع 219 لسنة 2010 المجلة القانونية والقضائية الصادرة عن وزارة العدل القطرية، ع 2 س 5 دجمبر 2011 ص 480.

[9] قانون عدد 130 لسنة 1959 مؤرخ في 5 أكتوبر 1959 يتعلق بمجلة المرافعات المدنية والتجارية.

[10] قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء غرفة المشورة ع 15/09 بتاريخ 2010/1/8 مجلة رحاب المحاكم ع 5 أبريل 2010 ص 151

[11] قرار ع 141 مجلة المحاماة عدد 13 ص 130.

[12] قرار بتاريخ 1994/3/9 مجلة لإشعاع عدد 11 ص 107.

[13] قرار ع 87/2527 منشور في كتاب د. أحمد زوكاغي. تنازع القوانين من خلال بعض الأحكام الصادرة عن المجلس الأعلى طبع ونشر مكتبة دار السلام الرباط 1998 ص 139 وما بعدها.

[14] قرار ع 2 بتاريخ 2015/2/18 مجلة قضاء محكمة النقض ع 79 س 2015 ص 191.

[15] قرار المجلس الأعلى ع 661 بتاريخ 1988/5/31 مجلة المحاكم المغربية عدد 62 ص 86.

[16] قرار ع 74 بتاريخ 1972/3/31 مجلة المحاكم المغربية عدد 122 ص 53.

[17] قرار ع 872 بتاريخ 1996/2/7 قانون المسطرة المدنية في العمل الفقهي والاجتهاد القضائي، منشورات مجلة الحقوق ع 1 س 09 ص 383.

[18] قرار المجلس الأعلى ع 3744 بتاريخ 1997/6/17 مجلة رسالة المحاماة عدد 15 ص 88.

[19] مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 56 ص 124.

[20] قرار المجلس الأعلى ع 107،2007 النشرة الإخبارية للمجلس الأعلى ع 19 بتاريخ دجمبر 2008 ص 14.

[21] قرار ع 2514 بتاريخ 2010/6/1 نشرة قرارات محكمة النقض الغرفة المدنية ع 9 س 2012 ص 45.

[22] قرار المجلس الأعلى بتاريخ 1978/11/25 مجلة المحاكم المغربية 22 أكتوبر-نوفمبر 81 ص 67.

[23] قرار المجلس الأعلى بغرفتين عدد 3251 بتاريخ 2014/11/10 مجلة قضاء المجلس الأعلى ع 63 ص 366.

[24] ادريس بلمحجوب، قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف، مطبعة الأمنية، الرباط 2006 ج 4 ص 107.

[25] قرار المجلس الأعلى ع 1695 بتاريخ 1990/6/25 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ص 20.

[26] قرار المجلس الأعلى ع 1205 بتاريخ 29/10/2003 المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات عدد 5 ص 108.

[27] قرار ع 11888 مجلة المحاكم المغربية عدد 84 ص 173.

[28] قرار ع 638 بتاريخ 2011/4/28 مجلة قضاء محكمة النقض ع 74 س 2012 ص 197.

[29] قرار المجلس الأعلى ع 982 بتاريخ 1998/10/28 قرارات المجلس الأعلى بغرفتين، ادريس بلمحجوب م. س ص 33.

[30] أمر ع 76 بتاريخ 27/12/2005 في الملف عدد 39/5/3 (غير منشور).

[31] أمر الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط ع 3 بتاريخ 30/1/2005 في الملف ع 53/5/3 (غير منشور).

[32] قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ع 15/09 بتاريخ 8/1/2010 مجلة رحاب المحاكم ع 5 أبريل 2010 ص 151.

[33] قرار محكمة الاستئناف بمراكش ع 418 بتاريخ 25/2/2009 مجلة المحامي ع 53 يوليوز 2009 ص 188.

[34] قرار ع 999 بتاريخ 25/11/2009 مجلة المعيار ع 48 دجمبر 2012 ص 194.

[35] قرار محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) ع 1677 بتاريخ 12/4/2011 مجلة محكمة النقض ع 74 ص 107.

[36] انظر موقع www.marocdroit.comتاريخ الاطلاع في 16/9/2013.

[37] للمزبد من التفاصيل حول الاستئنافات العارضة يراجع كتابنا أبحاث وتعاليق قانونية مطبعة النجاح الجديدة الرباط 89 ص 233.

[38] لقد تم إلغاء قانون الجماعات والمقاطعات وحل محله قانون القرب الصادر في 2011/8/17 (ج.ر. عدد 5975 في 2011/9/5).

الأكثر رواجًا