أ. سعيد المستفيد

خبير بالوكالة الوطنية لتقنين المواصلات

وأستاذ زائر بمدرسة علوم الإعلام

الرباط، المغرب

المستخلص

تعد إدارة المعرفة، على مستوى المؤسسات، بما فيها الإدارة العمومية، مدخلاً أساسياً لتطوير فعالية أدائها.
ذلك أن نجاعة كل مؤسسة هي رهينة جودة خدماتها. وهي جودةٌ تقوم على توفر عدد من الشروط، التي تكمن، بشكل أساس، في بنية المؤسسات، ومستويات التخصصات، وكذا القدرات والمعلومات، والمعارف المتوفرة لديها.

وتتأسس أهمية تدبير المعرفة على أهمية المعرفة ذاتها بوصفها دعامة أساسية لتطوير المؤسسات، بشكل خاص، والبلدان بشكل عام، عبر ما توفره من تكوين ملائم، وولوج واستعمال أمثل للمعلومات والمعارف، وغير ذلك.

ووعياً منها بهذا المعطى، عملت العديد من الدول على إطلاق سياسيات لتدبير المعارف على مستوى إداراتها العمومية. وتحتفظ هذه الاستراتيجيات بتباينات، سواء على مستوى مجال اشتغالها، أو الفاعلين المتدخلين في وضع تصوراتها وتطبيقها.
وعلى مستوى المغرب، عملت مجموعة من المؤسسات الإدارية، خلال السنوات الأخيرة، على إطلاق مبادرات في هذا الإطار. غير أن هذه أن المبادرات، التي نادراً ما تنبثق من أعلى هرم كل مؤسسة، تفتقر إلى رؤيا شاملة، وتظل مشاريع محدودة المجال والاشتغال.

وتحاول هذه المساهمة توضيح إيجابيات بلورة “سياسة” عامة لتدبير المعرفة، بالنسبة لأي دولة، وذلك من خلال تأكيد ضرورتها وإسهاماتها في تطوير فعالية الإدارة العمومية.

مقدمة منهجية:

يعيش العالم في خضم تحولات متسارعة تفرض على المنظمات الانتباه، ومتابعة هذه التحولات بشكل مستمر لما لها من تأثير على نظم العمل والأسواق والمبادلات. وتؤدي تكنولوجيا المعلومات دوراً كبيراً في تسريع وتيرة هذه التحولات.

وللمحافظة على تنافسيتها، تسعى منظمات الأعمال إلى اعتماد نظم ونماذج جديدة للإدارة والتدبير. وقد تبعتها في ذلك المنظمات الحكومية.
ووعياً منها بأهمية المعرفة في دعم تنافسيتها، اعتمدت منظمات الأعمال نظماً لإدارة المعرفة. وأثبتت هذه الإدارة نجاعتها في تحسين جودة السلع والخدمات. أما المنظمات الحكومية فلم تبدأ من جهتها بالاهتمام بإدارة المعرفة إلا منذ سنوات قليلة، وطرح اعتماد هذه الإدارة تساؤلات عن مدى قدرة المنظمات الحكومية على استيعاب، وملائمة نظم وآليات إدارة المعرفة لتكون ذات إضافة لهذه المنظمات.

وتسعى هذه المداخلة إلى مقاربة هذه الإشكالية من خلال توضيح لمفاهيم إدارة المعرفة، ونظمها وآلياتها والمتدخلين فيها. كما تهدف إلى دراسة وضعية تنفيذ هذه الإدارة بالمنظمات الحكومية، واقتراح أفكار لملاءمتها مع احتياجات هذه المنظمات.
واعتمدت هذه المداخلة منهجية انبنت في الأساس على دراسة الأدبيات الحديثة في هذا المجال، وكذا على دراسة تجارب المنظمات الحكومية ببعض الدول، وعلى استحضار خلاصات بعض الدراسات التي تناولتها.

من المعرفة إلى إدارة المعرفة:

المعلومات والمعرفة:

من البيانات إلى المعرفة:

لا زال الحديث عن إدارة المعرفة مرتبطاً لدى الكثيرين من المسيرين وأصحاب القرار بإدارة المعلومات. وإذا كان هذا الارتباط وثيقاً، فان فرقاً بين المفهومين يجب تبيينه وإيضاحه لإعطاء إدارة المعرفة مكانتها، وحجمها الحقيقيين. وينطلق تبيان الفرق من تحديد ثلاثة مفاهيم أساسية ومن توضيح التباينات بينها وهي: البيانات، المعلومات والمعرفة.

تتمثل البيانات في مجموعة الحقائق الموضوعية الخام (إحصائيات، أرقام، وقائع، إلخ…). ويمكن لهذه البيانات أن تكون كمية (quantitaive) أو كيفية (qualitative). أما المعلومات فهي حصيلة معالجة البيانات التي يتم جمعها وتنظيمها وتحليلها، واستخلاص النتائج منها. (محمد قاسم أحمد، 2005).

يمكن القول إذاً: إن المعلومات هي مجموعة بيانات منظمة. وقد حاول بعض الباحثين التعبير عن العلاقة بين البيانات والمعلومات بالمعادلة التالية: I=d+k ( I= المعلومة، d = البيانات، k= السياق Context )1.

أما المعرفة فيمكن اعتبارها المعلومات التي تم فهمها وتحليها واستيعابها واستعمالها لإنجاز فعل معين. فالمعرفة إذاً لا تعني فقط الشيء الظاهر الملموس، مثل : البيانات والمعلومات، بل تشمل إضافة إلى ذلك المهارات والخبرات الشخصية والتفسيرات والتحليلات والاستنتاجات التي يضيفها الأفراد، والجماعات لتلك المعلومات، وما يضيفه السياق العام للموضوع إليها من معان ودلالات .2
وقد حاول Prax التعبير عن العلاقة بين المعلومات والمعرفة بالمعادلة التالية :C=I*U (C= المعرفة، I= المعلومات، U= الاستعمال ). 3

ويمثل الرسم البياني التالي العلاقة بين المفاهيم الثلاثة: البيانات والمعلومات والمعرفة.

وكما يتضح من خلال الرسم البياني، فأهمية المعرفة تتجلى في كونها مرتبطة بسياق معين وتعتمد في اتخاذ القرارات السليمة والصائبة. لكن المعرفة لوحدها لا تكفي لاتخاذ القرارات المناسبة، فالذكاء الفردي والجماعي وكفاءة العاملين مكملان للمعرفة.

عناصر المعرفة: المعرفة الضمنية والمعرفة الظاهرة:

بحسب نوناكا وتاكوشي، تتكون المعرفة من عنصرين أساسيين، هما: المعرفة الضمنية أو الخفية، Tacit Knowledge والمعرفة الظاهرة أو المقننة Explicit knowledge.

المعرفة الضمنية: وهي مرتبطة بالشخص، وتتمثل فيما يملك من مفاهيم، قيم، أنماط تفكير، حدس، قدرات فكرية، أسرار المهنة، إلخ. وهي محفوظة في ذاكرة الفرد، ولكنها غير موثقة ولا مقننة، ويصعب بالتالي نقلها وتحويلها للآخر. وتتسم هذه المعارف بطبيعتها غير الملموسة Intangible. 4

ومن أهم الأسباب التي تقف عائقاً في وجه نقل هذه المعارف وتوثيقها عدم استعداد أو رغبة العاملين في إطلاع غيرهم على معارفهم انطلاقاً من مبدأ التنافس فيما بينهم ووجود إجراءات داخل التنظيم تعيق التعاون بين الأفراد وعدم معرفة الجهات المختلفة لحاجة الجهات الأخرى للمعلومات الموجودة، إلخ.. 5 

المعرفة الظاهرة: وتتمثل في كل المعارف التي تم تجميعها وتحويلها، ويسهل بالتالي نقلها وتحويلها لإعادة استعمالها. وهي تتشكل مما يتوفر داخل المنظمات من بيانات ومعلومات على شكل سجلات، ووثائق وسياسات وتعليمات وإجراءات وطرق، وقواعد عمل موثقة في كتيبات، وأدلة عمل متاحة للأفراد داخل المنظمة، ويمكن الاطلاع عليها بشكل فردي أو جماعي.

حركية المعرفة:

يعد نوناكا وتاكوشي أن تطور المنظمات وتحقيقها لنتائج متميزة مرتبط بقدرتها على استثمار معارفها وبالدينامكية الناتجة عن تبادل المعارف الضمنية والظاهرة. ويحدد الباحثان أربعة طرق للتفاعل بين المعارف الضمنية والظاهرة.

التنشئة والمشاركة Socialization: وتتمثل هذه العملية في تمكين الأفراد داخل التنظيم من الخبرات والمعارف المتوفرة، ويتم ذلك بطرق متعددة كحلقات النوعية والتعليم الموجه والتقليد، إلخ.

استيعاب وهضم المعرفة Internalization: وتتمثل هذه العملية في تحويل المعارف الظاهرة إلى معارف ضمنية من خلال استيعاب المعارف الظاهرة المتوفرة، واستعمالها مما يخلق معارف جديدة. وهذه العملية هي نتاج لاستعمال عملي للخبرات والمعارف.

التجميع والتركيب Combination: وتتمثل في تجميع وتنظيم وتصنيف المعارف الموجودة (على شكل قواعد للمعلومات مثلاً) مما يسهل الوصول إليها وإعادة استعمالها.

تجسيد وإظهار المعرفة Externalization: وتتمثل هذه العملية في إظهار المعارف المكتسبة من طرف الفرد عملياً، وبصورة واضحة للجميع، وفي صيغة يمكن للجميع فهمها واستيعابها.

ويمثل الرسم البياني التالي هذه العمليات كما حددها نوناكا وتاكوشي:

المعرفة والكفاءة:

تمثل الكفاءة القدرة على شحذ واستعمال المعارف بشكل فعال في سياق معين، وذلك لإنجاز عمل ما 6.

فالكفاءة إذاً مرتبطة بالفعل، وهي في الوقت ذاته تستلزم المعرفة. فالشخص الكفء لديه المعرفة، أوله القدرة على الحصول عليها، لكنه بالإضافة إلى ذلك قادر على استثمارها، واستعمالها بشكل فعال لإنجاز عمل ما.

إدارة المعرفة:

تعريف إدارة المعرفة:

تختلف تعريفات إدارة المعرفة التنظيمية حسب الباحثين والمنظمات باختلاف مرجعيتهم، ومجال عملهم.
لكن الجميع يتفق حول ثلاثة عناصر أساسية : 7
– إدارة المعرفة منظومة لتدبير الأفكار، الممارسات، التجارب والمعلومات التي يطرحها العاملون أثناء مزاولة
مهامهم.
– إدارة المعرفة تسعى إلى تدبير خلق وإغناء و”رسملة ” ونشر المعرفة داخل المؤسسة.
– إدارة المعرفة كمنظومة تفترض جمع المعرفة حيث يتم خلقها، وتبادلها بين العاملين لتطبيقها في عمليات الإنتاج داخل المنظمة.
فإدارة المعرفة هي عملية منظمة للبحث عن المعلومات واختيارها وتنظيمها وتصنيفها بطريقة تزيد من مستوى فهم العاملين لها وتخزينها بشكل يحسن مستوى ذكاء المنظمة، ويوفر لها المرونة اللازمة في العمل، ويحافظ على الأصول الفكرية من الضياع، ويسهل عملية الاستفادة منها في حل مشكلات العمل، وفي التعليم والتخطيط الإستراتيجي واتخاذ القرارات، وفي التعلم من الخبرات. 8وتعتمد منظومة إدارة المعرفة على عناصر متعددة: سيرورة عمليات تدبير المعرفة، والمتدخلين في تدبير المعرفة، وثقافة نشر وتبادل المعرفة. ويفترض الإلمام بهذه المنظومة والإحاطة بهذه العناصر المكونة لها.

عناصر إدارة المعرفة:

– سيرورة إدارة المعرفة : وتبدأ سيرورة العمليات هذه بالبحث عن المعرفة، ثم اختيارها، فتصنيفها وتنظيمها لتسهيل نشرها وتبادلها، ومن ثم استعمالها. ويبقى الهدف الأساسي هو إعادة استعمال المعرفة لإنتاج معرفة جديدة هي نتاج لتلاقح المعارف واستعمالها الميداني. ويبين الرسم التالي سيرورة العمليات في منظومة إدارة المعرفة:

– خلق وإنعاش ثقافة المعرفة: لا يمكن الحديث عن إدارة المعرفة داخل المنظمات والمؤسسات من دون خلق وتكريس ثقافة مؤسساتية تعتمد المعرفة أساساً لتطوير الأعمال. لذا على مسيري المنظمات نشر ثقافة تجعل من المعرفة نشاطاً محورياً وليس نشاطاً ترفياً. كما على المنظمة تجاوز الفكرة الرائجة القائلة “إن المعرفة هي أداة أدوات السلطة والرقابة ولا مجال لمشاركة فيها”9. ولعل هذا التحول في ثقافة المؤسسة يشكل تحدياً كبيراً للمؤسسات الراغبة في تدبير معارفها، لكنه يبقى تحولاً ضرورياً لإنجاح تدبير المعرفة داخل كل مؤسسة.

– ضرورة الاهتمام بتقييم الأصول المعرفية التنظيمية، Intangible Assets Measurement: حيث بدأ المحللون منذ سنوات قليلة إدخال الأصول المعرفية الملموسة إلى جانب الأصول المادية في تقييم المؤسسات.
وتشكل الأصول المعرفية غير الملموسة ما يسميه العديد من الباحثين برأس المال الفكري Intellectual Capital 01.

ويقسم Sveiby رأس المال الفكري لمنظمات الأعمال إلى ثلاثة مكونات أساسية هي11:
• العلاقات الخارجية للمنظمة External Structure.
• العلاقات الداخلية للمنظمة Internal Structure.
•الكفاءات الفردية Individual Structure.

وتجد المنظمات صعوبات كبيرة في تقييم الأصول المعرفية، وذلك لاعتبارات متعددة أهمها:
– تطوير أفضل الطرق لإدارة الاستثمارات في تطوير مهارات وخبرات العاملين.
– تطوير مؤشرات مناسبة لقياس العائد على الاستثمار في تطوير الموارد المعرفية.
– التعرف على العلاقة بين المعرفة والخبرات المتوفرة لدى العاملين، وبين الأهداف الإستراتيجية، وكيف تساهم المعرفة في نجاح المنظمة وتطوير أدائها؟

ولتقييم الأصول المعرفية اعتمدت بعض المنظمات عدة طرق منها خاصة:
– أسلوب البطاقة المتوازنة Balanced Scorecard الذي يسعى للجمع بين المقاييس المالية المعروفة، وبين رضا العملاء وطبيعة العمليات الداخلية، وقدرة المنظمة على التعلم والتطور 21.
– أسلوب مرقاب الموجودات غير المادية Intangible Assets Monitor الذي تم تطويره في السويد عام 1987م من قبل konrad group. ويعتمد هذا الأسلوب على قياس المكونات الثلاثة لرأس المال الفكري للمنظمات والكفاءات الفردية من خلال ثلاثة مؤشرات: النمو والتجديد والكفاية والاستقرار.
– إدارة المعرفة وتكنولوجيا المعلومات : تؤدي تكنولوجيا المعلومات دوراً كبيراً في إنتاج وتنظيم ونشر المعلومات والمعارف في وقت قصير، ونقلها بين مناطق العالم مما يوفر للشركات، وباقي المنظمات قدرة تنافسية كبيرة تساهم في تنميتها وتطويرها. لكن من الخطأ اعتبار تكنولوجيا المعلومات أساس إدارة المعرفة. فالعنصر البشري يؤدي دوراً رئيساً في نجاح إدارة المعرفة نظراً لدور هذا العنصر في نشر وتبادل المعارف، بينما توفر تكنولوجيا المعلومات البنية التحتية المساعدة لإنجاح إستراتيجية إدارة المعرفة المعتمدة داخل المؤسسة.
– الموارد البشرية وتدبير المعرفة : إن أكبر تحد يواجه مشاريع إدارة المعرفة هو تحفيز الموارد البشرية لتقوم بنشر وتبادل معارفها مع الآخرين داخل المنظمة، وخاصة المعارف الضمنية. وتؤدي في هذا الإطار، إدارة الموارد البشرية دوراً رئيساً في تحفيز ودعم ذوي الكفاءات والخبرات الذين يتيحون معارفهم للآخرين من خلال توفير الاحترام اللازم لهم ومنحهم التقدير والاعتراف اللازمين.

وقد وضعت بعض المنظمات طرقاً وأساليب لتحفيز الموارد البشرية مادياً نظير إتاحتهم وتبادلهم لمعارفهم مع مكونات المنظمة .31

إ إستراتيجيات إدارة المعرفة:

يصعب تحديد إستراتيجيات مضبوطة لإدارة المعرفة. وحدها ملاحظة تجارب المنظمات والمؤسسات تمكننا من تصنيف نماذج لإدارة المعرفة. وفي هذا الإطار قام كل من Hansen وNohria وTierney بدراسة تجارب عدة منظمات تنتمي لقطاعات مختلفة واستنتجوا اعتماد هذه المنظمات لاستراتيجيتين مختلفتين. تعتمد الأولى على التقنين Codification والثانية على تأمين وصول المعلومات بشكل شخصي ومباشر Personalisation14.

وإذا كانت الاستراتيجية الأولى تعتمد تقنين المعارف باعتماد تكنولوجيا المعلومات، وخلق قواعد المعرفة لتسهيل الولوج للمعرفة فإن الاستراتيجية الثانية تعطي مكانة كبرى للتبادل المباشر للمعارف من خلال الاتصال المباشر أومن خلال اعتماد وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف والبريد الإلكتروني وغيرهما.

دور مدير المعرفة على مستوى نجاح إستراتيجيات إدارة المعرفة:
كيفما كانت الإستراتيجية المعتمدة لإدارة المعرفة داخل المنظمة، فإن نجاحها يستلزم إعطاءها المكانة اللازمة، وذلك من خلال توفير الإمكانيات الضرورية لتدبيرها، وكذا من خلال دعم الإدارة العليا.

ومن أهم الإجراءات في هذا الإطار تعيين مدير لإدارة المعرفة التنظيمية. ويجب أن يكون المنصب مرموقاً ومرتبطاً مباشرة بالمسؤول الأول عن إدارة المؤسسة.
وترتبط اهتمامات مدير المعرفة بعدة مجالات خاصة:

– وضع ” خارطة للمعرفة ” داخل المنظمة لتحديد من يمتلكها، ومن ينتجها وكيفية المحافظة عليها، وسهولة حصول العاملين عليها.
– السهر على تدفق المعرفة داخل المنظمة، وتوفير الظروف المواتية لإنتاجها وإغنائها.
– الحرص على عدم تسرب المعرفة إلى المتنافسين.
ويتطلب مدير المعرفة، كمنصب مرموق، كفاءة خاصة. ويجب كذلك أن يحظى بثقة المسؤول الأول عن المنظمة.

وإذا كانت إدارة المعرفة قد حظيت باهتمام منظمات الأعمال منذ مدة، فإن الأشكال التنظيمية الأخرى (كالدول، الجهات والمدن) بدأت تهتم منذ سنوات قليلة بهذه الإدارة .51 كما بينت بعض الدراسات أنه يمكن اعتماد إستراتيجية خاصة لإدارة المعرفة لقطاعات مهمة وحساسة .16

ونظراً للدور المركزي للحكومات في تنمية الدول، فإن التساؤل حول مدى تطبيق إدارة المعرفة بهياكلها يبقى مطروحاً.

إدارة المعرفة بالإدارة العمومية والمنظمات الحكومية:

بدأ الاهتمام بإدارة المعرفة بالنسبة للحكومات والإدارات العمومية منذ سنوات قليلة، وذلك بعد أن أثبتت نجاعتها وأهميتها داخل منظمات الإعمال وبأنها ليست “بدعة” أخرى من بدع تدبير المنظمات .17

وقد غذى كذلك الاهتمام بإدارة المعرفة بالمنظمات الحكومية توصيات المنظمات الدولية باعتماد إدارة المعرفة، والتركيز على أهميتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان. فالبنك الدولي مثلا جعل محور تقريره السنوي لسنة 1998 م هو المعرفة، وعنوانه: المعرفة من أجل التنمية Knowledge for Development81.

في الاتجاه نفسه سار المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة الذي أنجز دراسات حول المعرفة، وإدارتها بالحكومات والإدارات العامة، كما نظم ملتقيات متعددة حول الموضوع .91

لكن السؤال الذي يطرحه المهتمون والباحثون في مجال إدارة المعرفة هو ما مدى إمكانية اعتماد الاستراتيجية المعتمدة في القطاع الخاص داخل مؤسسات القطاع، وما حدود نجاح ذلك؟

في محاولتنا للإجابة عن هذا السؤال سنسعى أولاً لتبيان حاجة وأهمية إدارة المعرفة بالنسبة لمؤسسات القطاع العام.

حاجة مؤسسات القطاع العام لإدارة المعرفة:

يمكن اعتبار المنظمات الحكومية منظمات معرفة بامتياز. وتكمن أهمية إدارة المعرفة بالنسبة لهذه المنظمات في مساعدتها على إعداد السياسات العامة بشفافية وثقة. كما تساعد إدارة المعرفة هذه المنظمات على تقديم خدمات أكثر فعالية للمواطنين من خلال تحسين الإنتاجية، وتحقيق ربحية أكثر، والاقتصاد في التكاليف والوقت.
ويركز قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة على أهمية إدارة المعرفة لبناء الثقة بين المواطنين والمنظمات الحكومية .02ويمكن تلخيص أسباب وأهمية إدارة المعرفة بالنسبة للمنظمات الحكومية في النقاط الآتية:12
أهمية المعرفة في تنافسية المنظمات الحكومية: تواجه المنظمات الحكومية اليوم منافسة كبيرة من منظمات وطنية ودولية تقدم خدمات مماثلة، وبالتالي أصبح لزاماً على المنظمات الحكومية تطوير تنافسيتها. وإذا أخذنا في الحسبان أهمية المعرفة في الخدمات التي تقدمها المنظمات الحكومية فإن إدارة المعرفة تبدو ضرورية لفعالية هذه المنظمات ونجاعتها.
مغادرة العاملين للمنظمات الحكومية (التقاعد، الانتقال إلى منظمات أخرى، الخ…) وإشكالية الحفاظ على المعرفة: إن مغادرة العاملين للمنظمات، أو للأعمال سواء كانت حكومية أو غير حكومية، يطرح إشكالية ضياع معارف مهمة على هذه المنظمات وبالتالي وجوب وضع إستراتيجية للحفاظ عليها، وإدارة المعرفة تقدم حلولاً مناسبة لذلك .22

وتطرح هذه الظاهرة إشكالية صعبة بالنسبة للمنظمات الحكومية لسببين رئيسين:
1. تزايد عدد المحالين على التقاعد في السنوات الأخيرة، والتزايد الأكبر المتوقع خلال السنوات والعقود المقبلة.
2. المنافسة القوية من قبل القطاع الخاص، وقدرته على جذب الكفاءات مما يطرح تحدياً كبيراً أمام المنظمات الحكومية لصعوبة توفير مستوى الأجور والحوافز نفسها التي يقدمها هذا القطاع.

وإذا كانت أهمية وحاجة المنظمات الحكومية لإدارة المعرفة تبدو جلية، فهل تطبيق هذه الإدارة التي أعطت نتائج مشجعة في القطاع الخاص ستكون ممكنة وسهلة؟

تطبيق إدارة المعرفة بالمنظمات الحكومية:

يؤكد العديد من الباحثين على أهمية اعتماد نظم التدبير الناجحة بالقطاع الخاص بالمنظمات الحكومية. وقد سعت برامج مثل “التنظيم العام الجديد” New public management إلى تطبيق وتحقيق ذلك. واعتمد هذا البرنامج، الذي بدأ في المملكة المتحدة في عهد مارغريت تاتشر في بداية الثمانينات، كذلك في دول أخرى متعددة كأستراليا وفنلندا والسويد وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول. ويركز هذا البرنامج على ضرورة الاعتماد على القطاع الخاص من خلال إبرام عقود لتقديم الخدمات العمومية .32

ويسعى التنظيم العام الجديد إلى تعويض الإدارة العمومية التي يعدها قد تقادمت. ويقوم هذا النظام على مبدأين: البيروقراطية ليست الوسيلة الأفضل لتطوير نجاعة الإدارة، والتعاقد هر الحل الأمثل.

لكن منتقدي هذا النظام يركزون على الاختلافات الكثيرة بين القطاعين العام والخاص، والتي تجعل من الصعب اعتماد طرق ومناهج القطاع الخاص بالقطاع العام. وتتمثل هذه الاختلافات خاصة في سياسات وتدابير إدارة الموارد البشرية والتدابير المتعلقة بالأخلاقيات. ويخلص المنتقدون إلى الحاجة لوضع إستراتيجية خاصة بالقطاع العام لتطويره وزيادة فاعليته.

وبالنسبة لإدارة المعرفة تحديداً، فقد خلص الباحثون إلى أهميتها بالنسبة للمنظمات الحكومية، كما وضحنا ذلك سابقاً. وخلصوا في الوقت ذاته إلى صعوبة تطبيقها بهذه المنظمات بالتصور المنهجي المعتمد نفسه في القطاع الخاص. لذلك يرى Cong وpandya، على سبيل المثال، أن الحل الأمثل هو اعتماد الطرق والمنهجيات “الاستباقية” التي يعتمدها القطاع الخاص، ولكن مع ملاءمتها Adaptation مع سياق المنظمات الحكومية 42.

وقد اعتمدت العديد من الدول والمنظمات الحكومية طرقاً ومشاريع لإدارة المعرفة اختلفت باختلاف السياقات والسياسات الحكومية. ويوضح ذلك درجة الوعي والاهتمام بهذه الإدارة بالعديد من البلدان، والمنظمات الحكومية التابعة لها.

معطيات وبعض تجارب إدارة المعرفة بالمنظمات الحكومية:

سنعتمد في تقديم المعطيات المرتبطة ببرامج إدارة المعرفة بالقطاع العام على الدراسة التي أنجزتها جامعة سنغافورة في سنة 2007 م، والتي قدمت نتائجها في اللقاء المنظم من طرف قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة سنة 2007 م. وقد شملت هذه الدراسة العديد من الدول من بينها مصر، الهند، إيران، الأردن، باكستان، رومانيا، جنوب إفريقيا، تركيا، اليمن، إلخ .52 كما تمت مقارنة بعض نتائج هذه الدراسة مع نتائج دراسة أجرتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) سنة 2003 م .62

وخلصت دراسة جامعة سنغافورة إلى أن كل المستجوبين على دراية بإدارة المعرفة، وبأن 22 % منهم في طور وضع برامج لإدارة المعرفة قيد التنفيذ، بينما خلصت دراسة OECD في سنة 2003 م إلى أن نصف المنظمات المستجوبة تعد إدارة المعرفة ضمن خمس أولويات بالنسبة للسنتين المواليتين.

وبالنسبة لأهداف إدارة المعرفة، فيرى المستجوبون من قبل جامعة سنغافورة أنها تمثل عنصراً أساسياً على مستوى نشر وتبادل المعرفة، وكذا التمكن من ولوج المعارف والخبرات.

وخلصت الدراسة نفسها إلى أن أهم تحديات مبادرات إدارة المعرفة هي: درجة الوعي بأهميتها أولا، القدرة على استيعاب كيفية تنفيذها ثانياً، والدعم المقدم من قبل المديرية العامة ثالثاً.
ومن أهم الصعوبات التي تعيق تطبيق إدارة المعرفة، حسب الدراسة نفسها هو درجة الوعي بها، وضيق الوقت.

وخلصت الدراسة كذلك إلى أن أغلب المنظمات تمنح قيادة مبادرات إدارة المعرفة إلى الوحدة المكلفة بتكنولوجيا المعلومات (44 %)، بينما خلق القليل منها وحدات خاصة بإدارة المعرفة (2 %) مما يؤشر على الخلط بين إدارة المعلومات ودور تكنولوجيا المعلومات.

واستنتجت هذه الدراسة وجود ثلاثة توجهات عامة مرتبطة بتطبيق إدارة المعرفة بالمنظمات الحكومية:
– إدارة المعرفة تحظى باعتراف الجميع كأساس لنشر المعلومات وتبادلها بين المنظمات الحكومية فيما بينها، من جهة، وبينها وبين المواطنين المستفيدين من خدماتها من جهة ثانية.
– أغلب مبادرات إدارة المعرفة تقودها الوحدات المكلفة بتكنولوجيا المعلومات.
– أهم معوقات اعتماد إدارة المعرفة بالمنظمات الحكومية تتمثل في غياب الوعي بأهميتها وضيق الوقت.

وقد سعت العديد من المنظمات الحكومية في دول متعددة إلى إطلاق مبادرات لإدارة المعرفة. والملاحظ أن هذه المبادرات ارتبطت في العديد من الدول ببرامج الحكومة الإلكترونية .72

ففي دراسة أعدت للبرلمان البرازيلي، يرى Fresneda وGonçalves أن المبادرات المنعزلة، والمجهودات المتفرقة، وغياب التواصل، وتبادل المعلومات داخل المنظمات الحكومية وبينها، حول إدارة المعرفة وتقنياتها وكذا غياب الوعي لدى أصحاب القرار بالمنظمات الحكومية البرازيلية بأهمية إدارة المعرفة، وتقنياتها لا يمكن أن يحل إلا بوضع سياسة عامة لإدارة المعرفة على المستوى الفيدرالي .82

وقد قامت هذه الدراسة برصد وتحليل احتياجات المنظمات الحكومية البرازيلية، واقترحت سياسة عامة لإدارة المعرفة أعدت بطريقة تشاركية.

واقترحت هذه السياسة في إطار قانوني يوضح الأهداف المتوخاة ويحدد المسؤولين عن التخطيط والتنفيذ وآليات العمل.

وحدد هذا القانون المقترح الأهداف المرجوة من إدارة المعرفة بالحكومة الفيدرالية البرازيلية أساسا فيما يأتي:
• دعم فاعلية وجودة صياغة، وإنجاز السياسات العمومية، والخدمات المعتمدة للمواطنين.
• دعم الشفافية داخل الإدارة بإقرار نظام للولوج ونشر المعلومات .
• خلق ونشر ثقافة تدعم أهمية المعلومات والمعرفة، وترسيخ قيم التعاون وتبادل المعرفة.

وقد أحدثت بموجب هذا القانون لجنة لتتبعه والوقوف على تنفيذه، واعتمدت الآليات الآتية:
– إعداد مخطط استراتيجي لإدارة المعرفة بالحكومة الفيدرالية.
– وضع خطة لإدارة المعرفة بالمنظمات الحكومية البرازيلية.
– إعداد تقارير سنوية حول نتائج تنفيذ المخطط الاستراتيجي لإدارة المعرفة بالحكومة الفيدرالية.
كما أقر هذا القانون ضرورة اعتماد الموارد المالية الضرورية لتنفيذ الخطط، والبرامج المقترحة، ونص على ضرورة التكوين في المجال وحدد المؤسسة الموكل إليها ذلك .92

من جهتها، وضعت ماليزيا في سنة 2001 م خطة إستراتيجية لتطوير اقتصاد المعرفة بماليزيا. وقد اقترح هذا المخطط نظرة شمولية لجعل ماليزيا مجالاً لاقتصاد المعرفة، وأقر لذلك سبعة محاور للعمل :03
– تكوين الموارد البشرية اللازمة وتأمينها.
– وضع المؤسسات الضرورية للمرور إلى اقتصاد المعرفة.
– وضع البنى التحتية والتحفيزات اللازمة لاستعمال المعرفة في كافة المجالات الاقتصادية، وكذا لتطوير مقاولات المعرفة.
– الرفع من استيراد واستيعاب العلم والتكنولوجيا في جميع المجالات .
– الحرص على أن يكون القطاع الخاص هو رافعة اقتصاد المعرفة.
– تطوير المنظمات الحكومية (القطاع العام) ليتحول إلى خدمة عامة مبنية على المعرفة.
– ردم الفجوة الرقمية والمعرفية.

وفي المحور السادس المرتبط بتطوير المنظمات الحكومية، اقترح المخطط إجراءات متعددة مرتبطة بتطوير الموارد البشرية وإصلاح الهيكل التنظيمي، وإصلاح سيرورة العمل (Work process)، واستيعاب واستعمال تكنولوجيا المعلومات. واقترح المخطط في هذا الإطار، وضع نظام لإدارة المعرفة خاص بالمنظمات الحكومية.

ومن أهم المقترحات العملية في هذا الإطار والتي جاء بها هذا المخطط:
– تشجيع نشر وتبادل المعرفة بين المنظمات الحكومية.
– وضع شبكات لتبادل المعلومات بين المنظمات الحكومية، وبعض منظمات القطاع الخاص .
– خلق منصب مدير للمعرفة داخل المنظمات الحكومية.
– تخصيص حوافز مادية ومعنوية للمساهمين في نشر وتبادل المعرفة، وكذا لمستعمليها.

وإذا كان هذا المخطط لازال قيد التنفيذ، فإن دراسات عديدة حول إدارة المعرفة بالمنظمات الحكومية الماليزية قد أنجزت بمعزل أو بعلاقة مع هذا المخطط بهدف تقييم مدى استيعاب هذه المنظمات لهذه الإدارة ودرجة تطبيقها .13

وانطلاقاً من هاتين التجربتين نستشف أهمية وضع مخطط عام لإدارة المعرفة داخل البلدان، سواء بعلاقة ببرنامج الحكومة الإلكترونية، أو في إطار مستقل يرمي إلى تطوير اقتصاد المعرفة.

تمثلت المبادرات المرتبطة بإدارة المعرفة بالإدارة العمومية بالمغرب بالدراسات المنجزة ببعض المعاهد، والجامعات وببعض المشاريع التي رأت النور في بعض المنظمات الحكومية.

واهتمت بهذه الدراسات خاصة. وزارة المالية 23، والأمانة العامة للحكومة 33، والصندوق المغربي للتقاعد 43، وبعض الجماعات المحلية 53.

وتسجل إدارة المعرفة غيابياً كمشروع خاص أو كجزء من المبادرات الهادفة إلى خلق ودعم مجتمع المعلومات والمعرفة بالمغرب (الحكومية الإلكترونية، عصرنة الإدارة المغربية، إلخ). ويسجل المغرب على هذا المستوى غياب تصور واضح لاعتماد إدارة المعرفة كأداة لتطوير خدمات إدارته العمومية إذ إن أغلب المشاريع لتطوير الإدارة ترتبط باستعمال تكنولوجيا المعلومات دون إعطاء المحتويات والمعلومات الواجب توفيرها الأهمية اللازمة مما يجعل المغرب يتبوأ مراتب متأخرة في ترتيب الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية (المرتبة 140 من أصل 192 دولة سنة 2007 م )63.

الحاجة إلى إطار عام لإدارة المعرفة بالمنظمات الحكومية:

تعود مهمة إعداد إطار عام لإدارة رأس المال الفكري والمعرفي للحكومات والإدارات العمومية، ولكن يتوجب في الوقت ذاته إشراك كافة المتدخلين والشركاء في إعداده. وداخل هذا الإطار يمكن لكل منظمة حكومية على حدة تبني ووضع مشروع لإدارة المعرفة خاص بها .73

وقد أحصى الباحثون العديد من نماذج السياسات العامة المختلفة لإدارة المعرفة، لكن أغلبها مرتبط بالقطاع الخاص. ويركز كل نموذج على إحدى الدعائم والمكونات بدلاً من الأخرى .83 ويرى Cong وPandya أنه من الصعب اعتماد نماذج إدارة المعرفة التي طبقت في القطاع الخاص كما هي بالمنظمات الحكومية وذلك لاعتبارين أساسيين:

أولاً، يرتبط عمل المنظمات الحكومية بالشركاء (Stakholders). بينما ترتبط منظمات الأعمال بالمساهمين (Shareholders). فالمنظمات الحكومية مرتبطة بشركاء مختلفين على مستوى الاحتياجات والتصورات (مواطنين، لوبيات، شركات، تنظيمات محلية، إلخ))، بينما منظمات الأعمال مرتبطة أساساً بالمساهمين الذي ينتظرون نتائج استثماراتهم في هذه المنظمات.

ثانياً، تعيش منظمات الأعمال على التنافسية التي تدفعها إلى التطور والإبداع، بينما تراهن المنظمات الحكومية على عوامل أخرى كالخدمات المقدمة والمعلومات التي توفرها، إلخ.. فمنظمات الأعمال تعيش تحت هاجس تغيرات المحيط وتأثيره، بينما يختلف هاجس المنظمات الحكومات عن ذلك، حيث تعيش تحت ضغط أقل، وبالتالي فاعتمادها لنظم جديدة للإدارة يكون بطيئاً .93

وبالتالي فأي إطار عام لإدارة المعرفة بالمنظمات الحكومية يجب أن يراعي هذه الاختلافات، وأن يقترح تدابير ملائمة تهم المكونات الأربعة الأساسية لأي مبادرة لإدارة المعرفة: الإستراتيجية والموارد البشرية وسيرورة العمل والتكنولوجيا.

إستراتيجية المعرفة:

تحدد إستراتيجية المعرفة، أولاً، الأساليب والأدوار التنفيذية والتي تقع مسؤوليتها على مسؤول إدارة المعرفة، وتهدف إلى تطوير إستراتيجية معرفة المؤسسة، ومنحها الصفة الرسمية عبر المستويات التنظيمية، وتسعى ثانياً إلى ضمان تطوير تلك الإستراتيجية وتكاملها مع إستراتيجية المؤسسة الأشمل.

وتختلف الإستراتيجية في إدارة المعرفة في معالجتها تبعاً لنوعي المعرفة. فالإستراتيجية في مجال المعرفة الضمنية تتمثل في تنمية شبكات العمل، لربط الناس لكي يتقاسموا المعرفة، والتي تعبر عن الخبرة الفردية التي تقود إلى الإبداع المبني على المشكلات الإستراتيجية. أما في مجال المعرفة الظاهرة فإن الإستراتيجية تتمثل في تطوير نظام الوثائق الورقي أو الإلكتروني، وخزن وتنسيق ونشر وإدامة المعرفة، بقصد تسهيل الوصول إليها وإعادة استخدامها والاستفادة منها.
ومما تتيحه إستراتيجية المعرفة، نورد ما يأتي:
– خلق وصنع المعرفة بالتركيز على تأطير أو تبني الخيارات الصحيحة والملائمة.
– توجه إستراتيجية المعرفة المؤسسة إلى كيفية إمساك ومعالجة رأس مالها الفكري، بالتركيز على الابتكار والقدرة على الاتصال والمهارة والحدس .
– تسهم الإستراتيجية، وخاصة في مجال المعرفة الضمنية، في تنمية شبكات العمل لربط الناس لكي يتبادلوا ويتقاسموا المعرفة فيما بينهم.
– تقوم بوضع الأسبقيات وضمان إيجاد برامج إدارة المعرفة، فضلاً عن تحديد السياسات لإدامة رأس المال الفكري ، والمحافظة عليه في المنظمة، والعمل على بث برامج إدارة المعرفة داخل المنظمة.
– تسهم في تحديد المعرفة الجوهرية Critical Knowledge والمحافظة عليها.
– تحدد الإستراتيجية كإطار عمل لإدارة المعرفة، طبيعة روابط المؤسسة، وصلاتها لتطوير معرفتها كما في التحالفات مع مراكز البحث، والتطوير القطاعية، والجامعات أو مع المؤسسات المماثلة.

الموارد البشرية:

يتوجب إعطاء هذا المكون أهمية خاصة في مجال إدارة المعرفة. فمن دون ثقافة مؤسساتية تكرس تبادل المعرفة كقيمة أساسية داخل المنظمة لا مجال لنجاح أي مبادرة لإدارة المعرفة. ويتجلى ذلك أكثر داخل المنظومات الحكومات الموصوفة بتنظيمها الهرمي الذي يعزل الوحدات عن بعضها، وحيث المعرفة والمعلومة تمثل السلطة. لذلك يجب التركيز على هذا المكون من خلال المبادرات الآتية:
-الرفع من درجة الوعي بأهمية إدارة المعرفة للأفراد والمنظمات.
– بناء مناخ للثقة يسهل نشر وتبادل المعلومات والمعارف.
– اختيار أشخاص رياديين يدعمون نشر وتبادل المعلومات والمعرفة.
– وضع نظام الحوافز للعاملين الذين يتبادلون المعلومات ويستعملونها.
– خلق وتطوير هيئات للممارسات والخبرات Communities of Practice.

سيرورة العمل

(Process):
يتوجب ضبط السيرورة الكاملة لإدارة المعرفة وتحديد كيفية تنفيذها. وتتمثل أهم عمليات هذه السيرورة فيما يأتي:

• تحديد المعرفة والخبرات المتوفرة.
• الحصول على المعارف اللازمة للمنظمة من داخلها وخارجها.
• الاحتفاظ بهذه المعارف وتنظيمها وتصنيفها.
• استعمال المعارف لاتخاذ القرارات والأعمال المنوطة بالمنظمة.
• خلق معارف جديدة من خلال الدراسات والأبحاث وغيرها.

التكنولوجيا:

ترتبط التكنولوجيا بكافة مراحل سيرورة إدارة المعرفة وأغلبها متوفر في السوق، لكن الصعوبة تكمن في اختيار الملائم منها لكل منظمة.
وتتمثل أهم العمليات التي يجب إنجازها في هذا الإطار في الآتي:

• اختيار البرامج (Software) والمعدات (Hardware) الملائمة.
• توفير بنية تحتية تكنولوجية ملائمة.
• خلق موقع ،Intranet يمكن من حفظ المعرفة وتسهيل الولوج إليها.
• توفير إمكانيات لولوج كل فرد للمعرفة حسب احتياجاته.

خاتمة:

تمثل المعرفة إحدى دعامات عمل المنظمات الحكومية، وتساهم بشكل كبير في جودة خدماتها، وتطوير نماذج تسييرها. وتمثل إدارة المعرفة أحد نظم التدبير الناجحة في منظمات الأعمال، وقد اعتمدت وأتثبت نجاعتها منذ سنوات. لكن بالمقابل لا يزال اعتماد هذه الإدارة ضعيفاً بالمنظمات الحكومية.

ويرتبط اعتماد إدارة المعرفة بالمنظمات الحكومية بدرجة الوعي بهذه الإدارة، وكذا فهم محاسنها ومنافعها.
كما يستلزم ضبط مفاهيمها وآلياتها.

حاولنا في هذه الورقة ملامسة جوانب إدارة المعرفة من خلال توضيح مفاهيمها، وآلياتها وكافة النظم المرتبطة بها. كما قدمنا نماذج لتطبيقها بالمنظومات الحكومية. وحاولنا في النهاية حصر مكونات إطار عام لها بهذه المنظمات.

وتستلزم التساؤلات المطروحة في هذه الورقة بلا شك دراسات أكثر عمقاً من خلال ملامسة واقع المنظمات الحكومية العربية، وتعاملها مع إدارة المعرفة.

المراجع:

  1. Prax, Jean Yves. Le Guide du knowledge management. Paris: Dunod, 2000.
  2. محمد قاسم أحمد. إدارة المعرفة التنظيمية: المفهوم والأساليب والإستراتيجيات. الملتقى العلمي الرابع حول إستراتيجيات العمال في مواجهة تحديات العولمة، جامعة فيلادلفيا، 15-16 مارس، 2005 م.

http:// http://www.philadelphia.edu.jo/university/
3 Prax, Jean Yves. Le Guide du knowledge management. Paris: Dunod, 2000.

4 Nonaka, Ikujiro and Takeuchi, Hirotaka. The knowledge creating company: How Japanese Companies Create the Dynamics of Innovation. Oxford: Oxford University Press, 1995.

5 محمد قاسم أحمد. إدارة المعرفة التنظيمية: المفهوم والأساليب والإستراتيجيات. الملتقي العلمي الرابع حول إستراتيجيات العمال في مواجهة تحديات العولمة، جامعة فيلادلفيا، 15-16 مارس، 2005م. http://www.philadelphia.edu.jo/university/

6 Beyou, Claire. Manager les connaissances: du Knowledge management au développement des compétences dans l’organisation. Paris: Editions Liaisons, 2003.

7 Prax, Jean Yves. Le Guide du knowledge management. Paris: Dunod, 2000.

8 Denning S., http: / /www.stevedenning.comIKnowledgeManagement/what-is- knowledge-management. aspx2009109126) )

9 Hacket, B. Beyond Knowledge Management: New Ways to Work and Learn, New York: The Conference Board, 2000.

10 Stewart, Thomas A. Intellectual Capital: the New Wealth of Organizations. New York: Nicholas Brealey Publishing, 1997.

11 Sveiby, K. E. La nouvelle richesse des entreprises: savoir tirer profit des actifs immatériels de sa société. Paris: Maxima, 2000.

12 Kaplan, R. S. & Norton, D. P. “The Balanced Scorecard, Measures that drives Performance”. Harvard Business Review on Measuring Corporate Performance. Harvard Business School Press. Boston. 1992. 123145-.

13 Hansen, M, et al. « Quelle est votre stratégie de gestion du savoir ». Le management du savoir en pratique (les meilleurs articles de la Harvard Business Review), Editions d’organisation. Paris, 2003. 117-150

14 Hansen, M, et al. « Quelle est votre stratégie de gestion du savoir ». Le management du savoir en pratique (les meilleurs articles de la Harvard Business Review), Editions d’organisation. Paris, 2003. 117-150

15 Bounfour, A. & Edvinsson, L. (Eds). Intellectual Capital for Communities: Nations, Regions and Cities. Oxford: Elsevier Butterworth-Heinemann, 2005.

16 Chafiqi, A. & El Moustafid, S. La gestion des connaissances fac au turn-over des compétences: cas des SSII au Maroc. Rabat: Editions Bouregrag, 2007.

17 Cong X. & Pandya K. V. «Issues of Knowledge Management in The Public sector ». Electronic Journal of Knowledge Management, volume 1, Issue 2, (2003). 2533-.

18 The World Bank. Knowledge for Development. Washington: The World Bank, 1999.

19 UNDESA. Understanding Knowledge Societies In twenty questions and answers with the Index of Knowledge Societies. New York: United Nations, 2005.

20 UNDESA. Managing Knowledge To Build Trust In Government. New York: United Nations, 2007.

21 Cong X. & Pandya K. V. «Issues of Knowledge Management in The Public sector ». Electronic Journal of Knowledge Management, volume 1, Issue 2, (2003). 2533-.

22 Chafiqi, A. & El Moustafid, S. La gestion des connaissances fac au turn-over des compétences : cas des SSII au Maroc. Rabat: Editions Bouregrag, 2007.

23 Lane, J. E. The Public Sector Concepts, Models and Approaches. London: Sage Publications, 2000.

24 Cong X. & Pandya K. V. «Issues of Knowledge Management in The Public sector ». Electronic Journal of Knowledge Management, volume 1, Issue 2, (2003). 2533-.

25 Yum H. “Overview of Knowledge Management in the Public Sector”. Managing Knowledge To Build Trust In Government. New York: United Nations, 2007. 10- 20.

26 OECD. Knowledge Management Practices in Ministries/Departments/ Agencies of Central

Governments. Paris: OECD,2003. YumH. (2007), “Overview of Knowledge Management in the Public Sector”, in

UNDESA (2007), Managing Knowledge To Build Trust In Government, United Nations.

27 UNDESA. Managing Knowledge To Build Trust In Government. New York: United Nations, 2007.

28 Fresneda, P. S. V. & Gonçalves, S. M. G. Formulating a Knowledge Management Policy Federal Public Administration: The Brazilian Experience. Brazilia: Chamber of Deputies, 2008.

29 Knight, P. Knowledge Management and E-Government In Brazil. Managing Knowledge To Build Trust In Government. New York: United Nations, 2007. 232- 240.

30 Prime’s Ministre Department of Malaysia. Knowledge – Based Economy Master Plan. Putrajaya: Prime’s Ministre Department of Malaysia, 2001.

31 Sharafuddin S. O. & Rowland, F. “Benchmarking Knowledge Management in A Public Organisation in Malaysia”. Benchmarkin: An International Journal, volume 11, N° 3 (2004). 238266-.

32 Arrach, Med Abdellatif. Gestion des connaissances fiscales pour les vérificateurs de l’Administration Fiscale Marocaine. Casablanca: ISCAE, 2007.

– Salem, Ghizlane & Sayeh, Lamia. Pour un Knowledge Management au Ministère des Finances et de la Privatisation. Casablanca : ISCAE, 2004.

– Bourhime, Hanane. La pratique du knowledge management au sein du Ministère des finances et de la privatisation à travers les projets de modernisation. Rabat: Ecole des Sciences de l’lnformation, 2005.

33 Rhaouti, Mohamed Laghdaf. Le Knowledge Management au service de la performance du Secrétariat Général du Gouvernement. Casablanca : ISCAE, 2007,

34 Bahji, Salah Eddine. L’ingénierie documentaire au coeur des procédés de management des connaissances: cas de la Caisse Marocaine des Retraites. Rabat: Ecole des Sciences de l’lnformation, 2007.

35 Hannak, Fatiha. Le Management du savoir dans les collectivités locales en transition-, cas des projets socioculturels en souffrance de la ville de casablanca. Casablanca: ISCAE, 2006.

36 UNDESA. United Nations e-Government Survey 2008: From e-Government to Connected Governance. New York: United Nations, 2008.

37 Wiig, K. M. “Knowledge Management in Public Administration”. Journal of Knowledge Management, Volume 6, Number 3, (2002). 224239-.

38 Holsapple, C. W. & Joshi, K. D. « Description and Analysis of Existing Knowledge Management Frameworks ». Proceedings of the 32nd Hawaii International Conference on System Sciences (1999).39 Cong X. & Pandya K. V. «Issues of Knowledge Management in The Public sector ». Electronic Journal of Knowledge Management, volume 1, Issue 2, (2003). 2533-.

الأكثر رواجًا