عبد الفتاح الزين

المعهد الجامعي للبحث العلمي

جامعة محمد الخامس  السويسي / الرباط

قد تكون المدرسة كمؤسسة خاضعة للنظام العام أو الخاص ؛ لكنها مع ذلك تبقى خدمة عمومية . وقد تكون عصرية من حيث نظامها أو تقليدية ، جديدة أو عتيقة ؛ لكن العملية التعليمية في جوهرها ظلت كما هي؛ إذ لابد من علاقة تعليمية طرفاها معلم ومتعلم ، بالرغم من تعدد الوسائل المعتمدة في هذه العملية وتنوعها (وسائل إيضاح عصرية ومتطورة ) ؛ فما هو إذن الإشكال في هذه ” الجدة ” وهذه “العمومية “في المدرسة المغربية هنا والآن ؟
يقال إن المدرسة في أزمة ، لكن عن أي أزمة يتم الحديث؟
يقال كذلك إن المدرسة غير متكيفة ، لكن مع ماذا ؟ ولماذا ؟ ومن أجل ماذا ؟
– فإذا كان هذا اللاتكيف دلالة على مقاومة مجتمع يريد اختزال الإنسان في قيمته التجارية التي قد تكون نابعة عن المنتج أو المستهلك؛
– وإذا كان هذا اللاتكيف دلالة على أن المدرسة أحد آخر المعاقل ؛ حيث تتم محاولة تفكر الحداثة لا كإخضاع للإنسان لمقتضيات الآلة ، بل كاستعمال مدروس لهذه الآلات في خدمة الإنسان ضدا على خطاب حداثوي ([1]) عتيق ، سواء كان تعبويا أو كارثيا ، وحيث يتم إعطاء الأجيال الجديدة وسائل بناء علاقتها مع العالم ؛ وبالتالي إعطاء كل واحد وسائل تحقيق استقلاليته في التفكير والفعل؛

سوف يكون انعدام هذا التكيف ، شكلا من المقاومة الذكية “للهمجية الناعمة ” التي تقترحها علينا الحداثوية التي تمجد التقنية على حساب الإنسان وتنشد “المنفعة قبل الإنسان” ([2])، وكذلك الأصولية التي تنزع نحو “عصر ذهبي ” ضمن منطق نكوصي يفتقد تمثلا فكريا للمستقبل ([3]). إن المدرسة ستظل أحد آخر المعاقل ، حيث يعبر “الإنسان العاقل /المفكر” (l’ homo sapiens) عن نفسه . وعليه ؛ فإن هذا اللاتكيف هو الذي يشكل قوة المدرسة . ولنا في المدارس الحرة التي أنشأتها الحركة الوطنية أيام الاستعمار – والتي لم تكن أبدا مدارس خصوصية – خير مثال ، على مقاومة النظام المدرسي الكولونيالي حتى لا نقول الاستعماري . وهو الأمر الذي يتطلب منا مد المدرسة المغربية عموما والعمومية منها على الخصوص بوسائل هذه المقاومة وبأدوات هذا اللاتكيف حتى تقوم بما هو منتظر منها في الوقت الراهن.

وإذا كان من أحد أهداف المدرسة ضمان الاستمرارية والتواصل بين الأجيال ، فإن الأمر لا يتعلق بتكييف الأجيال الجديدة مع معايير المجتمع كما هي، بقدر ما يعني إعطاء هذه الأجيال وسائل إبداع طريقتها في استعمال الإرث الذي خلفه الأسلاف .وبمعنى آخر، إذا كانت المدرسة تشكل ، بصفة عامة ، وسيلة – من بين وسائل أخرى – لاستمرار ثقافة المجتمع ، فإن التلاميذ – مواطنو الغد – ليسوا مطالبين بالضرورة للحفاظ على نفس النظام المجتمعي . ولهذا، فإن تكييف الأجيال الجديدة مع معايير المجتمع يعتبر نوعا من المحافظة ، بالمعنى السياسي للمصطلح ، أكثر مما يعنى القيام بالمحافظة على النوع – أي الإنسان العاقل /المفكر – بإعطاء هذه الأجيال وسائل إبداع علاقتها مع العالم . وهذا ما يقصد به وضع المعرفة في مركز الدراسة ، وأن المدرسة فضاء للتدريس والتعلم أساسا.

1. نقاش مغلوط: التربية نقيض التدريس: هناك تصوران يهيمنان على النقاش حول المدرسة:


– أحدهما يرافع من أجل “وضع المعرفة في قلب الفعل الدراسي ” انتصارا للمعرفة؛

– والآخر يدافع على ضرورة “وضع التلميذ في قلب النظام التربوي ” دفاعا عن التكوين.

وهما في هذين الطرحين ، يضعان في تعارض التلميذ والمعارف بشكل مصطنع . وكأن المدرسة بتخلصها من دورها التدريسي ، يمكنها أن تصبح “مدرسة التكوين ” ، تلك التي عليها تكييف الأجيال الجديدة مع المعايير الاجتماعية.

ونؤكد بدءا، أن المعرفة لا تبثها المدرسة لوحدها. ذلك أن اعتماد هذا الطرح – بما فيه الطرح المؤسس على التقنيات الجديدة – يقوم على اختزال بث المعرفة إلى مجرد بث للمعلومة وينسى أن التدريس الذي تقوم به المدرسة ليس فقط بث معلومات ، بل إن موضوع هذا التدريس ليس فقط المعرفة وحدها ولكن كذلك التفكير في هذه المعرفة. هذه العملية التفكيرية ليست فعلا عفويا، ولكن امتلاكها يتم بواسطة عمل المدرس الذي يبث المعرفة ويقدم وسائل الموقف التفكيري تجاه هذه المعرفة . على أننا نميز هنا بين المدرس الذي يمتلك معرفة والمدرس الذي يتكأ على سلطة السيطرة .

يقال لنا أيضا، أن تلاميذ اليوم ليسوا تلاميذ الأمس ؛ وأنه في عصر الجماهيرية لا يمكننا أن نعلم الكل مثلما نعلم أطفال الطبقات المحظوظة ثقافيا. هكذا يتبدى لنا فهم مناقض للجماهيرية كمبدأ للدمقرطة.

إذا كان من الواضح أن ظروف بث المعرفة رهينة بمن نعلم ، فإن هذا لا يستتبع أن المعرفة التي سيتم بثها أن تكون أقل ، إلا إذا كنا نردد هذه الحجة على النمط الذي يعلن أنه إذا علمنا أكثر يمكننا أن نعلم أقل دون الحديث عن الخطاب الذي ينادي بالتعليم بشكل آخر؛ هذا التعليم بطريقة أخرى والسحري يخبأ غالبا تعليما أقل ؛ وهو ما يجعل دمقرطة التعليم بعيدة المنال .

هناك برهان آخر ضد “مدرسة التدريس “، وضمنه يتم التصريح بأن المعارف تصبح متجاوزة بسرعة في مجتمع متحول ، وهكذا يصبح تدريسها غير مفيد. ولهذا من الأحسن التفكير في تكوين مستمر يسمح بتحيين المعارف . فهدف التعليم بتحوله إلى تكوين أساسي هو إذن أقل من التعلم بدل تعلم التعلم ، وأقل من تحصيل المعارف بدل التكوين الذاتي من أجل التكوين المستمر. الأمر الذي يجعلنا أمام مفهومين متعارضين : ” التلميذ المجرد” و” التلميذ الواقعي ” . ويرى بعض المختصين أن هم التلميذ “الواقعي” يقوم على قناعة كونه مضطرا للتطور في عالم ، حيث المواقف والمناهج أكثر فائدة من لائحة معارف محددة بالضرورة . فمع صعود نسبية معينة ؛ لم تعد المعارف تثير نفس الاحترام ، وأن هيبتها تزعزعت . ولهذا يبدو من المهم جعل التلاميذ يمتلكون موقفا نقديا وفضولا يسمح بمساءلة المعارف ولتحيينها باستمرار؛ لأن ما يعرفه التلاميذ هو في النهاية أقل أهمية هما يعرفون فعله بمعارفهم ، وهكذا يتم الحديث عن الكفايات ([4])… ([5]).

هكذا نجد عددا من عامة البيداغوجيين ينسون أنه لا يمكن استعمال المعارف ، إلا إذا تم بذل الجهد في تحصيلها ، والا إذا كان المعني قادرا على أخذ موقف نقدي تجاه المعارف التي يمتلكها . وبالتالي ، يمكننا أن نضع في تعارض مع المعارف المفهوم الجديد للكفاية الذي يندرج ضمن مكننة العمل الفكري . فالخطاب حول تقادم المعارف يتغافل أن التحولات الكبرى هي طارئة على مر التاريخ ، وأن دور التدريس هو تلقين الجزء الدائم والمستمر في المعرفة ؛ ذلك الجزء الذي يسمح للذات بالحصول على وسائل الاستقلال الذاتي أمام تطور المعرفة أكثر منه الجري وراء آخر الابتكارات ،والذي يسمح كذلك ببناء علاقة شخصية مع المعرفة التي نتلقاها ، سواء كان مصدر هذه المعرفة المدرسة أو مصدر آخر ؛ تلك المعرفة التي تمكن من بناء علاقة شخصية مع العالم.

إن نظريات “إعادة الإنتاج” ([6]) كان لها الفضل في الكشف عن الترابط الحاصل بين التفاوتات المدرسية والتفاوتات الاجتماعية ؛ غير أنها أخفت في نفس الوقت سيرورة تنمية المدرسة ودورها التكويني . فقد تم التقليل من تحليل آثارها المعرفية على مجموع الساكنة عبر الأجيال . فإهمال هذا الجانب الأخير، يتضمن عرضيا خطر عدم الاعتراف بمهمة التدريس تحت طائلة أن هذه المهمة تندرج في مدرسة تمييزية اجتماعيا… الأمر الذي جعل العديد منهم لا يرى في المدرسة ، حسب هذه النظريات ،إلا جانبها المحافظ اجتماعيا والمتمثل في إعادة إنتاج النخب . وبهذا تصبح مهمة التدريس هامشية ، مما يجعل دمقرطة التعليم في مهب الريح.

2. حول أهداف المدرسة:

إن الغاية من المدرسة لا تنبثق عن تعريف موضوعي يمكن أن يقود إلى إجماع . فغاياتها تندرج ضمن تصور شمولي للمجتمع ، وتقوم بالتالي على اختيارات سياسية. فإذن لابد من فهم هذه الأهداف على ضوء الاختيارات السياسية . وبهذا المعنى ؛ فإن دمقرطة التعليم مندرجة في إطار إرادة دمقرطة المجتمع ، وهو ما يطرح مسألة الدمقرطة بما هي كذلك . هكذا نفهم كيف أن تأويلا “موضوعيا” لدمقرطة التعليم، معزولا عن كل تحليل سياسي ، يتم حصره في التحليل الكمي؛ حيث يتم إهمال رهانات التعليم ألتي لا تندرج ضمن هذا التحليل ، وخاصة الرهانات الإبستيمولوجية واعتبار المدرسة كآلية من آليات توزيع الثروة الرمزية وتوفير حظوظ امتلاكها من خلال تكافؤ الفرص في استهلاكها والمساهمة في إنتاجها.

ولمعالجة سؤال رهانات المدرسة ، نجد أنفسنا مضطرين للرجوع إلى فكرتين أبرزتهما حثا أراندت ([7]) Hannah Arendt مبرزة أن ” أزمة الثقافة ” ؛ يمكن تلخيصها في كون التربية تضطلع في نفس الوقت بالمسؤولية في الحياة وبتنمية الطفل وباستمرارية العالم ([8]). فهذه الغايات ليست متطابقة ، بل ويمكنها أن تعرف تناقضا. فمن جهة، يحتاج الطفل للحماية والاعتناء به حتى لا يدمره العالم . ومن جهة أخرى ، يحتاج هذا العالم للحماية من التخريب الذي قد تلحقه به الأجيال الجديدة . إن هاتين الغايتين المتناقضتين ، ما يسمح في نفس الآن بضمان حماية العالم وللأجيال المقبلة ببناء علاقتها الخاصة بهذا العالم . بهذا تكون المدرسة محافظة بمعنى المحافظة على المجتمع البشري وفي نفس الوقت مكونة بما أنها تسمح لكل واحد أن يعيش في هذا العالم. وبالموازاة مع هذه الغائية المزدوجة ، هناك ثلاث وظائف كبرى لمدرسة اليوم ؛ وتتمثل في: تلقين المعارف ، وتدبير سيولة التلاميذ مع الفرز بواسطة التمايز والتراتبية ، والتكوين المهني . وهي وظائف تندرج ضمن غائية استمرارية المجتمع لا بهدف استمرارية النظام الاجتماعي.

– تلقين المعارف يساهم في المحافظة على مجموع المعارف ذات الأهمية بالنسبة للمجتمع ، والتي يبدو أن هناك ضرورة اجتماعية لتلقينها ، وهو ما يفسر أهمية التدريس. هكذا يطرح السؤال حول حجم ومستوى نشر هذه المعارف. فدمقرطة التعليم تقتضي النشر على مستوى واسع . يبقى سؤال المعارف التي يجب تدريسها للجميع ، وتلك التي هي أكثر تخصصا، والتي تتوجه للذين سيستعملونها بشكل جلي. هكذا نرى أن سؤال الدمقرطة يطرح إشكالا أوليا ، ويتعلق بتحديد المعارف التي ستدرس للجميع . وهنا لا بد من التنبيه إلى أن الأمر لا يتعلق بالتمييز المعروف بين المعارف التطبيقية والنظرية . فتحديد ” المعارف للجميع ” هو عرضاني في التمييز بين النظري والتطبيقي ويتعلق أساسا بتعريف غايات التعليم . ولنكتفي هنا بالعودة إلى المعارف المستمرة والدائمة التي تحدثنا عنها سابقا، هذه المعارف التي تفتح الباب لإدراك وفهم المعارف المعاصرة . فتلقين هذه المعارف يندرج ضمن هذه الغائية الثنائية: استمرارية المجتمع وتنمية الأفراد ، وتبقى دمقرطة التعليم نقطة التقاطع والالتقاء بين الغايتين كأهم خاصيات المجتمع المعاصر.

– أما التكوين المهني ، فيندرج في استمرارية التدريس حتى ولو أن له هدفا أكثر خصوصية . فإذا كان التكوين المهني يندرج ضمن استمرارية المجتمع (الاستجابة لحاجيات الإنتاج ولمختلف الخدمات الضرورية للمجتمع ) ؛ فإنه يمكن أن يتم التطرق إليه من زاويتين مختلفتين : تقسيم العمل الذي ليس بالفعل إلا محافظة على التقسيم الاجتماعي ، والتمكن من حرفة من طرف ممارسها. فتقسيم العمل ليس منبثقا فقط عن التمييز بين العمل اليدوي (عمل الفقير ) والعمل الفكري (عمل النخبة !) ؛ بل كذلك عن التمييز بين من يحافظون على نوع من التمكن من عملهم وأولئك الذين يخضعون لهذا العمل . ففي الوقت الذي لا نتوانى فيه عن التصريح بأن المعارف المهنية تتطور بسرعة ، نجد أن الاتجاه العام هو اختزال التكوين المهني على الأقل بالنسبة للمحكوم عليهم بالخضوع لعملهم في المهارة الضرورية على المدى القصير مع الإحالة على تكوين مستمر قد لا يكون أكثر من تكيف ضروري لكل واحد مع المنصب الذي عين له. فالإنسان ليس دولابا في الآلة الاقتصادية . هكذا يصبح التكوين المهني مجال تناقض بين “حاجيات ” المجتمع وبناء كل واحد لعلاقته مع المعرفة ، بما فيها المعرفة المهنية التي سيستعملها خلال حياته . هذا ما يحيلنا على مكانة المعارف الدائمة في التعليم . فإذا ما كان التكوين المهني مجرد مهارات ، فمن الجلي أنه لن يكون قادرا على الأخذ بعين الاعتبار تطور التقنيات ، بالنظر إلى أننا نجهل كيف ستكون تقنيات الغد، وأن حجم المعارف الدائمة ليس له مكانة في التعليم . فالتكوين الأساسي ليس إلا صناعة لما يمكن أن نسميه “البرمجية -التلميذ” logiciel-élève المخصصة لأن تصبح ” برمجية -عامل” Logiciel- travailleur ” والتكوين المهني ليس إلا تحيينا موسميا لهذه البرمجية . إنه ما يسمى بالتصور البرمجي للتعليم أو بالأحرى للتكوين.

– وفيما يتعلق بتدبير السيولات والفرز من خلال التمايز والتراتبية ، فإن الأمر في هذا المستوى لا يهم بشكل كبير استمرارية المجتمع كحفاظ على النوع بقدر ما هو رهان على المحافظة على النظام الاجتماعي . صحيح أن وظيفة المدرسة هي السماح بالتمايز الاجتماعي ؛ هذا المفهوم الغامض الذي يعني ضرورة تقسيم العمل مثلما يعني التقسيمات الاجتماعية المرتكزة على هذا التقسيم للعمل . وهذه الوظيفة وان بدت ضرورية فإنها تظل عائقا أمام دمقرطة التعليم عندما تحدد المعارف التي ستدرس، لا على اعتبار تمكن كل واحد من بناء علاقته بالعالم أقل بالنظر للموقع المعين لكل واحد في المجتمع.

لقد رفعت المدرسة كشعار ” الانسجام بين نمو التقنيات في المجتمع وتنمية الفرد ” غير أن الواقع يناقض هذا الشعار ؛ ذلك أن نمو التقنيات ، وعلى الخصوص تقنيات المعلوميات ، يعلمنا أن هذا الانسجام لا يحصل تلقائيا وأن انتشار هذه التقنيات داخل المجتمع يقتضي عددا أقل من الأشخاص ذوي كفاءة عالية وأعدادا من المنفذين قادرين على مناولة الآلات التي تتطلب مهارة أكثر مما تتطلب معرفة وذكاء. فإدراك الإنسان في خدمة الآلة تطور بشكل كبير، لدرجة أنه مع ظهور ما يسمى بالآلات الذكية ليس العمل العضلي هو الذي انحط فقط ؛ ولكن العمل الذهني كذلك أصبح مؤديا إلى ما يمكن نعته بإيديولوجية المهارات أو المهننة . وهذا “الانحطاط” المعرفي هو الذي مس التعليم عموما.

هذا التراجع هو ما جعل بعض الباحثين يشير إلى أن التدريس باعتباره تحصيلا للمعارف الضرورية للتحكم في المجتمع التقني ، موجه للأطر المكلفة بهذا التحكم (الجماعات المسيطرة )، بينما التربية تقدم إلى أولئك المنفذين الخاضعين لقانون السوق (سوق التربية وسوق الشغل ).

وبالإشارة إلى تقهقر الدور التنشيئي للمدرسة ، تحدثنا في البداية عن لا تكيف المدرسة والذي يشكل قوتها ونبهنا إلى أن تعطاها الوسائل والأدوات للعب هذا الدور، ونشدد على الدور التنشيئي الذي يندرج ضمن استمرارية العالم ([9]). وهو دور لا يتحقق إلا من خلال جعل التلميذ قادرا على فهم دلالة الإكراهات الاجتماعية ومعرفة التمييز بين تلك الضرورية لاستمرارية المجتمع وتلك التي تساهم في الأحكام المسبقة مع الزمن . دون هذا التمييز ذي الحدود غير الواضحة والمتغيرة بالفعل ، سنسقط في محافظة سياسية (قبول كل الضغوط الاجتماعية ) أو في تمثلات تحررية كاريكاتورية ( كل إكراه مرفوض وفاسد). هذا التمييز يحيلنا على التدريس أيضا . فالأمر يتعلق أقل بتعلم قانون المجتمع من فهم دلالة الإكراهات الاجتماعية.


[1] نقصد بالحداثوي الموقف الذي يتعصب للحداثة كنظام مغلق ومكتمل ومكتف بذاته.

[2] انظر مؤلف:

Noam Chomsky.-Le profit avant l’homme. Trad. Jacques Maa. Editions 10/18, Paris, 245 pages, 2004

في هذا الكتاب لا يكتفي شومسكي بفضح الظلم الاقتصادي الذي تنتجه اللبرالية الجديدة من خلال حكم العالم دون شركاء ؛ بل يبين بطريقة جيدة بأن قادة العالم الأثرياء يتحدثون لفة مزدوجة مادحين من جهة مزايا حرية السوق. وآخذين من جهة أخرى كل الاحتياطات لكي لا يخضعون لها. كما يبين كذلك أن السياسات الاقتصادية الليبرالية قد تم إعمالها على حساب الديموقراطية ، أي أنها مفروضة من فوق وأحيانا في سرية تامة . وقد صدر هذا الكتاب سنة 1999 في طبعته الإنجليزية ؛ حيث تنبأ شومسكي بأزمة هذا النظام الليبرالي الجديد في أفق العشرية ، مشيرا إلى أنه إذا ما تم الإقرار بأنه لا إمكانية للتغير نحو الأحسن فإن الأمر سيكون كذلك ؛ إذ الاختيار متوقف على الإنسان.

[3] إن أزمة الأصولية لا تتجلى – في نظرنا – فقط بأزمة في تمثل وتصور المستقبل ، بل على الخصوص في أزمة البناء الإبستمولوجي لمفهوم المستقبل وأجرأته بمعزل عن المرجعية الماضوية التي تعتمدها وتتبناها في تحاليلها للمستقبل والذي لا يشكل بالنسبة لها إلا نجاحا في استعادة الماضي كنموذج وجوهر.

[4] يتحدث العديد من المهتمين عن الكفايات ، وبالرجوع إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين. فلقد وظف لفظ كفاية.

[5] François Dubet, Marie Duru-Bellat -L’hypocrisie scolaire. Editions du Seuil, Paris, 2000, p. 141.

[6] انظر دراسات بيير بورديو وجان كلود باسرون وجان كلود شامبوردون ومن تبنى منهجهم الإرشادي .

[7] Hannah Arendt .- La Crise de la culture. Gallimard, Paris, 1989, Col. Folio, 380 page

[8] لقد بينا في البداية الفرق بين نزعة المحافظة المدرسية التي تقوم على المحافظة على النوع ، ونزعة المحافظة السياسية كإرادة في المحافظة على النظام الاجتماعي القائم . وهو تمييز يتطلب التفكير المستمر في إطار التعارض والتكامل بين غايات المدرسة.

[9] عبد الفتاح الزين – “البحث التربوي بين مهام التكوين وقضايا التنشئة “. علامات تربوية ، أكاديمية فاس ، 2000.

الأكثر رواجًا