بين التمثلات الاجتماعية والتمثل الذاتي

الصادق رابح ([*])

أستاذ في كلية الإعلام، جامعة الشارقة.

مقدمة

غالباً ما يُوصف الجيل الذي ولد في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين بـ “جيل الإنترنت”، حيث يميل إلى التفاعل والتآلف الاجتماعي وبناء هويته الرقمية، مستثمراً الآليات التي يتيحها له الفضاء الإلكتروني؛ وهو بذلك يختلف عن الأجيال التي سبقته من حيث تمثل التكنولوجيا والمهارات التقنية والكفايات الاجتماعية التي يملكها. وهذا التمايز العمري يستتبع تمايزاً آخر يمكن أن نطلق عليه الفجوة الجيلية الرقمية.

فالوعي بهذه التباينات العمرية، وما ينتج منها من فروقات في مهارات استخدام التكنولوجيات، شكّلت موضوعاً للكثير من القراءات المتنوعة حول طبيعتها وآثارها في العلاقة بين الأجيال. وكما هو الحال في أنماط الفجوة الرقمية، فإن الفجوة الجيلية غالباً ما يتم تأويلها على أن فئة الشاب تملك إمكانيات ومهارات تمكّنها من استثمار التكنولوجيا مقارنة بالفئات العمرية الأخرى، وخاصة فئة الكبار، وكبار السن تحديداً، الذين ولدوا (لسوء حظهم) قبل ظهور الإنترنت. وإذا كان من “المسلم به” أن الشباب هم الذين “سيحدّدون” مستقبل الوسائط الرقمية، باعتبارهم سيخلفون من سبقهم في اتخاذ القرارات، فإن الأمر الذي يبدو أقل وضوحاً يتعلق بالآثار المرتبطة بهذه الوضعية. فهل سيتحول الشباب الذين يوجّهون “الموضة” هذه الأيام إلى مستخدمين “محافظين” وتقليديين للتكنولوجيا مع الأيام، على اعتبار أن ما هو جديد اليوم سيصبح قديماً مع مرور الوقت؟ وهل أن أنماط استخدامهم للتكنولوجيا تعكس مرحلة حياتية سيتجاوزونها لاحقاً، وستعيد الأجيال القادمة إنتاجها، أم أنهم سيتبنون الرؤى الحالية نفسها في علاقتهم بالتكنولوجيا في مراحلهم العمرية اللاحقة، وتحديد مرحلة الكبر؛ وهو ما قد يؤدي إلى تحول جذري في طرائق استخدام الإنترنت؟

ورغم الخطابات الاحتفائية بـ”جيل الإنترنت” وقدراته “التثويرية” الكبيرة، إلا أننا نلاحظ إلى أي مدى ما يزال حضور وتأثير الكبار في الفضاء الرقمي الذي “تقطنه” فئة الشباب كبيراً، والذي يتجلى على عدة مستويات. فغالباً ما يكون الكبار وراء ظهور وتنظيم التكنولوجيا التي يستخدمها الشباب، كما أنهم يوظفونها للحصول على أرباح من هذه الفئة. كما يقوم القائمون على الوسائط الإعلامية بقراءة التكنولوجيات الجديدة وممارسات الشباب بطريقة تغلب عليها الرؤى المعيارية، والمصطلحات الأخلاقية، وإظهار الشباب “كآخر” مختلف. ويميل الباحثون الذين درسوا الوسائط الإعلامية الجديدة إلى مقاربتها من وجهة نظر الكبار، مستخدمين عبارات تقريظية، مثل الطبيعة الثورية للوسائط الجديدة، والتحولات الراديكالية التي أحدثتها هذه الوسائط… الخ. والحق أن قراءتهم لظاهرة الوسائط الإعلامية الجديدة تتموقع ضمن لحظتهم التاريخية، ولا تنفك عنها؛ فهي، بعبارة أخرى، رؤى سياقية تضفي طابعاً غرائبياً على الشباب وأنماطهم الاتصالية القائمة على استثمار التكنولوجيا. فإذا كانت الإنترنت قد أصبحت جزءاً من حياة الشباب وطقوسهم اليومية، فإن الأمر ليس كذلك دائماً بالنسبة إلى فئة الكبار الذي يكتبون عنها. فباستثناء التدوين الذي يمثل، عموماً، فعلاً شبابياً بامتياز، فإن الكبار هم الذين “يستأثرون” بفعل الكتابة في أغلب الأحيان حول الموضوعات الشبابية، وذلك من المنظور الذي أشرنا إليه سابقاً.

تقوم هذه الدراسة ببحث إشكالية التمثلات الاجتماعية والذاتية للهوية الرقمية للشباب، وتتبّع تجلياتها في عينة من الخطابات المتنوعة التي تنتجها بحسب آليات مختلفة. ولتحقيق ذلك، يدرس البحث ثيمة الفجوة الجيلية الرقمية ([1])، ومسارات التحول من الفجوة المرتبطة بأسئلة الوصول إلى التكنولوجيا والمهارات المصاحبة لها، إلى تلك المتعلقة بالتباين بين رؤى الكبار حول الوسائط الجديدة وتجارب فئة الشباب في علاقتهم بهذه الوسائط، وتحليل آثار واستتباعات هذا التباين.

انطلاقاً من ذلك تتمحور الدراسة حول النقاط التالية:

1- نستعرض بعض التمثلات الاجتماعية التي يحملها الكبار حول الهوية الرقمية للشباب، وذلك من خلال الإحالة إلى بعض المضامين الترفيهية والإعلامية والأكاديمية.

2- نتناول تمثل فئة الشباب لذاتها ومواقفها التي تتجلى من خلال سلوكها الرقمي، سواء بالاعتراف بحق الكبار في تقييم هذا السلوك أو مقاومة أو رفض هذا التقييم. وسنبيّن كيف أن تسرب التكنولوجيات الرقمية والممارسات المرتبطة بها إلى الحياة اليومية يمكن أن يحفز على تبيئتها وتوسيع دائرة استخدامها الاجتماعي، وبالتالي تساهم، بشكل تدريجي، في إحداث تحولات اجتماعية ومعرفية.

ونختتم هذه الدراسة بالنظر في الآثار العامة للفجوة الجيلية، ذلك أن المرحلة الانتقالية الحالية ذات دلالة تاريخية كبيرة، كما أنها تشكل فرصة ملائمة للتحاور حول التجديدات الت<h3>-كنولوجية، والقوى التي تحرّكها، والاختيارات المتاحة للمستخدم، إلى جانب أن هذا التفاعل يمكن أن يساهم في تحفيز فئة الشباب على الحس النقدي وقراءة ممارساتهم الإعلامية بطريقة مختلفة، بدل الافتتان بالموجة التكنو ثقافية واستهلاك منتجاتها بدون تبصّر.

تسترشد هذه الدراسة في قراءتها لهذه الإشكالية بالشبكة المفاهيمية التي تأخذ بها مقاربة التمثلات الاجتماعية للواقع (Social Representation) لسيرج موسكوفيسي (Serge Moscovici)، وهو منظور بحثي يمكننا من فهم أفضل للأفراد والجماعات، وذلك من خلال تحليل طرق تمثلهم لذواتهم وللآخرين وللعالم من حولهم. وترى هذه المقاربة أن تمثل الظواهر، فردياً وجماعياً، وإضفاء دلالة عليها يحيل إلى سيرورة بنائية تقوم على التأويل وفق المرجعيات الفردية والجماعية للمؤول، التي “ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنشئة الاجتماعية، والتفاعلات اللغوية والعواطف والمشاعر” (Ruano-Borbalan, 1998). وبعبارة موسكوفيسي، “فإن كل تمثل يخلق الواقع الذي يحيل عليه […]؛ ذلك أن [الأشياء] لا توجد خارج التمثلات التي نشكلها عنها”. أما أداتنا في إنجاز هذا الفعل “التمثلي”، بحسب الباحث نفسه، فهي التسمية أو الوسم، إذ تعتبر هذه الآلية “ظاهرة مركزية في تشكل تمثل ما” (Lecomte, 1998). وعليه، فإن الخطابات حول الهوية الرقمية للشباب يجب مقاربتها ضمن هذه الرؤية، أي باعتبارها تمثلاً / بناءً لا يحيل إلى “الواقع”، بل بقدر ما يحيل إلى تمثل ما لهذا الواقع.

أولاً: الكبار والتمثل الاجتماعي

لصورة الشباب الرقمي”

يذهب نيل هوي ووليام ستروس (Neil Howe & William Strauss) إلى أن جيل الشباب الحالي هو الذي يحظى بأكبر اهتمام في المجتمع. فقد تحسنت المعايير المدرسية، وارتفعت توقعات الآباء بخصوص الأداء المدرسي لأبنائهم مقارنة بالجيل السابق (Griffin, 2002)، حيث إن وقت الأبناء قد أصبح أكثر تنظيماً، ويخضع سلوكهم لمراقبة أكثر صرامة؛ وهو ما اعتبره البعض كردّ فعل ضدّ أسلوب التربية “التحرّري” الذي ساد في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين في الغرب، والذي ارتبط برفض القيم التقليدية للمجتمع أو المطالبة بإعادة صياغتها، هذا من ناحية، والتفكير في استثمار التكنولوجيات الجديدة التي يسّرت إنجاز مهام متعددة في الوقت نفسه، وأتاحت فعالية ورقابة أكبر، من ناحية أخرى. إضافة إلى هذه الأسباب التاريخية الخاصة، يمكن الإشارة إلى توجّه عام تمثَّل في حرص الآباء، باعتبار خبرتهم الحياتية ومكانتهم الاجتماعية والاقتصادية داخل الأسرة، على حماية أبنائهم ومراقبتهم، وذلك بحجة “الحفاظ على مصالحهم”.

ضمن هذه السياقات، سعت فئات أخرى من الكبار إلى تقديم تمثلاتها الاجتماعية إلى الشباب، وذلك من خلال المضامين الترفيهية والإعلامية والأكاديمية، مدفوعة إلى ذلك بأسباب عدة، منها الربح المادي، والحفاظ على الضوابط والطقوس الاجتماعية، والبحث عن المعرفة والاعتراف الأكاديمي. وينتمي الجامعيون المهتمون بإشكالية الشباب عموماً إلى هذه الفئة الأخيرة. وبما أن هذه الدراسة تقارب إشكالية التمثل / البناء الاجتماعي للهوية الرقمية للشباب من منظور الكبار، التي ترتبط (الهوية) ضرورة باستخدام التكنولوجيات الرقمية الجديدة، خاصة الإنترنت والويب والتكنولوجيات المحمولة، سنقدم في الفقرات التالية ثلاثة أشكال من الخطابات، “كنماذج” توضيحية، حول تمثلات “الشباب الرقمي”: المضامين الترفيهية، ومضامين الوسائط الإعلامية، والمقاربات البحثية الأكاديمية.

1- تمثلات ” الشباب الرقمي”

في المضامين الترفيهية والإعلانات

قد يبدو من المسلم به أن من يصمّم وينتج المضامين الترفيهية الموجهة إلى فئة الشباب هم الكبار، وليس الشباب أنفسهم. فالأفلام والمواد الترفيهية التلفزيونية ينتجها الكبار، وليس الشباب. كما أن الموسيقى الشعبية التي تعتبر جزءاً أساسياً من التجربة الحياتية للشباب في الكثير من المجتمعات، والتي تمثل صناعة تبلغ عائداتها مليارات الدولارات، يديرها الكبار رغم انتماء الفنانين إلى هذه الفئة العمرية (الشباب). ولا يختلف الأمر عندما يتعلق بصناعة ألعاب الفيديو الشعبية التي تعج بمشاهد القتل والجريمة والعنف عموماً، إذ إن مصمّميها ومسوّقيها إلى الشباب هم من الكبار. وهو ما دفع هوي وستروس إلى القول إن “جيل الشباب يعتبر في الحقيقة أقل عنفاً، وأقل ابتذالاً، وأقل تعرضاً للإدانة الجنسية من مضامين الثقافة الشعبية التي ينتجها لهم الكبار” (Griffin, 2002).

كما يستفيد الكبار مالياً من المضامين الموجّهة إلى استهلاك الشباب، ويتحكَّمون في كيفية الوصول إليها. فعائدات الحواسيب وألعاب الفيديو التي يُقبل الأطفال والمراهقون والشباب عموماً على استهلاكها بنهم عند مستوى عمري معيّن، قد وصلت في الولايات المتحدة وحدها عام 2007 إلى 8,64 مليار دولار (ESA, 2008). أما في الوطن العربي، فتقدّر بعض الإحصاءات “حجم إنفاق الطفل السعودي [مثلاً] على ألعاب الترفيه الإلكتروني بنحو 400 دولار سنوياً” (الشرق، 2009). وإذا كانت نظرية أو اقتصاد التخفيضات والحوافز الضريبية ([2]) تشير إلى استفادة الشباب من الأوضاع الجيدة للاقتصاديات الوطنية، وذلك من خلال تمكين الآباء من الحصول على عائدات مادية جيدة (وهو ما ينعكس إيجابياً على الأبناء)، فإن المال الذي يذهب إلى مصروفات الأبناء على الترفيه يتحكَّم فيه الآباء بطريقة تكاد تكون كاملة، حيث تشير بعض الإحصاءات إلى أن 94 بالمئة من الآباء يصحبون أبناءهم عند شراء أو تأجير ألعاب الفيديو الحاسوبية (ESA, 2008)، وهو ما يمكّنهم من تأدية دور مهم في تنظيم وترشيد ومراقبة استهلاك أبنائهم لهذه المنتجات الترفيهية.

أما المعلنون فيحرصون على استمالة الشباب، ويستثمرون في ذلك الوسائط الإعلامية الجديدة والشبكات الاجتماعية (Kelly, Kerr and Drennan, 2009)، على اعتبار أن هذه الفئة الاجتماعية تشكل سوقاً استهلاكياً مهماً لمنتجاتهم، إذ تقوم الأقسام التسويقية ببناء مواقع لها على الإنترنت مصمَّمَة بطريقة تجذب هذه الفئة العمرية، وتتمحور موضوعاتها حول الرياضة، والموضة، والتعارف، والسيارات. وغالباً ما تتضمن هذه المواقع الكثير من الإعلانات التي تتوجّه إلى هذه الفئة. لكن ما يمكن معاينته أن الكثير من المنتجات التي يتم تسويقها، عبر الوسائط الجديدة، والتي تستهدف الشباب، يستهلكها الكبار في الأصل. من أمثلة ذلك ما تقوم به بعض المؤسسات المنتجة للكحول، حيث تقوم بتصميم مواقع إنترنتية تستهدف استمالة المراهقين، وتعزّزها بمجموعة من الآليات التفاعلية، مثل القدرة على تحميل الموسيقى والألعاب، والخلفيات المكتبية لمنتجات كحولية تمثل علامات تجارية معروفة. بل إن بعضها، وخاصة في بعض الدول الغربية، قام بعقد اتفاقيات مع بعض التلفزيونات التي تقدم خدماتها عبر الهاتف المحمول للإعلان عن منتجات كحولية، مع العلم أن الكثير من مستخدمي هذه الهواتف هم من المراهقين (Center on Alcohol Marketing and Youth, 2004).

ويقدم مصمّمو الألعاب، بطريقة مقصودة أو غير مقصودة، نماذج سلوكية للشباب، يحفزونهم من خلالها على تبني سلوك معين أو تمثل معين للذات. كما يسعى المعلنون إلى تعزيز الولاء للماركات في مراحل عمرية مبكرة، وبالتالي يقومون ببناء هوية الشباب، مثلاً، كراشدين أو أصحاب شخصيات مستقلة، ومحتفين بالتغيير، وذلك اعتماداً على مدى استهلاكهم للمنتجات المروّج لها (Pew Research Center, 2010). وفي هذا السياق، يشير ديفيد بكينغهام إلى أنه “رغم طابعها الوهمي، فإن الوسائط الإعلامية يمكن أن تجعل الشباب يشعرون بالاستقلالية والحرية، أي بمعنى أنهم هم الذين يديرون ذواتهم، وليس الكبار” (Buckingham, 2003). مع ذلك، فإن هذه التجربة تتحقق عبر توسط الكبار والمؤسسات الاجتماعية التي يشرف عليها هؤلاء، ولا يكون مصدرها “جيل الإنترنت” نفسه، على اعتبار أن هذه الشريحة لم تصل بعد إلى سنّ يمكّنها من بلوغ وضع اجتماعي للتأثير في صناعة المضامين الترفيهية.

2- تمثلات الشباب في المضامين الإعلامية

إذا كان الكثير من صانعي المضامين الترفيهية يصوّرون “جيل الإنترنت” (الحروب، (2002)؛ Wolton, 2002; Pare, 2001, and Jones and Fox, 2009 )، على أنه جيل يُعوّل على ذاته ومستقل في اختياراته (Stone, 2010)، فإن الكثير من منتجي المضامين الإعلامية غالباً ما يميلون إلى إنتاج خطاب مناقض، ورسم صورة مختلفة عن الشباب تظهرهم على أنهم غير راشدين ويحتاجون إلى التوجيه والحماية الاجتماعية. ويعكس هذا الخطاب الإعلامي ذو الطبيعة الأبوية والوعظية، إلى حدّ كبير، التصورات الاجتماعية النمطية السائدة عن الشباب، التي تختزله في كونه مشكلة تهدد النظام الاجتماعي، بسبب ميله إلى التمرد، وارتكاب سلوكيات منافية للمجتمع، والإسراف في الاستهلاك… الخ. وتحيل هذه القوالب الذهنية الجاهزة إلى ما يعتقد الإعلاميون أنه يمثل هاجساً بالنسبة إلى الآباء والمربين حول الوقت الذي يقضيه الشباب على الإنترنت، إذ “يتحسّر الكثير من الآباء […] حينما يرون أطفالهم يقضون أوقاتهم في الألعاب الإلكترونية […]. ويتمنى أغلب الآباء لو أن أبناءهم يستغلون هذا الوقت” المهدور “في أمور أكثر جدية […]” (عبد الوهاب، 2008: 97). فالفضاء الجديد (الإنترنت) مثلاً يبقى بالنسبة إلى الكبار، خاصة أولئك الذين يفتقدون معارف ومهارات تكنولوجية، فضاءً مبهماً ومخيفاً وغير واضح المعالم، وربما خطيراً أيضاً بالنظر إلى تعقده وانفتاحه وكونيته وكثرة “المفترسين” به ([3]).

فالكثير من الآباء يخشون تعرّض أبنائهم للمضامين الإباحية، حيث يتم إغراؤهم واستدراجهم، عبر التفاعل الذي تتيحه المواقع الاجتماعية، إلى لقاءات حقيقية في الواقع الفيزيائي تحدث فيها أشياء “فظيعة” تزيد من قلق الآباء على أبنائهم، وقد تناقلت الوسائط الإعلامية بالفعل تجارب قاسية للكثير من مستخدمي الإنترنت من الشباب، وهو أمر لا يطمئن الآباء ويهدئ من روعهم وخوفهم على أبنائهم. وما يزيد الطين بله أن الوسائط الإعلامية تنقل هذه الأخبار بطريقة تغلب عليها الإثارة الدرامية و”التبهير” (من بهارات) الزائد، ليتحول الأمر في أحيان كثيرة إلى هلع عام، ثم يأخذ لاحقاً شكل غضب من الوسائط التكنولوجية الجديدة، باعتبارها تمثل تهديداً للمجتمع وقيمه وتقاليده ([4]). وينتشر خطاب تأثيم هذه الوسائط بقوة في الوطن العربي، حيث يغيب تحليل الظواهر والبحث في أسبابها العميقة، ويسود خطاب يتخذ من “الولولة” والثبور آليات يُعاد إنتاجها باستمرار.

وكمثال على الهلع الذي غذّته الوسائط الإعلامية، يمكن أن نشير إلى موقع ماي سبيس، باعتباره مكاناً افتراضياً يتردد عليه الكثير من المراهقين الذين يتفاعلون مع بعضهم البعض، ويتبادلون الكثير من المضامين، خاصة الصورية والفيديوية (Boyd, 2006). وبما أن المعلومات الشخصية للأفراد في هذا الموقع الاجتماعي متاحة لكل من يريد الاطلاع عليها، فإن ماي سبيس قد جذب إليه الكثير من الباحثين عن المتعة الجنسية، وهو ما نبّهت إليه الكتابات الصحفية عبر سردها لحالات عديدة، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً. فقد كتب أحدهم منبّهاً إلى أنه “إذا كان عدد مستخدمي ماي سبيس عبر العالم قد وصل إلى 90 مليوناً، فإن الكثير من هؤلاء قد سقطوا في لقاءاتهم الإنترنتية، ضحية المفترسين الذين اعتدوا على بعضهم وخطفوا بعضهم الآخر، بل إن الأمر وصل إلى تعرّض بعضهم للقتل في حالات أخرى. كما أنّ الآلاف من المراهقين والشباب قد تمّ استدراجهم ليسقطوا في الفساد الأخلاقي، وذلك من خلال الصور التي يتبادلونها مع الأفراد الذين يتفاعلون معهم على الإنترنت” (Laurie, 2006).

وقد تضمّن الكثير من المقالات نصائح تدعو الآباء إلى الحرص على سلامة أبنائهم والحؤول دون سقوطهم ضحايا للمفترسين عند مشاركتهم في الشبكات الاجتماعية والإبحار في الإنترنت عموماً (الشرق الأوسط، 2009أ؛ Vip 4 Soft، 2008، الريفي، 2009، والموسى، 2008)، والملاحظ أن توصيف “الشباب الرقمي”، باعتباره “يفتقد إلى الحصانة” “وضحية” سهلة، يتناقض تماماً مع التمثلات الاجتماعية للقائمين على المضامين الترفيهية التي أتينا على ذكرها سابقاً، وتشترك هاتان الرؤيتان في كونهما تحملان وتحيلان في الوقت نفسه إلى تمثلات الكبار لهوية الشباب (Chang, 2006).

من الأشكال الأخرى للحملات ذات الطبيعة الأخلاقية التي تروّج لها الوسائط الإعلامية، نجد أيضاً الاعتقاد الواسع في تراجع المهارات اللغوية للشباب، كما تتجلى فيما يطلق عليه البعض “لغة النت” (عمران، 2010، وCrystal, 2001)، التي تحيل إلى استخدام الاختصار، والأرقام فيما يتعلق باللغة العربية، وعدم احترام قواعد الإملاء في التبادلات التي تتخذ من الحاسوب وسيلة أساسية. وقد دفعت هذه الممارسات إلى عودة الخطابات القديمة للكبار حول الخوف من تراجع الكفايات اللغوية للشباب وسيادة السجل اللغوي العامي، واعتبار ذلك دليلاً على “التردي” اللغوي (عيسى، 2009)، فالوسائط الإعلامية عموماً غالباً ما تميل إلى تصوير الاتصال القائم على توظيف الحاسوب (البريد الإلكتروني، الدردشة، التواصل الآني (الفوري)، والرسائل النصية القصيرة) بصورة سلبية، ووسم الشباب أيضاً بعدم الكفاءة الاتصالية. فالكثير من هذه الوسائط ترى أن لغة غرف الدردشة، مثلاً، تهدد “مصير اللغة العربية، من خلال مزجها مع لغات أجنبية واستبدال أحرفها بالأرقام” (العرب، 2009). بل هناك من أفتى بتحريمها (النجار، 2009). وقد أطلق البعض الآخر على الدردشة عبر الإنترنت “لغة مشاغبة” و”هجينة ومستنكرة” (الوسط، 2009) معتبراً أنها “لغة مشوهة تكتب فيها اللغة العربية بالأحرف اللاتينية، فهي عربية لفظاً، لاتينية كتابة، وهي لغة تعتمد على استخدام الأرقام بدلاً من الأحرف […]” (رمضان، 2010). ولا يختلف الأمر في سياقات ثقافية أخرى، حيث نجد الخوف من فساد الذوق اللغوي، إذ اعتبرت فانكوفر صان الكندية، مثلاً، أن اللغة الإلكترونية قد تحولت “إلى لغة مختصرة ومختزلة تفسد اللغة الإنكليزية للملكة. فأولادنا يلجون إلى الإنترنت ويصيبهم فيروس لغة الويب. إن هذا المرض الاتصالي ينتشر بقوة بين جيل الإنترنت” ([5]). وفي فرنسا، حيث تختلط الطهرانية اللغوية أحياناً بالعنصرية تجاه بعض الفرنسيين من أصول مغاربية وأفريقية، أشارت إحدى الوسائل الإعلامية إلى “أن تأثير الرسائل النصية القصيرة، والإنترنت والضواحي أيضاً (هكذا!)، يدفع المراهقين إلى ابتداع لغة غريبة وأجنبية بالنسبة للكبار” (TFI, 2009).

وتذهب بعض التقارير الإعلامية، في حديثها عن الآثار الأخلاقية لممارسات الشباب الإلكترونية، إلى طرح قضايا أخرى أبعد من اللغة. فالرسائل النصية، بحسب إحدى المقالات، “تمثل خطراً على التقدم الاجتماعي”، بينما تحذر أخرى، بطريقة فيها الكثير من الإثارة من أن “الحضارة يتهددها خطر الانهيار” (Thurlow, 2007). في السياق نفسه، تميل بعض التقارير الصحفية إلى أن الاتصال الإلكتروني، يركز على سيادة الطابع الفكاهي واللعبي الرمزي للرسائل النصية التي تميل إلى المبالغة والفبركة. ويشير بعض الباحثين إلى أن تمثل الكبار للشباب هو تمثل مشوّه إلى أبعد الحدود، حيث إنه يوحي بطبيعة علاقات القوة التي تؤسس رؤية هذه الفئة للشباب (BBC, 2008)؛ أي بعبارة أكثر دقة “فإن المبالغة في تصوير تمايز الشباب في لغة الوسائط الجديدة تؤدي دوراً محورياً في تمرير خطاب التمايز هذا إلى الشباب، وبالتالي تعمل على تجذير اختلافه؛ وهو ما يؤدي بدوره إلى ضبط الشباب اجتماعياً وتحضيرهم ليكونوا كباراً” (Thurlow, 2007).

يمكن القول إن مثل هذه الخطابات الإعلامية لا تعكس فقط، وربما في المقام الأول، المنظور الفكري للصحفيين، بل إنها تحيل إلى الرؤية المعيارية للمجتمع ككل. فهذه الخطابات التي منحت لنفسها الحق في أن تقوم مقام الآباء، تقوم ببناء السلوك الإلكتروني للشباب اجتماعياً، وذلك من خلال ثنائية قيم الكبار وخوفهم في الوقت نفسه.

3-تمثلات الشباب في المقاربات البحثية الأكاديمية

أما الخطاب الثالث الذي يقوم ببناء هوية الشباب وعلاقته بالوسائط الإعلامية الجديدة، فينتجه الباحثون الأكاديميون. وتحيل فئة الباحثين إلى خطابات عالمة تملك شرعية مؤسسية واجتماعية، يمكن أن تفيد المجتمع في بناء استراتيجياته التربوية. وكثيراً ما تستشهد الوسائط الإعلامية بمقولات وآراء هؤلاء، وإن بطريقة مشوّهة في الكثير من الأحيان، في تقاريرها الإخبارية، لتضفي على مضامينها نوعاً من الشرعية. وإذا كانت هذه الخطابات العالمة قد ظلت إلى فترة كبيرة مقتصرة على مجال تداولي ضيق لا يتجاوز الدائرة الأكاديمية، فإن الإنترنت قد جعلتها متاحة لكل من يبحث عنها، مما أعطى لحضورها بعداً يضاهي ذلك الذي تتمتع به الوسائط الإعلامية. ويمكن، اختصاراً، تقسيم الباحثين في مجال الوسائط الإعلامية الجديدة إلى ثلاث فئات: فئة الأبويين الوعظيين المتشائمين الذين ينتجون، تحت مظلة العلم، أيديولوجيا تأثيمية تخويفية تُحمّل الوسائط التكنولوجية الحديثة مسؤولية “الانحدار” الاجتماعي، والأخلاقي، واللغوي، والجمالي، والذوقي… الخ؛ وفئة الاحتفائيين التي ترى في هذه التكنولوجيات فتوحات عصرية ستحدث تغييرات جذرية تطال كل مناحي الحياة؛ وفئة ثالثة تجتهد في تنزيل هذه التكنولوجيات والممارسات الشبابية المرتبطة بها ضمن سياقات الاستخدام التي تتسم بطابعها التفاعلي، مؤكّدة أن دلالة الأشياء غالباً ما تكون محايثة للسياق الاتصالي، وليس خارجه. وتتقاسم الفئتان الأولى والثانية الميل إلى إضفاء طابع غير عادي على موضوعها، وذلك من خلال القول بجدته، واختلافه الجذري، بل مفارقته لما كان سائداً، والرفع من قيمته المعرفية التحويلية؛ وهو موقف احتفائي غالباً ما يخلط العلم بالأيديولوجيا.

وإذا كانت مقاربات الفئة الثالثة قليلة الحضور، خاصة في المنطقة العربية، فإننا لسنا بحاجة إلى كبير عناء للتعرف على الكثير من الكتابات التي تغلب عليها الرؤى الوعظية المعيارية من ناحية، والاحتفائية من ناحية أخرى، إذ يمكن أن نحصي العديد من الأمثلة عن هذه اللغة التي ترفع من شأن ثيماتها البحثية في الكثير من الأدبيات التي اطلعنا عليها، وخاصة في الفقرات التقديمية، حيث يكون الهدف منها تأكيد قيمة الدراسة ومقاربتها لظواهر مهمة، مثل الشباب والتكنولوجيا، والشباب والإنترنت، والثقافة التكنولوجية للشباب وغيرها. وغالباً ما تؤكد هذه الدراسات تمايزها وتميزها مما سبقها. ومن العبارات النمطية التي تحفل بها هذه الدراسات: “ما دامت الأوساط الاجتماعية والصحية والتربوية تدق أجراس الخطر، وتنعي شباباً بات أسيراً لشبكة أخطبوطية…” (كمال، 2006: 318) […]. ويتضح التأثير السلبي لوسائل الاتصال في تأكيدها [على] القيم المادية والاستهلاكية […]” (بركات، 2009)؛ “تؤكد الأبحاث أن الإنترنت لها طبيعة إدمانية خطيرة […]، ومن الواجب […]، أن ندق نواقيس الخطر” (كلاوي، 2006: 471)؛ “إن فئة الشباب […] هي الفئة التي تتميز […] بالمغامرة والإثارة والفضول… وتبني الجديد ومحاولة التأقلم معه […]” (عايش وقيراط، 2006: 53)؛ “يعيش شباب اليوم ثورة كبيرة” (Griffin, 2002)؛ “إن هذا الشباب مختلف عمن سبقه، وذلك نتيجة تعرضه واستخدامه للوسائط الإعلامية الرقمية” (Flanagin and Metzger, 2008)؛ “إنهم جيل جديد مختلف جذرياً عن الآباء في طريقة عمله، وتعلمه، واتصاله، ولعبه، وتسوقه، وتشكيل صداقاته” (Tapscott, 1998)؛ “التكنولوجيا قد أحدثت تغييرات كبيرة في جيل الإنترنت” (Oblinger and Oblinger, 2005)، بل إن بعض الباحثين لا يتوانى في الادعاء بفرادة هذا الجيل: “إن جيل الألفية الجديدة لا يشبه بأي شكل من الأشكال الأجيال الشبابية السابقة التي مازلنا نذكرها” (Griffin, 2002).

يبدو إذاً أن “جيل الإنترنت” الذي تنتجه هذا الخطابات هو جيل ثنائي الهوية؛ فهو من ناحية هشّ وغير راشد، ويحتاج دائماً إلى الأخذ بيده في مجاهل التكنولوجيات الحديثة لتأسيس علاقة “سوية” بها، ومن ناحية أخرى فهو “جيل فضولي، ومعتمد على ذاته، وليس امتثالي، وذكي […]، ويملك القدرة على التكيف، ويميل إلى تثمين ذاته، إضافة إلى كونه صاحب رؤية شاملة في توجيه نفسه (Tapscott, 1998). ويؤكد هوي وستروس هذه الرؤية بالقول “إن اسم “الألفية” يشير إلى المكانة التي سيحتلها هذا الجيل في المجتمع؛ إنه يمثل قوة دفع جديدة للتاريخ. إن استتباعات هذه القوة الجيلية هي أكبر من أن يجرؤ على تصورها آباء ومدرسو (بل حتى أغلبية الصغار) اليوم” (Griffin, 2002). ويتقاسم الخطاب الأول بعض السمات مع خطاب الوسائط الإعلامية عندما يؤكد أن “ثقافة الوسائط الإعلامية الجديدة تمثل، في الوقت نفسه، الكثير من الآمال والمخاطر بالنسبة إلى فئة الشباب” (Montgomery, 2000). فتمثلات عالم الثقافة “العالمة” تظل منقسمة بين هاتين الرؤيتين، ويقل فيها حضور القراءات التي تحركها إرادة المعرفة.

وإذا ما وضعنا جانباً ميل هذه الخطابات إلى المبالغة والغلو البينين في وصفهما لـ “جيل الإنترنت”، يمكن أن نسوق ملاحظتين رئيسيتين حول هذا النمط من التوصيف:

أ- يظهر أن الأخذ بسجل لغوي “غرائبي” يمثل ميلاً “طبيعياً” لدى الكبار إلى إسقاط تجاربهم  ورؤاهم على واقع الآخرين. فهذه الفئة التي لم تكبر مع الوسائط الرقمية الحديثة، وتشكل وعيها في سياقات تكنولوجية مختلفة، تنظر إلى هذه الوسائط باعتبارها جديدة ومختلفة كثيراً مقارنة بتجاربها التكنولوجية السابقة. ويذهب الكثير منهم، كما رأينا ذلك، سواء إلى تأثيمها وتحميلها الكثير من الاختلالات الاجتماعية، أو تعظيم قدراتها التحويلية. وهو أمر يمكن أن يقرأ في ضوء الفجوة الكبيرة أو القطيعة الجيلية (pisani and piotet, 2008) التي تفصل بين تجارب الكبار والشباب في علاقتهم بالوسائط الرقمية الجديدة من ناحية، واستحضار مسألة تحكم الكبار في الخطابات السائدة حول الشباب من ناحية ثانية.

ب- تؤدي التكنولوجيا دوراً محورياً في هذه الخطابات. فهي تشير، كما رأينا ذلك سابقاً إلى أن الشباب يختلفون عن الفئات الاجتماعية، وذلك بسبب تعرضهم واستخدامهم للوسائط الرقمية. كما أن التكنولوجيات قد أحدثت تحولات كبيرة في جيلهم، ومكنتهم “خبرتهم الرقمية” من أن يشكلوا جيلاً يتمتع بـ “قوة اجتماعية كبيرة قادرة على التغيير”.

نتبين إذاً أن هذه الخطابات تعمل على مستويين: تصوير الشباب كفئة تحتاج إلى الحماية والترشيد، وكقوة فاعلة ومؤثرة، وإظهار دور التكنولوجيا في تشكيل هويتهم، على اعتبار دورها المحوري في حياتهم. إن مثل هذه البناءات الاجتماعية تؤكد مغايرة الشباب المعاصر وآخريته (Thurlow, 2006)، وتصوّره على أنه خليط غرائبي يجمع بين البعدين البشري والآلي (Haraway, 2010). وتطرح الرؤى الأبوية والمعيارية، وتلك المحتفية بالحتمية التكنولوجية، الكثير من الإشكالات؛ ذلك أنها تتجاهل المتغيرات السياقية والدوافع الاجتماعية في تشكيل سلوك الأفراد. إذ لم يعُد خافياً اليوم أن تمثل الشباب لذواتهم ولمحيطهم تتحكم فيها الكثير من المتغيرات، تبدأ بمجموع رؤوس الأموال الرمزية التي يستثمرونها في تفاعلاتهم المختلفة، ولا تنتهي إلى الجماعات المرجعية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تؤدي دوراً محورياً في تشكيل هويتهم. فالمتغيرات الأخلاقية والتقنية والتكنولوجية التي توليها هذه الخطابات أهمية كبيرة، تظل متغيرات تابعة، وليس أدل على ذلك من معاينة التباين بين أفراد فئة الشباب في تمثلها واستخدامها للتكنولوجيا، بناءً على السياقات الثقافية والاقتصادية والعائلية التي تعيش فيها (Facer [et al.], 2003, ROSE, 2004, and Valentine and Holloway, 2002). ورغم أن هذا الأمر يكاد يكون من تحصيل الحاصل، إلا أن الكثير من الدراسات ما زالت تغلب الرؤى المعيارية الوعظية في مقاربتها لثيمة الشباب والتكنولوجيا، بينما يميل بعضها الآخر إلى المبالغة في تقدير الدور التحويلي الذي تمارسه التكنولوجيا على الشباب وممارساته الاجتماعية.

إجمالاً، يمكن القول إن هذه الخطابات “العالمة” تساهم في تشكيل صورة عن “جيل الإنترنت” تتسم بطابعها المفارق لواقع الممارسة التكنولوجية لهذه الفئة، وتميل إلى المبالغة وإعطاء صورة غير واقعية لهذا الجيل؛ وهو ما يمثل انعكاساً لتمثلاتها الاجتماعية للتكنولوجيا، ودور هذه الأخيرة في صياغة الهويات الفردية.

ثانياً: الشباب والتمثل الذاتي للهوية الرقمية

تعتبر الخطابات التي استعرضناها في الفقرات السابقة حول الشباب من الخطابات التي تجد رواجاً كبيراً في المجتمعات المعاصرة. في مقابل هذه الصورة التي يحملها الكبار عن الشباب، ما هي تمثلات هذه الفئة لهويتها الرقمية؟ بداية يجب أن نشير إلى أن الشباب، قبل ظهور الفضاءات التعبيرية التي وفرتها لهم التكنولوجيات الحديثة، نادراً ما يجدون منفذاً إلى المشاركة في الفضاء العام، وبالتالي المساهمة في تشكيل ملامح الخطاب الاجتماعي حول ذواتهم والإشكاليات التي تهمهم. فأصوات الشباب، كما تظهر في الحوارات التي تتضمنها الوسائط الإعلامية، أو في اقتباسات الدراسات الأكاديمية، تخضع للغربلة الاجتماعية ضمن سياقات يسيطر عليها الكبار. وحتى عندما تتاح للشباب فرصة التعبير المباشر عن أنفسهم، كما يحصل في المدونات والشبكات الاجتماعية، مثلاً، فإن رؤاهم تفتقد الدعم المالي والمؤسسي، على عكس الخطابات التي يقف وراءها المسوّقون ومنتجو المضامين الإعلامية والأكاديميون، وبالتالي فإنها أقل وزناً من ناحية الحضور والتأثير. مع ذلك، يجب التأكيد هنا، أن الشباب يملكون تصوراتهم الخاصة التي ولدت من رحم تجاربهم الخاصة.

سنسعى في الفقرات التالية إلى التعرف على رؤية “جيل الإنترنت” للوسائط الرقمية، وإلى أي مدى تأثرت هذه الرؤية بخطابات الكبار والسياقات الاجتماعية التي يعيشون فيها.

بعد استحضار هذه السياقات، يجب أن نشير بداية إلى أنه بحكم انتمائنا إلى عالم “الكبار”، فإنه من المحتمل، رغم “قبعتنا” الأكاديمية، أن نعيد إنتاج تمثلات هذه الفئة حول هوية الشباب. وعليه، فإن كل ما نسعى إليه في الفقرات التالية، هو محاولة مساءلة الفهم السائد للعلاقات بين الكبار، والشباب، والوسائط الرقمية، والفضاء العام. ويكفي للتدليل على ذلك الإحالة إلى بعض المؤشرات التي تستدعي إعادة النظر في بعض المسلمات التي ذكرناها سابقاً. سنحيل في هذه الدراسات إلى سياقات ثقافية مختلفة، ولذلك فإننا ندعو القارئ إلى ضرورة استحضار التمايز بينها، كالسياقين العربي والغربي، رغم وجود الكثير من التقاطعات بين “الشباب الرقمي” في العالم المعاصر، مع ضرورة التنبيه هنا إلى أن فئة من الشباب، في الوطن العربي، تميل إلى إعادة إنتاج الخطاب المعياري الوعظي للكبار.

سنعتمد إذاً في القيام بهذه المساءلة على عينة من الخطابات السائدة، سواء تمثلت في الدراسات الأكاديمية حول الشباب والوسائط الرقمية التي تمنح الشباب إمكانية التعبير عن أنفسهم (النصوص الأصلية للمقابلات مع الشباب)، أو المضامين المتنوعة التي ينشرها ويبثها الشباب عبر الإنترنت. ورغم أن المواد تتسم بجزئيتها، وعدم تمثيلها لكل الشباب، بما في ذلك في السياق الغربي، فإنه يمكن اعتبارها مؤشرات، رغم خصوصية السياقات المجتمعية، على تمثلات الشباب لعلاقتهم بالوسائط الرقمية.

  1- في تمثل ” جيل الإنترنت”

للوسائط الرقمية

تشير الكثير من الدلائل إلى أن رؤية الشباب للوسائط الرقمية تختلف عن تمثل الكبار لهذه الوسائط في الكثير من النواحي، إذ يؤكد بعض الباحثين أنه “إذا سألت أحداً من “جيل الإنترنت” عن التكنولوجيا التي يستخدمها، فإنه غالباً ما يحدّق فيك باستغراب، ذلك أنه لا يفكر بالتكنولوجيا بحدّ ذاتها، بقدر ما يركز على الأنشطة التي تمكنه من أدائها” (Oblinger and Oblinger, 2005). كما أنّ هذا الجيل ليس ميالاً إلى الانبهار بتجديدات عصره، أو الدخول في مقارنات بين زمنه وزمن ما قبل الإنترنت الذي يملك عنه القليل من المعرفة. ولهذا، فإن فعل استخدام التكنولوجيا لا يبدو، في حدّ ذاته، غريباً عليه، بل إنه فعل روتيني، وربما مبتذل (Herring, 2004).

وتستخدم هذه الفئة التكنولوجيا لأغراض اجتماعية، وهي بذلك لا تختلف عن سابقتها من الأجيال في علاقتهم بتكنولوجيا عصرهم. فأفرادها يتواصلون مع أصدقائهم عبر الرسائل النصية، والبريد الإلكتروني، وغرف الدردشة، والشبكات الاجتماعية. ويقومون بتطويع اللغة واختصارها في الكثير من الرموز التي تظل مبهمة بالنسبة إلى الآخرين لتأكيد هوياتهم الجماعية، ويعبّرون عن همومهم من خلال المدوّنات، والفايسبوك، واليوتيوب، وغيرها من الشبكات الاجتماعية. ويتفننون في إدارة حضورهم الرقمي، خاصة من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية، للحصول على تثمين أقرانهم. كما تقوم “محركات البحث (بالنسبة إليهم) مقام المكتبات، والمواقع التي تبيع السلع مقام المراكز التجارية، ومواقع تنزيل الموسيقى والألعاب كمسارح أو فضاءات تفاعلية (Montgomery, 2000).

بل إن المفاجأة تكمن ربما في أن ما يعتبره الجيل السابق تكنولوجيا جديدة وثورية (التراسل الآني، وغرف الدردشة، والبريد الإلكتروني، والهواتف المحمولة، ومحركات البحث، والمدونات… الخ)، لا تمارس هذا السحر على المستخدمين الشباب، إذ يعتبرونها أدوات وتطبيقات تكنولوجية عادية، وهي لا تحيل إلى هذه الصفة إلا بالمعنى العام للكلمة (Livingstone and Bovill, 2003). فقد أظهرت دراسة مسحية في الولايات المتحدة الأمريكية أن الطلبة يثمنون التكنولوجيا على أساس جدتها وإمكانية تكييفها مع حاجاتهم الشخصية. فالهاتف المحمول، مثلاً، الذي يتوفر فقط على الوظائف التقليدية، لا ينتمي إلى التكنولوجيا، وحتى يكون كذلك يجب أن تتوفر فيه مزايا جديدة (Oblinger and Oblinger, 2005). وبعبارة أخرى، يجب ألا يقتصر على الجوانب الوظيفية الروتينية، بل يجب أن يكون حديثاً، ومتجدداً في تكنولوجيته وتطبيقاته، وذا تصميم جذاب ومرح.

إضافة إلى ذلك، نجد أنه على عكس الصور النمطية الشائعة عن افتتان الشباب بالتكنولوجيا، فإن التكنولوجيا لا تشكل النشاط الأكثر تحبيذاً لدى الكثير من أفراد هذه الفئة، بل توفر لهم بديلاً من أنشطة كانوا يرغبون في القيام بها. ففي دراسة مسحية حول استخدام الوسائط الإعلامية من طرف الشباب البريطاني الذين تتراوح أعمارهم بين 6-17 عاماً، أظهرت النتائج أن غالبية المبحوثين أشاروا إلى أنهم يفضلون الذهاب لمشاهدة فيلم، أو القيام بشيء ما رفقة أصدقائهم، بدل المكوث في البيت ومتابعة وسائل الإعلام. وقد اشتكى هؤلاء من نقص الأنشطة، كمّاً وكيفاً، التي توفرها لهم الأحياء التي يقطنون فيها (Livingstone and Moira, 2001). بالتوازي مع ذلك، فإن خوف الآباء يزداد من تعرّض أبنائهم للخطر، خاصة في المناطق الحضرية، وهو ما أدى، بحسب بعض الباحثين، إلى سعي العائلات إلى خلق بيئة ترفيهية وإعلامية داخل البيوت، لتعويض البيئات الخارجية غير الآمنة. وتذهب دانا بويد إلى القول إن فضاءات الشبكات الاجتماعية، مثل ماي سبيس، تشكل بديلاً للأطر التقليدية للقاء والتفاعل، رغم التراجع الذي عرفه ماي سبيس مثلاً في الأعوام الأخيرة، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية (Boyd, 2006).

يُعتبر الشباب أيضاً أقل ميلاً إلى تبني الحتمية التكنولوجية من الكبار. فهذه الفئة الأخيرة تنظر إلى الإنترنت كأداة ثورية، وتتسم علاقتها معها بالخوف والرغبة، بينما تعتقد فئة الشباب أن التكنولوجيا ليست حلاً لمشاكلها. ويلخص أحدهم هذه النظرة بقوله: “حالياً يمكنني الوصول إلى أكثر من 100,000 فرقة موسيقية [من خلال الإنترنت]، لكن هذا لا يعني بالضرورة الحصول على موسيقى جيدة. فالتكنولوجيا لن تحل هذه المشكلة، لكنها تساعد الأفراد الذين يعرفون عن ماذا يبحثون في الوصول إلى ذلك. وعليه، فإن التكنولوجيا لا تجعل بالضرورة العالم أفضل، بل كل ما تقوم به هو جعله أكثر فاعلية” ([6]).

ويشير آخر إلى أن “الإنترنت، في حدّ ذاتها، لا تشكل إلا أداة في تسريع التواصل، بالتوازي مع القيام بأغلب الأنشطة اليومية” (Kyle, 2006). كما أنّ هذه الفئة ليست مسكونة بالخوف من التكنولوجيا، ذلك أن الشباب يملكون الكثير من المهارات التقنية، ويوظفونها بطريقة روتينية في القيام بالكثير من الأنشطة، ولديهم قدرة كبيرة على التعلم بسرعة. وبعبارة أخرى، فإن التكنولوجيا في خدمتهم، حيث يطوّعونها لتتناسب مع احتياجاتهم. “لقد فزنا على هذه الوسائط الرقمية الجديدة [يقول أحدهم]، وليس لنا أن نكون عبيداً لها، بل يجب أن نكون المتحكمين فيها للحصول على أقصى ما نريده منها” (Dahye, 2006).

نلاحظ، في ضوء هذا التمثل للتكنولوجيا الرقمية، أن وسم “جيل الإنترنت” ومشتقاته اللغوية الأخرى، مثل جيل النت، والجيل الرقمي، يجب فهمها كتعبير عن تمثلات الكبار الذين يرون في الإنترنت، وما يرتبط بها من وسائط رقمية جديدة، أدوات جديدة ومؤثرة، بينما لا يرى فيها الشباب ذلك، ولا يمنحها هذه القوة كما تفعل الأجيال السابقة. وعليه، فإن هذه الوسم الذي تتعدد أشكاله اللغوية، لا يحيل إلى رؤية الشاب لذاته، بقدر ما يعكس منظور الكبار. وكما هو الأمر في الأجيال التي سبقت، فإن الخطابات السائدة لم تكن في يوم من الأيام تعبيراً عن تمثله لذاته، بقدر ما كانت تجلياً للرؤية المجتمعية والمؤسسية لمن سبقهم. وهو ما يجعلنا نستنتج، كـ “تحصيل حاصل”، أن شباب اليوم لا يتماهُون مع سرديات الكبار حولهم، وحول علاقتهم بالوسائط الرقمية الجديدة، ولا يحدّدون ذواتهم بالنظر إلى التكنولوجيا، رغم تسليمهم بالدور المهم للوسائط الرقمية في حياتهم.

2- في تلقي الشباب لخطابات الكبار

لقد رأينا في الفقرات السابقة أن “جيل الإنترنت” هو عبارة عن بناء اجتماعي قائم على التمثلات الاجتماعية للكبار. في المقابل، كيف يتلقي الشباب هذا الخطاب، وهل يولونه اهتماماً؟ هل يهتم الشباب بخطابات الكبار التي تتمركز حولهم وحول استخدامهم للتكنولوجيا؟ وبعبارة أدق، هل يمكن أن نستدلّ من خلال معالم تلفظية (اللغة) وسلوكية عن وعيهم بهذه الخطابات، وموقفهم من الكبار؟ يبدو لنا أن تمثلات الكبار للشباب، على اختلافاتها الثقافية والمجتمعية بهذا القدر أو ذاك، قد تحدّدت منذ أزمنة بعيدة، رغم أن الشباب والمراهقين غالباً ما يربكون توقّعات الكبار حول أنماط شخصياتهم وسلوكهم. قد لا نبالغ إذا قلنا إن الشباب غالباً ما لا يكترثون بعالم الكبار، وهم يرتبطون بالإنترنت، سواء للاستماع إلى الموسيقى، أو البحث عن صداقات، أو اللعب الفيديوي الجماعي، أو يمارسون التراسل النصّي مع أصدقائهم، أو اللقاء الافتراضي بأقرانهم عبر الفايسبوك مثلاً، أو غيرها من الأنشطة. بالتوازي، فإن هناك دلائل تشير إلى وعي فئة من الشباب بتمثلات الكبار لجيلهم، وتأثرهم بذلك، من دون أن يعني ذلك عزوفهم عن تجاربهم الشخصية، باعتبارها المرجع في عملية تمثل الذات (Delalande, 2009). هل يمكن أن نغامر ونقول إن هذا الوعي المضاعف أو المزدوج يُمثل سمة خاصة من سمات “جيل الإنترنت”؟ إنه سؤال إشكالي، ويحتاج إلى حفر معرفي أعمق.

أ- الخطاب الإعلاني

تقوم ثقافة الاستهلاك في عالمنا المعاصر بإغراق عالم الشباب بكم هائل من المنتجات الموسيقية واللعبية، ومواقع الإنترنت؛ وهو ما يخلق إشباعاً يتجاوز بكثير حاجات الشباب، وبالتالي تساهم هذه السلع بتنوّعها في تشكيل هوية الشباب وتمثلهم لذواتهم. ورغم أن المضامين الإعلانية تزدحم برسائل وتصوّرات متضاربة حول “حقيقة” الشباب، وميل الرسائل الظاهرة للإعلانات إلى تثمين فئة المراهقين وما قبل المراهقين، عبر تأكيد استقلالية شخصياتهم، وقدرتهم على التمييز، ومعرفتهم بالوسائط الإعلامية، وسلوكهم الاستهلاكي المرح، فإن البعد غير الظاهر في هذا السرد التثميني، يكمن في التلاعب بفئة الشباب وتحفيزها ودفعها إلى شراء منتجات قد لا تكون في حاجة إليها، وبالتالي فإنها تساهم في بناء عوالمهم وتمثلهم لذواتهم. ويؤكّد أحد الباحثين هذا البعد، معتبراً أن “قيمة الشباب في المجتمع المعاصر تكمن بالتحديد في دورهم كمستهلكين. ولذلك، فإن النمذجات الميتا – لغوية والتوصيفات المشوّهة التي تقدّمها الوسائط الإعلامية المطبوعة [مثلاً] يمكن قراءتها كجهد مكثف لتحضير فئة الشباب للاستهلاك، باعتبارهم فاعلين وأهدافاً في الوقت نفسه. من هذا المنطلق، تعمل الوسائط الإعلامية والقائمون على التسويق على المبالغة في تفرّد ثقافة الشباب، وذلك بهدف تمييز الشباب كمصدر ثمين وسوق مربحة” (Miles, 2007: 228-229).

ليس هناك شكّ في أن الإعلان يؤثر في “جيل الإنترنت”؛ ففئة الشباب تتعرّض لفيض كبير من الإعلانات، وذلك ابتداءً من سنّ الخامسة على أقل تقدير، وهو الأمر الذي ساهم في ظهور ما يطلق عليه البعض “الطابع الحضري للوعي” (Simees and Gouveia, 2008)، وانتشار ثقافة شبابية متعولمة تتسم بالاستهلاك الكبير للوسائط الجديدة والإنترنت، إذ تشير الكثير من التقارير إلى الإقبال الواسع للشباب على المنتجات التي يُسوَّق لها بكثافة. مع ذلك، هل يمكن القول إن الشباب يتماهُون مع هذه الهوية التي يروّج لها المسوّقون؟

تاريخياً، يمكن القول إن الثقافة الشبابية، على أقل تقدير في السياقات الغربية، تميل إلى تبني مواقف يطبعها الحذر من النزعة المادية والرأسمالية للمجتمعات الغربية، حيث تدرك فئة كبيرة من الشباب الطبيعة التضليلية والتلاعبية للإعلانات، وتتوزّع ردود أفعالها بين المواقف الرافضة لها، واللامبالاة، والقبول الحذر القائم على الوعي بأن هذه الإعلانات صُمّمت لتعظيم العائد المالي للمعلنين، وبالتالي فإنها غير جديرة بالثقة من الناحية المبدئية. رغم ذلك، فإن هذا الخطاب النقدي حول صدقيه التمثلات التجارية لهوية الشباب غالباً ما لا يجد طريقه إلى الفضاء العام الذي يسيطر عليه الكبار.

والحاصل أنه رغم المبالغ الضخمة التي يتم تخصيصها للأبحاث التسويقية للتعرّف إلى حاجات ورغبات الشباب وتطلعاتهم الاستهلاكية عموماً، فإن الكثير من أفراد هذه الفئة يعتبرون أن الاستراتيجيات التسويقية غير فاعلة في استمالتهم. فقد كتب أحد المراهقين مؤكداً أن “ثقافة الشباب التي يتم خلقها خلقاً، وتُسوق لنا يومياً […] هي ثقافة المسوّقين. إنها ثقافة غير دقيقة، وغالباً ما تحمل نبرة سلبية، إضافة إلى كونها دائمة التغير” (Lawrence, 2006). وتذهب إحدى الفتيات في إحدى المدارس الثانوية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبني الموقف نفسه. فقد أكدت، بعد أن طلب منها أحد الباحثين التعليق على برنامج تلفزيوني حول الشباب والتسويق، وتقييم مدى دقة الإعلانات في رسم صورة حقيقية لجيلها، أنها تشعر بـ “أن المشكلة تكمن في أننا لا نملك حضوراً أو تمثيلاً في ثقافتنا. إننا لا نخلقها ولا تمت لنا بصلة” (PSB, [n. d,]).

ولا ينكر الشباب أن الخطابات الإعلانية تتأسس في جزء منها على “الحقائق”، لكنهم يعتقدون أنها تميل عموماً إلى المبالغة والتشويه، وتسويق “نماذج سلوكية غريبة عن المجتمع [في حالة السياق العربي]” ([7]). فهي تستثمر فكرة أن هذه الفئة تنزع إلى التمرّد على الأعراف القائمة، رغم أن فكرة التمرد ليست متجذرة في ثقافة كل أفرادها. فالبعض يشعر أن الصورة التي تقدّمها الإعلانات متناغمة إلى حدّ ما مع تجاربهم الحياتية، لكنها تظل خطاباً خارجياً غير نابع منهم. إنهم يشعرون بالتضايق عندما يرون المعلنين وهم يتحدثون عنهم بدل أن يتحدثوا هم عن أنفسهم، رغم أنهم يسلّمون بتلاقي التمثل الإعلاني مع تمثلهم لذواتهم في بعض النقاط. وهم بذلك يبحثون عن تمييز أنفسهم من تمثلات الكبار لهم، لأنهم يعتقدون أن خطابات الكبار تتلاعب بهويتهم، وتنظر إليهم نظرة أبوية، تضعهم دائماً في خانة القاصرين وغير الراشدين الذين يحتاجون دائماً إلى توجيه الكبار.

ورغم هذه النظرة النقدية التي يحملها الشباب للإعلانات، فإن الكثير منهم لا يسائل القيم الضمنية التي تروّج لها الإعلانات التجارية الإلكترونية، فهذا النقد يبدو أنه يركز على الأشكال التقليدية للإعلان، ويعجز عن إدراك البعد التجاري في الإنترنت، مثلاً، رغم أن الكثير من الشباب يقتني بعض حاجاته عبر التسوق الإلكتروني، بعد أن عرف المسوّقون كيف يتسرّبون إلى المواقع التي تتوجه إلى الشباب والمواقع الاجتماعية عموماً للترويج لمنتجاتهم (Calvert, 2008). ويثمن الكثير من الشباب الإنترنت على اعتبار أنها تمكنهم من الحصول على أفضل الأسعار من خلال المقارنة بينها، أو تنزيل مقطوعات موسيقية مجانية. ويعتبرها البعض الآخر، خاصة الذكور، أداة للتمكين الاجتماعي والانفلات من الاختيارات المحدودة التي يفرضها المسوّقون الكبار.

عموماً، يمكن القول إن هناك من الشباب من يعبّرون، علانية، عن رفضهم للتمثلات التجارية لجيلهم، لكن هذه النسبة تظل قليلة. في المقابل، نجد أن الكثير من الخطابات الشبابية تحتفي بالإنترنت، كفضاء يتيح الانفلات، من ثقافة الاستهلاك التقليدية، وإعلاء وتثمين الذات (الصادق، 2006: 91). لكن التحوّلات التي عرفها هذا الفضاء في الأعوام الأخيرة، خاصة بعد “غزو” المسوّقين له، ربما تؤدي إلى تراجع افتتان الشباب بالإنترنت في نسختها الحالية، والبحث عن بدائل أخرى.

ب- خطابات الوسائط الإعلامية

يدرك معظم الشباب طبيعة الرؤية التي يحملها الكبار عن الفضاء الرقمي. ويظهر هذا الوعي من خلال الالتزام، إلى حدّ ما، بقواعد استخدام الإنترنت التي تضعها الأسر والمدارس والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، رغم عدم استيعابهم العميق لطبيعة هذا الاهتمام من طرف هؤلاء الفاعلين الاجتماعيين. فحينما يقوم أحد الشباب بتجاوز إحدى القواعد، متعمّداً، فإنه يستحضر رؤية الكبار لهذا “التجاوز”، ويقوم بتبرير ذلك بعدم ملاءمة هذه القاعدة لروح العصر من وجهة نظره. فالكثير من الشباب يعتقد من واقع تجربته وتجربة أقرانه، أن الإنترنت ليس فضاء بالغ الخطورة، كما يروّج لذلك الكثير من الوسائط الإعلامية التقليدية، إذ يقوم الشباب بممارسة أفعال لا يحبذها الكبار، مثل الدردشة مع الغرباء ([8])، واستخدام اللغة الإنترنتية، واستخدام عبارات يراها الكبار غير لائقة، وتبادل صور مثيرة، وزيارة مواقع إباحية، وذلك بهدف الإفلات من “رادارات” الكبار. وهم بهذا يعبّرون عن رفضهم الضمني لتمثلات الكبار لعالمهم الرقمي.

وقد يأخذ هذا الرفض شكلاً ظاهراً. ويمثل الويب، باعتباره فضاءاً يتيح للشباب إسماع أصواتهم، مكاناً نموذجياً للتعبير عن هذا الرفض. ويعلل الكثير من الشباب، في السياق العربي، “استخدام الرموز والأرقام […] مشيرين إلى أنها تساعدهم على الكتابة بشكل أسرع […]، وأن هذه اللغة المستحدثة في التعامل بينهم لا تختصر الكلمات بالأحرف فقط، بل تختصر أيضاً المشاعر من خلال التعبير بالرموز العددية […]” (الوسط، 2009). وتثمن إحدى الفتيات الإنترنت مؤكدة ذلك بقولها: “إن الإنترنت هو عالمي الخاص الذي أستطيع أن أتكلم من خلاله مع مجموعة أصدقاء في آن واحد، ولا أجد صعوبة في التعبير عن مشاعري، فكل شيء يمكن أن أتكلم فيه، لكن ضمن الحدود […]” (المؤتمر نت، 2007). وينتفض آخر على الخوف الذي يسكن الكبار عندما يتعلق الأمر باستخدام مواقع الشبكات الاجتماعية بعبارات دالة: “توقفوا عن لوم كل ما يقع على ماي سبايس! … لقد منحت أمريكا أبناءكم بعض الثقة. إنهم أذكياء، ومتمردون عندما يريدون أن يكونوا كذلك. سيكون لهم فضاؤهم الخاص على ماي سبايس، بغضّ النظر عما تقولونه. إن قولكم إنهم غير قادرين على التعامل معه، سيجعل الأمور أكثر تعقيداً” (Crabtree, 2002).

إن قبول وتفهم الشباب للمخاوف التي يعبّر عنها الكبار تأخذ في بعض الأحيان أشكالاً صارمة في إدارة الذات أكثر من التي تلك يتوقعها الآباء والمعلمون مثلاً. فبعض المواقع التي أنشأها الشباب لمخاطبة أقرانهم تحظر استخدام لغة النت والدردشة (Spark Mag, [n. d.]). كما تتضمن بعض المنتديات نقداً شديداً لهذه اللغة، باعتبارها تمثل “تعدياً” و”حماقة”، و”جهلاً”، كما يظهر في بعض التعليقات: “للأمانة، ورغم أني أبلغ من العمر 21 عاماً، وأستخدم التراسل الآني كثيراً، إلا أنني أتحاشى لغة النت. إنني لا أريد التعدّي على القواعد الإملائية والنحوية”؛ “أبلغ من العمر 19 عاماً، وأشعر وكأنني أسبح في محيط من الحماقات التي غالباً ما ترتبط بقدر كبير من الجهل”. وتتخذ بعض التعليقات بعداً أخلاقياً بيناً: “يجب أن نحارب هذه الظواهر. إنها معركة ضرورية. إنني أرى هذا الأمر كـ “انتصار أخلاقي”، حيث نقوم نحن المحاربين، بحملات لتطهير الإنكليزية من هذه الحماقات” (JS. KIT, [n. d.]).

ويرى بعض الشباب أن الإفراط في استخدام التكنولوجيات خلق أوضاعاً غير صحية. إذ “رغم إيجابيات التكنولوجيا الحديثة الكبيرة، إلا أنها تستنزف أيضاً عقول الشباب وتسطحها عبر تدمير الأسرة […]، لقد قلّلت من الاندماج العائلي، وقلّلت فرص الحوار بين الأب وابنه، والزوج وزوجته، وأبعدت الناس عن بعضهم البعض، حتى كادت تنقطع صلة الرحم […]” (المؤتمر نت، 2007). ويتعامل الكثير من الشباب بحذر مع الشبكات الاجتماعية (الخطاف، 2010)، وينتقدها بعضهم الآخر من دون أن يكونوا قد جرّبوا، بالضرورة، استخدامها. ففي مقالة لإحدى المراهقات حملت عنوان “ماي سبايس: بين الخطر والمرح”، أشارت إلى أنه رغم عدم التحاقها، شخصياً، بهذا الموقع الذي يبدو أنه يمكن أن يوفر الكثير من المتعة، مع ذلك فهي ترى أنه مكان غير مناسب للمراهقين، وحجتها في ذلك أن “الشباب يدردشون مع أفراد لا يعرفونهم ولم يحصل أن رأوهم، وهو ما يشكل خطراً عليهم. فهؤلاء الغرباء الذين لا يكشفون عن هوياتهم، هم أفراد مرضى، يملكون القدرة على خداع الشباب ودفعهم إلى وضعيات غير محمودة العواقب”. وختمت مقالتها بالدعوة إلى وضع سقف عمري معين لاستخدام مثل هذا النوع من المواقع ، “وتشديد حماية المراهقين ومنعهم من ممارسة هذا النوع من الدردشة” (McCraw, 2006).

يحيل هذا المثال الأخير إلى الثنائية التي تطبع بعض خطابات الشباب، حيث يتعايش الاحتفاء والتخوف، وهو موقف متناقض يكشف عن مأزق أخلاقي يتمحور حول الطريقة المثلى للتعامل مع هذا النوع من الفضاءات الإلكترونية. كما أنه يتضمن نوعاً من التجاور بين التقييمات الإيجابية (من وجهة نظر الكاتبة وأقرانها)، والسلبية التي يحملها عالم الكبار، بل إن بعض الشباب يعبّرون عن موقف صارخ في تناقضه، عندما يدعون الآخرين إلى الامتناع عن تنزيل الموسيقى من الإنترنت، وتحاشي غرف الدردشة، بينما هم يقومون بذلك.

وتميل بعض كتابات الشباب إلى وضع الوسائط الإعلامية موضع التساؤل، على اعتبار أنها مصدر تقييماتهم السلبية لمثل هذه الفضاءات. فالرؤية السلبية لماي سبايس، مثلاً، رغم “إدمان” البعض على استخدامه، يرجع، بحسب رأي الكثير منهم، إلى تعرّضهم إلى مضامين إعلامية وترفيهية تصور القتلة وهم يقومون باقتناص بعض الفتيات، بعد أن عثروا على تفصيل حياتهن من خلال الفضاءات الشبكية التي يترددن عليها. ويعتقد الكثير منهم أن القصص قائمة على وقائع حقيقية، وهو ما يخيفهم. فالإنترنت التي تتحدث عنها الوسائط الإعلامية، مكان مريح وممتع، لكنه في وقت نفسه محفوف بالمخاطر، حيث ترتبط في أذهان الكثير منهم بقصص القتل، والاغتصاب، والتحرش الجنسي، والاختطاف؛ وهي موضوعات يتناولها الكثير من الوسائط الإعلامية بطريقة تغلب عليها الإثارة والدرامية.

يمكن القول، إجمالاً، إن ردود أفعال الشباب على الموضوعات التي تتناول علاقتهم بالإنترنت تميل، عموماً، إلى رفض الموقف القيمي للكبار حول هويتهم وسلوكهم الرقمي. مع ذلك، فإن الموقف ليس إجماعياً، حيث يمكن معاينة أن بعض أفراد هذه الفئة يتخذون موقفاً ثنائياً، وربما متناقضاً من التكنولوجيات الرقمية ولواحقها، وهو أمر يمكن قراءته على أنه حرص على التوفيق بين ثلاثة متغيرات متنافرة: الصورة التي تروّج لها الوسائط الإعلامية التقليدية عن عالمهم الرقمي، ومخاوف الكبار والمعلمين، والمجتمع عموماً، وتجربة الأصدقاء والأقران على الإنترنت، من دون أن نغفل إمكانية أن يكون سبب ذلك التجربة الشخصية للشباب أنفسهم في علاقتهم بالفضاء الرقمي.

3- خطابات الفضاء الأكاديمي

إذا كانت الاستنتاجات التي يتوصل إليها الفضاء الأكاديمي، عند مقاربته لإشكالية الشباب، لا يعرف عنها الشباب إلا القليل، فإن بعضها الآخر، خاصة تلك التي تجد طريقها إلى الوسائط الإعلامية والفضاءات الاجتماعية الحديثة، تصل إلى آذان الشباب. فالتزايد الكبير في عدد المنتديات الحوارية الإلكترونية، وسهولة الوصول إلى مراجعات الكتب، مثلاً التي تقدمها بعض المواقع، كـ “أمازون كوم”، يتيح للشباب التعبير، علانية، عن آرائهم بخصوص ما يكتبه الباحثون حولهم. يمكن أن نشير في هذا الصدد، وضمن السياقات الغربية، إلى كتابين ذكرناهما سابقاً، يتعلق الأوّل بـ “جيل النت”، ويتعرّض الثاني لـ “جيل الألفية الثالثة”. وقد أثار الكتابان عدداً من ردود الفعل، بما في ذلك تلك التي كان مصدرها الشباب ([9]). وكما هو الشأن في علاقة الشباب بالخطابين السابقين، فإن مواقفهم من الخطاب الأكاديمي تراوحت بين الرفض الصريح، والقبول غير النقدي، وأحياناً تبني موقف يجمع بين الرؤيتين (رؤيتهم ورؤية الكبار).

يرفض الكثير من الشباب التصورات التي يحملها الكتابان عنهم، بحجة أنها لا تعكس واقع الشباب، بقدر ما تعبّر عن “أوهام وتخيلات” الكبار. فقد كتب أحدهم معلقاً على ما جاء في كتاب “جيل النت”، أن صاحبه “ينظر إلى الإنترنت كرجل يبلغ من العمر 100 عام” ([10])، بينما اتهم آخر مؤلفه بأنه “أمي تكنولوجياً”، ويبالغ في وصف قدرة الشباب على “التحكم في التكنولوجيا”، واصفاً الشباب بـ “المستخدمين السطحيين” ([11]) للتكنولوجيا.

أما كتاب “جيل الألفية الثالثة”، فيعيب عليه البعض افتقاده الواقعية، إذ يذكر أحدهم أنه “رغم أن وليام ستروس ونيل هوي يقولان إنهما فخورين بجيلنا، فإن الشيء الوحيد الذي يجب أن يفخرا به هو هذه الصورة الخرافية التي يريدانا أن نكون عليها” ([12]). وتعترض إحدى الفتيات على ما تضمّنه الكتاب، مشيرة إلى أن “الأطفال في مدرستي الثانوية لا علاقة لهم بأولئك الذين يصفهم الكتاب. إن الأطفال يقومون بأشياء سواء بموافقة الآباء أو من دون موافقتهم” ([13]). إن هذه العينة ترى، إذاً، أن جيلها أقل انقياداً، وأقل ثقة في السلطة مما يصوّره الكتاب.

بالتوازي مع ذلك، نجد أن هناك فئة أخرى من الشباب تثمّن ما يتطلع الكتاب الأخير إلى استجلائه، وذلك من خلال التركيز على أبعاده الإيجابية، بدل الالتفات إلى مسألة الدقة. فقد ثمّنت إحدى الفتيات ما جاء في الكتاب: “هناك الكثير من الأفراد (بمن فيهم أنا) يحاولون، جاهدين، إثبات أنفسهم رغم حجم السخرية غير المسبوق الذي يواجهونه، وقول الكبار إن “شباب اليوم هم الأسوأ”. إن ما نحتاجه حقاً هو أن يدرك الناس إمكانياتنا ويساعدوننا على تحسينها” ([14]).

وتميل فئة ثالثة إلى قبول رؤية مؤلفي الكتاب حول جيل الألفية الجديدة، حيث يسلّم أحدهم بأن “جيلنا يفهم العالم وواع به” ([15]). وواضح أن هذه الرؤية تتقاطع مع ما يروّج له المسوّقون. وربما لا نجانب الصواب إذا قلنا إن الشباب الأقل سناً هم الأكثر ميلاً إلى قبول تمثلات الآخرين الاجتماعية لعالمهم من دون مساءلة، خاصة إذا كانت هذه التمثلات فيها تثمين لهم. وهو ما يؤكّده أحدهم مشيداً بالأهمية المرجعية للكتاب، ومهملاً تجربته الشخصية الخاصة: “عمري 15 عاماً، وقد قدّم لي هذا الكتاب خدمة عظيمة، وذلك من خلال مساعدتي على معرفة حقيقة جيلي وتطلعاته” ([16]).

يوحي هذا التعليق الأخير بأن كاتبه يملك وعياً مزدوجاً؛ فهو يعترف أنه لم يعايش التجارب التي يحكي عنها الكتاب، لكنه مع ذلك يقبل بها. ويتجلى هذا الميل إلى تبني هذا النوع من الرؤى رغم غياب التجربة الشخصية في بعض كتابات الشباب. فهذا أحدهم يؤكد أن “التغير الحاصل في تفكير الشباب، يظهر من خلال ثلاث نقاط رئيسية: لقد غدا الشباب أكبر تقبلاً للتنوع، وأكثر فضولاً وقدرة على تثمين الذات والاعتماد عليها. وإذا كانت هذه هي حقيقة التغيرات التي عرفتها العقليات، فإنني سعيد بكوني جزءاً منها” (Kyle, 2006). يمكن ردّ هذا التناقض الذي يتجاوز فيه اليقين والشك إلى كون هذين الموقفين يصدران عن مصدرين مختلفين، يكمنان في اعتبار ما يقوله الكبار هو الحقيقة، وافتقاد هذا الولد تجاربه الخاصة، إذ رغم أنه لا يناقش كتاب “جيل الألفية الثالثة” في حدّ ذاته، إلا أن رؤيته تتقاسم الكثير مما تضمّنه. كيف يمكن فهم هذا التقاطع والتقارب بين الرؤيتين؟ يمكن تفسير الأمر بالترويج له بما حظيت به الأفكار التي تضمّنها الكتاب في الكثير من المدارس والجامعات الأمريكية، وتعرُّف الولد على هذه الأفكار من خلال أصدقائه أو معلميه.

ويمكن معاينة الظاهرة نفسها عند طلاب مرحلة البكالوريوس في السياقات التربوية الأمريكية مثلاً. فعند سؤالهم عن تقييمهم لطبيعة العلاقة بين جيلهم والتكنولوجيا، تبيّن أن آراءهم تحمل دلائل واضحة على تأثرهم بالخطابات الأكاديمية للكبار. ففي أحد الكتب حول موضوع التربية والتكنولوجيا التي تضمّنت ثلاثة فصول كتبها طلاب البكالوريوس، يبدأ الفصل الأوّل منها بالعبارة التالية: “إنني من جيل النت. لقد مارست الإنترنت والتكنولوجيات المرتبطة بها تأثيراً عظيماً في ثقافة جيلي ومستوى تطوره. إن الكثير، إن لم تكن الأغلبية من الطلاب من جيل النت، لم ينشأوا أبداً في عالم خال من الحواسيب، والشبكة العنكبوتية العالمية، وألعاب الفيديو التفاعلية، والهواتف المحمولة” (Roberts, 2005: 31).

تبدو عبارات هذه الفقرة، ربما باستثناء الأولى، إعادة إنتاج لتلك التي تتضمنها بعض الأعمال الأكاديمية، التي تركّز على “التأثير القوي” للتكنولوجيات الرقمية في الجيل الجديد (جيل النت، كما ذكرنا سابقاً)، وهو ما يوحي بتبني منظور خارجي في رؤية الذات، أي منظور الكبار. وإذا كان متوقعاً، بل مستحسناً، أن يسترشد الطلبة بأساتذتهم والباحثين عموماً في صياغة أفكارهم العلمية، معرفياً ومنهجياً، فإن ما يدعو إلى التساؤل أن هؤلاء الطلبة لا يكتفون بذلك، بل يذهبون إلى الإطلالة على ذواتهم من نافذة الكبار.

لقد بيّنا من خلال الفقرات السابقة أن موقف الشباب، سواء اتخذ شكل القبول أو الرفض من خطابات الكبار حول علاقته بالتكنولوجيا، يتسم بالتفاعل، وليس القطعية. فالكثير من مقولات الشباب التي استعرضنا بعضها، تميل إلى الغموض والتناقض، وهو ما يدعم بعض الأطروحات التي ترى أن “جيل الإنترنت” يتملك وعياً مزدوجاً في رؤيته لذاته ورؤية الكبار له. وإذا كان هذا الأمر يَصدُق على “كلّ” الشباب الناشطين في الثقافات الفرعية لفئتهم، والمتفاعلين، في الوقت نفسه، مع عالم الكبار، فإن الهوة تتسع أكثر عندما نأخذ بعين الاعتبار الإنترنت والتكنولوجيات الرقمية المحمولة خاصة، وذلك بسبب التغيرات التي أحدثوها في آليات الاتصال والوصول إلى المعلومات. ومن هنا تتضح أهمية استحضار التجربة الذاتية للشباب في العلاقة بالتكنولوجيات، ومنظور الآخر (الكبار) في فهم الهوية الرقمية للشباب.

خاتمة: في ضرورة البحث عن مقاربة جديدة لإشكالية الشباب والوسائط الرقمية الجديدة

إن السياقات التي أدت إلى ميلاد ما أطلقنا عليه الفجوة الجيلية الرقمية، خاصة تمثلات الكبار أو بناءهم الاجتماعي لـ “الشباب الرقمي” كهوية جيلية، تتطلب إعادة التفكير في الكثير من المقولات والأطروحات البحثية حول الشباب والوسائط الرقمية الجديدة. فالباحثون مدعوون إلى تجاوز الرؤى التقنوية المفتونة والمحتفية بالتكنولوجيات، باعتبارها دفقاً لا ينتهي من التجديدات والابتكارات، والأخذ بمقاربات أكثر توازناً تستحضر السياقات السوسيو – ثقافية التي تتطور ضمنها هذه التكنولوجيات.

بداية، يمكن التخفيف من الطابع التقنوي والغرائبي للهوية الرقمية للشباب في مقاربات الكبار، وذلك عبر التحول من التركيز على التكنولوجيات إلى الالتفات إلى الشباب أنفسهم وحاجاتهم الاتصالية في بناء هويتهم، كما تتجلّى في الكثير من الفضاءات التعبيرية التي تتاح لهم ([17]). وإذا كان هذا البعد لم يكن حاضراً بقوة خلال الأعوام الأولى لظهور التكنولوجيات الرقمية، فإننا ندرك حالياً ضرورة التفكير في الممارسات الإلكترونية كأشكال من الخطابات والسلوكيات الاجتماعية. فبدل التركيز على قدرة الوسيط التكنولوجي في تجنيب الأفراد الكشف عن هوياتهم، مثلاً، يمكن أن يتمحور السؤال حول آلية العمل في عالم الثقافة الرقمية للشباب، بمعنى إلى أي مدى يميل الأفراد إلى إخفاء هوياتهم الحقيقية في مجموع السياقات الرقمية التي يتحركّون فيها، وما هي دوافعهم في القيام بذلك؟ وهذا الأفق البحثي، يمكن أن يكشف لنا أن الممارسات الرقمية للشباب تنزع إلى الاستمرارية، أكثر من ميلها إلى الجدّة والثورية، كما تراها عيون الكبار، إضافة إلى تزويدنا بفهم متوازن لتجارب الشباب في الوقت الحاضر التي تؤدي فيها التكنولوجيا دوراً توسُّطياً محورياً.

يتطلب تحقيق هذا التحول في المنظور البحثي مراعاة أمرين أساسين:

1- إن الرغبة في فهم المنطق الداخلي لجماعة ما في رؤيتها لذاتها وللعالم من حولها، يقتضي التعرّف على أعضائها (عبر الملاحظة) والتحدث إليهم. يجب على الباحث أن يعي أيضاً، في هذا المقام، أن الإثنوغرافيا التقليدية ربما ليست الأفضل في كسر التراتبيات البنيوية في علاقة الباحث بالمبحوثين عندما يتعلق الأمر بالعمر، حيث يمكن أن تبدو هذه التراتبيات كشيء “طبيعي”، نظراً إلى الاختلافات في النمو الذهني.

2- ضرورة الأخذ بمنهجية واضحة المعالم لتحديد الفوارق بين الظواهر العابرة (المؤقتة)، والسلوكيات المرتبطة بمختلف المراحل الحياتية، والتجديدات التي تقود إلى تحولات بعيدة المدى.

إن استحضار هذه التمايزات أمر مهم جداً، خاصة إذا أردنا وضع تصوّرات مدروسة حول مستقبل الوسائط الرقمية وتبعاتها الاجتماعية، انطلاقاً من واقع الجيل الحالي. وتمثل الدراسات الطويلة المدى، التي تقارب استخدامات الوسائط الإعلامية على تنوّعها، أفضل طريقة للحصول على مؤشرات حول طبيعة هذه التغيرات، رغم أنها تحتاج إلى زمن طويل للقيام بها. كما يمكن دراسة المجموعات العمرية الطبقية (عينات طبقية بحسب العمر) في مرحلة زمنية معينة، واستنتاج التغيرات من خلال الفوارق بين المجموعات العمرية، لكن ذلك يعني أن علينا افتراض أن جيل الشباب سوف يكون مشابهاً للأجيال السابقة، وهو ما لا يمكن أن ينطبق على السلوك المرتبط بالمرحلة العمرية. وهنا يمكن الاستفادة من الأبحاث السابقة لإلقاء الضوء على أنماط سلوك الشباب التي يمكن توقعها عندما يكبرون. فقد أشار بعض الدراسات السوسيولوجية إلى أن التآلف الاجتماعي (الاختلاط بالآخرين) يكون أكثر حضوراً في أوساط المراهقين والشباب في سن الرشد، ويتراجع مع تقدم السن (Forse, 1981). وتدفع هذه الرؤية إلى قراءة التمايز في التآلف الرقمي بين المستخدمين الشباب والكبار إلى اعتباره مرتبطاً بالمرحلة العمرية، أكثر من كونه مؤشراً على التحول نحو تآلف أكبر بين جميع مستخدمي الوسائط الرقمية. وبهذا الشكل، فإن ممارسات الشباب المعاصر المرتبطة بالوسائط الرقمية يمكن أن تحمل قيمة تنبؤية، شرط أن تتم مقاربتها بحذر منهجي ومعرفي.

إن التحول في المنظور البحثي حول الشباب والوسائط الجديدة قد غدا ضرورة لابدّ منها، إذ يجب تجاوز الرؤية “الغرائبية”، وذلك من خلال الابتعاد عن الافتتان بالتكنولوجيا، والتركيز على الشباب أنفسهم وحاجاتهم الاتصالية في بناء هوياتهم، كما تتجلى في الكثير من الفضاءات التعبيرية التي تتاح لهم. هذه المقاربة التي تجعل من الشباب أنفسهم العنصر المحوري لها آثارها المنهجية، سواء تعلق الأمر بطرق إجراء البحوث حول الشباب والوسائط الجديدة، أو بكيفية قراءة وتأويل النتائج التي تتوصل إليها هذه البحوث.

أخيراً، يجب على الباحثين المهتمين بمقاربة الوسائط الجديدة واستخداماتها أن يستحضروا دائماً السياقات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية الأوسع التي تعمل ضمنها هذه الوسائط. فالتكنولوجيات المتداخلة زمنياً، مثلاً، تتأثر بالكثير من العوامل، وهو ما يؤدي إلى ظهور تنوّع في ثقافات الاستخدام. نستنتج من ذلك أنه يجب عدم اعتبار الهواتف المتحركة، وألعاب الفيديو، والتراسل الآني، وتنزيل الموسيقى، مثلاً، تنتمي إلى الثقافة الرقمية نفسها من دون تمييز، بل يجب بالأحرى المحافظة على خصوصية ومعايير كل منها. ولا تشكل ثقافة الطفولة والشباب استثناءً في هذا الإطار، حيث إنها تتطور، وتشكل جزءاً كبيراً يتحدد من خلاله استخدام الشباب للوسائط الرقمية. ضمن هذه السياقات والممارسات، يجب على الباحثين أن يكونوا على وعي بضرورة تحاشي الوقوع في التحيز إلى مواقفهم وتأويلاتهم كأفراد ينتمون إلى عالم الكبار، وأن يحرصوا على تجاوز إعادة إنتاج “آخرية” أو “مغايرة” الشباب التي تسود في الخطابات التي تعرّضنا لها في الفقرات السابقة.

المراجع

أحمد، أسماء (2008). “كيف يواجه العالم تحديات الإنترنت وما يقوم به البعض من جرائم؟!: جرائم الإنترنت تعددت صورها وأشكالها فلم تعد تقتصر على اقتحام الشبكات وتخريبها أو سرقة معلومات منها”، الرياض، 19/2/2008.

بركات، فاتن (2009). “التأثيرات السلبية المختلفة التي تتركها وسائل الاتصال الحديثة في التنشئة الاجتماعية”. ورقة قُدِّمت إلى: المؤتمر العلمي النفسي التربوي لقسم علم النفس الذي عُقد في كلية التربية بجامعة دمشق بين 25 و27 تشرين الأول / أكتوبر 2009،

<http://www.damasuniv.shern.net/faculties/edu/images/stori es/news/f/21.doc>.

الحروب، خالد (مقدّم) (2002). “جيل الإنترنت”، الجزيرة نت (الفضائية): 30/9/2002،

<http://www.aljazeera.net/NR/exeres/BD1050D2-8C3B-4E44-BEFD-F75AEC918229.htm&gt;.

الخطاف، إيمان (2010). (68% من السعوديات يحجبن اسم العائلة في “فايسبوك”.. اعتقاداً بـ “حساسية” المعلومة”. الشرق الأوسط: 18/1/2010.

رمضان، كافية (2010). “لغة الشات” و”الماسنجر” المشوهة انتشرت بين الشباب اختصاراً للوقت”. النهار: 10/2/2010.

الريفي، محمد إسحاق (2009) “قوا أنفسكم وأبناءكم ناراً اسمها الإنترنت”. أوربت: 19 تشرين الأول / أكتوبر،

<http://orbit 14.com/details-1076.html>.

الشرق (قطر) (2009): 18 شباط / فبراير 2009.

الشرق الأوسط (2009أ). “السعودية: 96% من مواقع الإنترنت المحجوبة إباحية و4% إما تحريضية أو تشكل تهديداً اجتماعياً”. الشرق الأوسط: 18/6/2009.

الشرق الأوسط (2009ب). “لا تشارك بكل معلوماتك الشخصية على المواقع الاجتماعية”. الشرق الأوسط: 24/2/2009.

الصادق، رابح (2006). “قراءة في الرهانات الثقافية والاجتماعية للتكنولوجيات الرقمية الحديثة”. الإذاعات العربية: العدد 1 ص91.

<http://www.asbu.net/asbutext/pdf/2006-01-085.pdf&gt;.

عايش، محمد ومحمد قيراط (2006). استخدامات وإشباعات الإنترنت: دراسة ميدانية تحليلية لشباب الإمارات العربية المتحدة”. في: ماجد بوشبيلي ويوسف عيدابي، ثقافة الإنترنت وأثرها على الشباب. الشارقة: دائرة الثقافة والإعلام.

عبد الوهاب، بوخنوفة (2008). “الوسائط الإعلامية والإلكترونية والأطفال”. مجلة الإذاعات العربية: العدد 3.

العرب (2009). “شباب الإنترنت… ناجحون لكن “لغتهم” تهدد اللغة العربية”. العرب: 27 أيار / مايو،

<http://www.alarab.co.uk/Previouspages/Alarab%Daily/2009/05/27-05/p08.pdf&gt;.

عمران، نسرين (2010). لغة “النت” تجتاح الحياة الواقعية بعد انتشارها إلكترونياً”. الشرق الأوسط، 13/1/2010.

عيسى لبنى (2009). “العامية المختصرة في الشات حاجة عند الشباب و”انحطاط في الذوق”، في رأي المختصين”. شبابنا: 19 أيار / مايو.

<http://www.shababona.com/shabab/content/view/360/41&gt;.

كلاوي، رامي لطفي (2006). “إدمان الإنترنت عند الشباب. المظاهر والنتائج والعلاج”. في: ماجد بوشبيلي ويوسف عيدابي، ثقافة الإنترنت وأثرها على الشباب. الشارقة: دائرة الثقافة والإعلام، 2006.

كمال، مريم محمد (2006). “ثقافة الإنترنت وأثرها على الشباب”. في: ماجد بوشبيلي ويوسف عيدابي، ثقافة الإنترنت وأثرها على الشباب. الشارقة: دائرة الثقافة والإعلام، 2006.

ملتقى المهندسين العرب (2006). “إدانة مسؤول أمني أميركي سعى لإغواء طفلة عبر الإنترنت”. ملتقى المهندسين العرب: كانون الثاني / يناير 2006،

<http://www.arab-eng.org/vb/t15534.html&gt;.

المؤتمر نت (2007). “الإنترنت.. مساحة للعلاقات الخطرة”. المؤتمر نت: 11 أيار / مايو.

الموسى، ابتسام (2008). “الفتيات في غرف الشات والدردشة مع القاتل الخفي: “الإنترنت” سلاح ذو حدين والمجتمع في غيبوبة كبيرة”. الرؤية: 12/12/2008.

النجار، محمد (2009). “صدرت عن دار الإفتاء العام بالأردن فتوى تحرّم “الشات” بين الجنسين”. الجزيرة نت: 18/10/2009،

<http://www.aljazeera.net/NR/EXERES/31A881CA-E506-4A4C-9510-54A 3A 716B7B5.htm>.

الوسط (2009). “الخبراء يحذرون من لغة “الشات” والمحمول”. الوسط: 7/2/2009.

Vip 4 Soft (2008). “الشبكات الاجتماعية… مرتع لمجرمي الإنترنت”. Vip 4 Soft: 3 آب / أغسطس 2008.

<http: www. vip4Soft.com/news/119.html>.

BBC (2008). «Expert Says Txt is gr8 4 language.» BBC: 20 May, < http://news.bbc.co. uk/ 2/hi/uk_news/wales/north_west/7410201.stm >.

Bilton, Nick (2010). «The Surreal World of Chatroulette.» New York Times: 19 February.

Boyd, Danah (2006).«Identity Production in a Networked Culture: Why Youth Heart My- Space.» American Association for the Advancement of Science: 19 February.

Buckingham, David (2003). «Media Education and the End of the Critical Consumer.)) Harvard Educational Review: vol. 73, no. 3.

Calvert, Sandra (2008). «Children as Consumers: Advertising and Marketing.)) Future of Children: vol. 18, no. 1.

Crabtree, Yexen (2002). «Internet Chat and Shorthand Text.)) Vexen: 22 October, < http://&nbsp;www.vexen.co.uk/notes/text.html >.

Center on Alcohol Marketing and Youth (2004). «Clicking with Kids: Alcohol Marketing and Youth on the Internet.)) Center on Alcohol Marketing and Youth: March,

http://cam y.org/research/internet0304/report-low.pdf > .

Chang, Louise (2006). «Parenting in «MySpace)) Era Challenging.)) Web MD, 11 August,

http://www.webmd.com/parenting/news/20060811/parenting-in-myspace-era- challenging >.

Crystal, David (2001). Language and the Internet. Cambridge, MA: Cambridge University Press.

Dahye, H. (2006). «Untitled Essay.)) in: «The 2006 Global Kids: Digital Media Essay Con­test.)) <http://digitallearning.macfound.org/atf/cf/%7B7E45C7E0-A3E0-4B89- AC9C-E807E1B0AE4E%7D/4_ESSAY_DIGITAL_MEDIA_IN_MY_LI- FE.PDF>.

Delalande, Nicolas (2009). «Penser le Moi.» Entretien avec Jerrold Seigel: 6 February,

http://www.laviedesidees.fr/IMG/pdf/20090206_seigelfrancais.pdf >.

ESA (2008). «Essential Facts about the Computer and Video Game Industry.» Entertain­ment Software Association, < http://www.theesa.com/facts/pdfs/ESA_EF_2008. pdf>.

Facer, Keri [et al.] (2003). Screenplay: Children and Computing in the Home. London: Rou- tledge.

Flanagin, Andrew and Miriam Metzger (2008). «Digital Media and Youth: Unparalleled Opportunity and Unprecedented Responsibility.» in: Digital Media, Youth, and Credibility. Cambridge, MA: MIT Press, <http://credibilitycommons.org/wp-con- tent/uploads/2008/02/flanagin_metzger_dmal2008_digitalmediayouth.pdf >.

Forse, Michel (1981).«La Sociabilite.» Economie et Statistique: no. 132, avril, < http://&nbsp;www.persee.fr/web/revues/home/prescript/article/estat_0336-1454_1981_num_132_l _4476>.

Gray, Mary (2004). «Coming of Age in a Digital Era: Youth Queering Technologies in the Rural United States.» (Ph. D. in Communication, University of California, San Die­go, 2004), < http://www.indiana.edu/~qcentral/synopsis.html > .

Griffin, Marsha (2002). «Book Review: Millennials Rising: The Next Great Generation, Emerald Journal.)) Journal of Consumer Marketing: vol. 19, no. 3.

Haraway, Donna (2010). «A Cyborg Manifesto: Science, Technology, and Socialist-Fem- inism in the Late Twentieth Century.)) in: J. Weiss [et al.] (eds.). The International Handbook of Virtual Learning Environments, Part 1:117-158. Netherlands: [n. pb.], < http://www.springerlink.com/content/u531k271421h4940/fulltext.pdf >.

Herring, Susan (2004).«Slouching Toward the Ordinary: Current Trends in Computer- Mediated Communication.)) New Media and Society: vol. 6, no. 1.

Jones, Sydney and Susannah Fox (2009). «Generations Online in 2009,)) Pew Internet and American Life Project: 28 January, < http://www.pewinternet.Org/~/media//Files/ Reports/ 2009/PIP_Generations_2009.pdf >.

JS. KIT ([n. d.]). < http://js-kit.com/api/static/pop_comments?ref =http%3A%2F%2Fa- narc hangel.blogspot.com&path = %2F115463639750549534>

Kelly, Louise, Gayle Kerr and Judy Drennan (2009). ««Try Hard)): Attitudes to Advertis­ing in Online Social Networks.)) ANZMAC, < http: //www.duplication.net. au/AN- ZMAC09/papers/ANZMAC2009-275.pdf >.

Kolodinsky, Jane, Michele Cranwell and Ellen Rowe (2002). «Bridging the Generation Gap Across the Digital Divide: Teens Teaching Internet Skills to Senior Citizens.)) Journal of Extension’, vol. 10, no. 3.

Kyle, M. (2006). «Digital Media in My Life.)) in: «The 2006 Global Kids: Digital Media Es­say Contest.)) < http://digitallearning.macfound.org/atf/cf/%7B7E45C7E0-A3E0- 4B89-AC9C-E807E1B0AE4E%7D/4_ESSAY_DIGITAL_MEDIA_IN_MY_LI- FE.PDF>.

Laurie, Robert (2006). «How to Protect Your Children from the Internet?.)) Christian To­day: 25 June.

Lawrence, Eva (2006), «Identity and Advertising,)) Just Focus: 26 January, < http://www. justfocus.org.nz/2006/01/identity-and-advertising/ >.

Lecomte, Jacques (1998). «Comment Voit-on le monde?: Representations sociales et rea- lite, Entretien avec Serge Moscovici.» Sciences Humaines: Hors-serie, no. 21, Juin- Juillet 1998.

Livingstone, Sonia and Moira Bovill (eds.) (2001). Children and Their Changing Media En­vironment: A European Comparative Study. New Jersey: Lawrence Erlbaum Associ­ates.

Livingstone, Sonia and Moira Bovill (2003).«Young People, New Media.» Media Culture Online: 24 September, <http://www.mediaculture-online.de/fileadmin/ bibliothek/ livingstone_young_people/livingstone_young_people.pdf >.

McCraw, Teresa (2006). «MySpace: Danger or Fun?.» Associated Content: 6 August, < http://www.associatedcontent.com/article/47567/myspace%20danger%20- or%20fun. html >.

Mighty, Joy (2010). Bridging the Generational Divide: Strategies for Engaging the Millen- nials. Kingston, CA: Queen’s University.

Miles, Steven (2007). «Consuming Youth.»in: Crispin Thurlow, «Fabricating Youth: New -media Discourse and the Technologization of Young People.»in: Sally Johnson and Astrid Ensslin (eds.). Language in the Media: Representations, Identities, Ideologies. London: Continuum.

Montgomery, Kathryn (2000),«Children’s Media Culture in the New Millennium: Map­ping the Digital Landscape, The Future of Children.» Children and Computer Tech­nology: vol. 10, no. 2, Fall-Winter, <http://futureofchildren.org/publications/ journal s/article/index.xml?journalid = 45&articleid = 206 > .

Oblinger, Diana and James Oblinger (eds.) (2005). Educating the Net Generation. New York: Educause, <http://net.educause.edu/ir/library/pdf/pub7101.pdf > .

Pare, Guy (2001). «Generation Internet: La prochaine grande generation.» Centre Interuni- versitaire de recherche en analyse des organizations, < http://www.cirano. qc.ca/pdf/ publication/2001RB-03.pdf >.

Pew Research Center (2010). «Millennials: A Portrait of Generation Next: Confident, Connected, Open to Change.» Pew Research Center (February 2010), < http://pew- social trends.org/assets/pdf/millennials-confident-connected-open-to-change.pdf >.

Pisani, Francis and Dominique Piotet (2008). Comment le Web change le monde: L’alchimie des multitudes. Paris : Pearson Education, p. 17, < http://www.alchimiedes multitu­des.atelier.fr/pdf/livre_entier.pdf >.

PSB ([n. d.]). «What Teens Think.» < http://www.pbs.org/wgbh/pages/frontline/shows/ cool/teens/>.

Roberts, Gregory (2005). «Technology and Learning Expectations of the Net Generation.» in: Diana Oblinger and James Oblinger (eds.). Educating the Net Generation. New York: Educause, p. 31, <http://net.educause.edu/ir/library/pdf/pub7101. pdf > .

ROSE(2004): vol. l,no. l,June, <http://users.ox.ac.uk/~gree0735/RoseWeb/Articles/ RFart.pdf >.

Ruano-Borbalan, Jean-Claude (1998). «La Force des idees.» Sciences Humaines: Hors-ser- ie, no. 21, juin-juillet 1998.

Simdes, Luis and Luis Borges Gouveia (2008). «Consumer Behaviour of the Millennial Generation.»III Jornadas de Publicidade e Comunicacao. A Publicidade para o con- sumidor do Sec. XXI. UFP. Porto. 10 de Abril. 2008, < http://homepage.ufp.pt/~ Imbg/com/lsimoes2_spocom08.pdf >.

Spark Mag ([n. d.]). «Youth Culture Defined by Youth.» Spark Mag, < http://www. spankmag.com/content/about.cfm/cc. 18/p.htm > .

Stone, Brad (2010).«The Children of Cyberspace: Old Fogies by Their 20s.» New York Times: 9 January, <http: //www.nytimes.com/2010/01/10/weekinreview/10stone. html? pagewanted = all > .

Tapscott, Don (1998). Growing Up Digital: The Rise of the Net Generation. New York: McGraw-Hill, 1998.

Thurlow, Crispin (2006).«From Statistical Panic to Moral Panic: The Metadiscursive Con­struction and Popular Exaggeration of New Media Language in the Print Media.» Journal of Computer-Mediated Communication: vol. 11, no. 3, < http://jcmc.indiana. edu/volll/issue3/thurlow.html>.

TF1 (2009). «Le Langage des ados.» TF1: 24 Septembre, < http://videos.tfl.fr/jt-20h/le- langage-des-jeunes-4799487.html >.

Thurlow, Crispin (2007). «Fabricating Youth: New-media Discourse and the Technologi- zation of Young People.»in: Sally Johnson and Astrid Ensslin (eds.). Language in the Media: Representations, Identities, Ideologies. London: Continuum.

Valentine, Gill and Sarah Holloway (2002). «Cyberkids? Exploring Children’s Identities and Social Networks in On -line and Off -line Worlds.» Annals of the Association of American Geographers: vol. 92, no. 2, < http://www.casa.ucl.ac.uk/cyberspace/valen- ti ne_annals_cyberkids.pdf >.

Wolton, Dominique (2002). Internet, et apres?: Une theorie critique des nouveaux medias. Paris: Flammarion.

[*]البريد الإلكتروني:   saddek@hotmail.com

[1] حول هذا الموضوع، انظر:.(kolodinsky and Rowe, 2002, and Mighty, 2010)

[2] “Trickle-down Economics,” Wikipedia, <http://en.wikipedia.org/ wiki/ Trickle-down -economics>.

[3] تعج شبكة الإنترنت بكم هائل من المضامين والخطابات حول الطبيعة “المفسدة” للتكنولوجيا عموماً، والإنترنت تحديداً. فهي من الكثرة بحيث يصعب حصرها. وإذا كانت أبويتها ووعظيتها قاسماً مشتركاً بين الكثير من الفضاءات الثقافية في العالم، فإن جرعتها في الوطن العربي تعتبر كبيرة إلى درجة تتحوّل فيها إلى لغوٍ تأثيمي يفقدها أية فاعلية. وهي إلى جانب ذلك تحيل إلى ثقافة مسكونة بالخوف وعدم الثقة في الذات. هل يعني ذلك أننا ننفي إمكانية وجود مضامين “غير صحية” على شبكة الإنترنت؟ ليس الأمر كذلك، وإنما كل ما في الأمر أننا نفضل مقاربة هذا الفضاء بروية وتبصر وعين ناقدة بعيداً عن خطابات التفريط والإفراط، ذلك أن “حقيقة” الفضاء الإلكتروني هي وسط بين ذلك.

[4] انظر الأمثلة التالية كعينة من هذه الخطابات: <http://www.echoroukonline.com/ara/divers/ 46118.html>، (أحمد، 2008؛ الشرق الأوسط، 2009أ، وملتقى المهندسين العرب، 2006).

[5] نقلاً عن: (Thurlow, 2007).

[6] <http://blogs.usatoday.com/gennext/2006/08/facebook-aint-html&gt;.

[7] مقابلة مع أحد طلاب جامعة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة في 12 شباط / فبراير 2010.

[8] بل إن الظاهرة الأكثر بروزاً هذه الأيام في ثقافة النت موقع يحمل اسم (Chatroulette)، ويتيح الموقع الذي أسسه شاب روسي يبلغ 17 عاماً، فتح جلسات دردشة فيديوية مع الغرباء على مستوى الكرة الأرضية، وذلك بطريقة تحكمها فقط الصدف. انظر: (Bilton, 2010). 

[9] التعليقات التي نُحيل إليها في هذا السياق مأخوذة من مراجعات القراء لهذين الكتابين والمنشورة على “أمازون. كوم”. يمكن أيضاً الاطلاع على آراء بعض الشباب حول الكتابين من خلال المنتدى الإلكتروني Fourthturning.com، علماً بأنه نظراً إلى صعوبة التأكد من هوية المرسلين، فإنه لا يمكننا الجزم إن كان هؤلاء من فئة الشباب أم لا.

[10] <http://www.amazon.com/review/RTL7V406W7UY8&gt;.

[11] <http://www.amazon.com/review/RT9V72P5EJURK&gt;.

[12] <http://www.amazon.ca/product-reviews/0375707190? page Number=3>.

[13] <http://www.amazon.com/review/R15DYZNS5V0YMB&gt;.

[14] <http://www.amazon.ca/ product-reviews/0375707190/ref = pr_all_summary _cm _cr_ ac r_txt?ie = UTF8&showViewpoints = 1>.

[15] <http://www.amazon.ca/review/ RYURRCR8ED15U/ref = cm_srch_res_rtr_alt _1>.

[16] <http://www.amazon.com/Millennials-Rising-Next-Great-Generation/ product-reviews/0375707190? page Number = 7>.

[17] يمكن الإحالة في هذا السياق إلى إحدى الدراسات التي تبنت هذا النوع من المقاربات في: (Gray, 2004).

الأكثر رواجًا